كل المؤمنين الحقيقيين بالرب يسوع هم أعضاء في جسد المسيح، وبالتالي كل عضو يتعاون مع بقية أعضاء الجسد لسلامته، فكل مؤمن يعمل على راحة وإسعاد أخيه المؤمن وليس على إغضابه. لذا فالتحريض لنا «لا... نُغاضب بعضنا بعضًا» (غلاطية 5: 26)، أي لا تعمل شيئًا يُغضب أخاك فيحزن قلبه ويشعر بالألم وربما بالغيظ، وذلك يؤدي إلى التحدي والمنافسة ثم الخصام. وهذا لا يتفق مع المحبة الأخوية التي يجب أن نظهرها تجاه بعضنا البعض؛ فالمحبة الأخوية الصادقة تجعلنا نهتم بمشاعر إخوتنا، فنتعامل معهم بلطف وبرِّقة وبحكمة؛ فابتسامة صادقة من القلب تسبِّب فرحًا للآخرين، وكلمة تشجيع ترفع نفسًا منحنية، وجوابًا ليّنًا يصرف الغضب؛ بينما كلمة جارحة لأخي تجعله يغضب، وكلامًا موجعًا يهيج السخط. ليحفظنا الرب من ذلك.
وعندما نُعجب بأنفسنا فإننا نغاضب بعضنا بعضًا، فالعُجب هو التباهي والتفاخر بما لديَّ والزهو بنفسي، وهذا نابع من الجسد الفاسد الذي فينا، ويدلّ على حالة جسدية غير ممتلئة بالروح القدس، لذلك التحريض لنا «لا نكن معجبين نغاضب بعضنا بعضًا». ليعطنا الرب أن نسلك بحسب الروح القدس، فلا نفعل حسب إرادتنا وشهواتنا، بل نمتحن أنفسنا باستمرار في الأفعال والدوافع. وليحفظنا الرب من العُجب والغرور ومن الكبرياء والافتخار الباطل ولا نسعى لكي ننال المدح والمجد الزائل الذي يؤدي إلى إغضاب الآخرين بل نسلك فيما يمجِّد الله.
وعندما نتصرف تصرّفًا غير حكيم، أو نتكلم كلامًا جاهلاً؛ فإن هذا يغضب الآخرين. فمثلاً عندما أخذ يعقـوب البركة من أبيه عن طريق الكذب والمكر ثم اكتشف عيسو أخوه ذلك الأمر غضب جدًا وأراد أن يقتله (تكوين27). وعندما قالت راحيل ليعقوب: «هب لي بنين وإلا فأنا أموت. فحمي غضب يعقوب عليها وقال: أ لعلى مكان الله الذي منع عنك ثمرة البـطن» (تكوين30: 1، 2). ليحفظنا الرب من التصرفات والأقوال غير الحكيمة.
ويجب أن نلاحظ أنه من جانبنا لا ينبغي أن نفعل شيئًا لمجد ذواتنا فنُغضِب إخوتنا. ومن جانب آخر، لا نكن غضوبين بل نتصرف بتعقّل؛ لأن «تعقل الإنسان يبطئ غضبه» (أمثال19: 11). وأيضًا يجب أن نتحكّم في أفعالنا وكلماتنا، لأن «البطيء الغضب خير من الجبار، ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة» (أمثال16: 32). ويعلن الكتاب المقدس أن «الرجل الغضوب يهيّج الخصومة وبطيء الغضب يسكن الخصام» وأيضًا «الحكماء يصرفون الغضب» (أمثال15: 18؛ 29: 8).
ونلاحظ أيضًا أن هناك نوعين من الغضب: أولاً؛ غضب مقدَّس نابع من الغيرة على مجد الله. ثانيًا؛ غضب نابع من الجسد الفاسد الذي فينا الذي لا يحتمل أي إساءة أو مذمة.
فالنوع الأول - وهو الغضب المقدس - نجده في رجال الله الأتقياء الذين غاروا على مجد الله، فلقد حمي غضب موسى رجل الله عندما نزل من الجبل وأبصر العجل الذهبي والشعب يرقصون حوله، وغضب كذلك على هارون لأنه صنع العجل الذهبي وعرى الشعب (خروج32: 19، 22). ولقد حمي غضب أليهو على أيوب لأنه حسب نفسه أبرَّ من الله، وكذلك على أصحابه الثلاثة لأنهم لم يجدوا جوابًا واستذنبوا أيوب (أيوب32: 2، 3).
والرب يسوع - تبارك اسمه - عندما دخل المجمع في كفرناحوم وكان هناك رجل يده يابسة، فصاروا يراقبونه هل يشفيه في السبت لكي يشتكوا عليه. وعندما سكتوا عن مجاوبة سؤاله لهم، نظر حوله إليهم بغضب. لقد كان غضبًا مقدسًا لأنه كان حزينًا على غلاظة قلوبهم (مرقس3).
أما النوع الثاني من الغضب فنجده في الكهنة والأنبياء الذين غضبوا على إرميا النبي وأرادوا قتله لأنه تكلم بأقوال الله التي ليست حسب ميولهم الشريرة (إرميا26). وأيضًا كانت مشاجرة بين التلاميذ، من منهم يظن أنه يكون أكبر، فكل واحد منهم يريد أن يُظهر أنه الأحسن والأفضل، وهذا أغضب الباقين فنشأت المشاجرة بينهم (لوقا22: 24). لقد أوصى يوسف إخوته بعد أن عرَّفهم بنفسه وهو في أرض مصر أن لا يتغاضبوا في الطريق (تكوين45: 24).
لذلك يحذرنا الكتاب من هذا الغضب الذي لا يصنع بر الله (يعقوب1: 20)، بل عـلينا أن نطرحـه كما هـو مكتوب: «اطرحوا عنكم أنتم... الغضب» (كولوسي3: 8)، وليرفع من حياتنا (أفسس4: 31)؛ لأن الغضب يستقر في حضن الجهال (جامعة7: 9). وإذا غضبنا يجب أن لا نخطئ (أفسس4: 26)، بل ليكن كل إنسان مسرعًا في الاستماع مُبطئًا في التكلم مبطئًا في الغضب. وعندما نصلي يجب أن نرفع أيادي طاهرة بدون غضب ولا جدال (1تيموثاوس 2: 8).
أخي.. أختي.. ليتنا نمتحن أنفسنا باستمرار ونراجع طرقنا. هل أغضبنا إخوتنا بكبريائنا وبتعظيم ذواتنا وبعُجبنا؟ ليحفظنا الرب من ذواتنا ومن أعمال الجسد الفاسد الذي فينا. وليُعطنا الرب أن نراعي مشاعر إخوتنا، وأن نشجع بعضنا البعض، ولا نغضب بعضنا البعض، بل نسلك بحسب الروح القدس في كل خطوة، وليكن هدفنا باستمرار أن المسيح يتعظم في حياتنا وفي حياة إخوتنا.