هو خاتمة كل الأسفار التاريخية السبعة عشر التي يحتويها العهد القديم. وهو، مع عزرا ونحميا، يشكِّلون مجموعة الأسفار التاريخية الثلاثة التي كُتِبَت بعد السبي. مع فارق هام أنه: بينما يسجِّل عزرا ونحميا تاريخ البقية اليهودية التي عادت لتبني الهيكل وتُقيم أسوار أورشليم بناءً على دعوة الرب لهم من خلال كورش الفارسي، يسجِّل سفر أستير قصة اليهود الذين لم يلبّوا النداء وبقوا في أرض الشتات.
موضوع السفر
تبدأ أحداث السفر في السنة الثالثة لملك الفرس العظيم أحشويروش (485ق م - 465 ق م )، والذي يُعرف في التاريخ باسم “زركسيس”، وهو النطق اليوناني لكلمة أحشويروش. حيث كان الملك قد أقام وليمة عظيمة، كعادة ملوك الفرس في عشقهم للولائم، أو كما يرجِّح البعض أنه كان يُعدّ بها لحملته الشهيرة على اليونان، واستمرت الوليمة ستة شهور!! وانتهت الوليمة بخلع الملكة الجميلة “وشتي” لتحلّ محلها فتاة يهودية يتيمة، في دراما أغرب من الأحلام. ثم يظهر في المشهد هامان الأجاجي الذي يكره مردخاي اليهودي، لأنه لا يسجد له؛ فينجح في استصدار قرار بإبادة وقتل وإهلاك جميع اليهود في يوم واحد! لكن هنا تبرز العناية الإلهية بروعة سلطانها وتحكُّمها في الأحداث، لتقلب المائدة على هامان، ومن ورائه الشيطان، في دراما عجيبة لا يقوى على إنتاج نظيرها خيال أقوى الأدباء. لكنها لم تكن قُطّ خيال، بل واقع تشهد لصحته علوم التاريخ والجغرافيا والآثار.
كاتب السفر:
غير معروف على وجه التحديد، لكن البعض يقول إنه عزرا، والبعض مردخاي.
غرض السفر:
عندما نتكلم عن غرض هذا السفر، لا بد أن نشير إلى أنه لم يُذكَر فيه اسم الله ولا مرة، بينما ذُكر اسم الملك الوثني أحشويروش 30 مرة، واسم هامان الشرير 54مرة!! ولو عرفنا الغرض من وراء عدم ذكر اسم الله، عرفنا الغرض من السفر كله، للأسباب الأتية:
à السفر كُتِبَ ليُرينا عظمة الله وهو يسيطر على الأحداث التي تحدث على الأرض، وكيف أنه، وهو يسيطر عليها، لا يلغي حرية الأشرار، ولا حتى الشيطان؛ بل على العكس يستعمل ويوجِّه هذه الحرية، لكي تتمم مشيئته وتظهر مجده!! وكيف أنه يوجِّه كل الأحداث بهذا السلطان لتصنع في النهاية خير شعبه!! ألا أن العجيب هو أنه يفعل كل هذا من وراء الستار دون أي تدخّل ظاهر!!
à السفر كُتِب ليعرِّفنا ما هو موقف الله من اليهود الذين لم يهتموا بأمور الله المتمثلة في مدينته وهيكله؛ فهو، وإن كان لم يحرمهم قَطّ من عنايته الفائقة، لكنه لم يربط بهم قَطٌّ اسمه الكريم، ولم يُظهر لهم قَطّ جلال هذا الاسم!!
وعليه نقول إن سفر أستير يقودنا للسجود أمام الجلال الإلهي البادي أولاً في حنانه وسلطانه، ثم ثانيًا في صرامته وقداسته.
أهمية السفر لنا
إن كان سفر التكوين هو حجر الأساس في فَهم التاريخ من المنظور الروحي، لأنه يرينا كيف أسَّس الله التاريخ البشري؛ فإن سفر أستير، وهو خاتمة الأسفار التاريخية، يُعتبر حجر الزاوية، لأنه يشرح لنا أسلوب الله في إدارة التاريخ البشري.
هناك طريقتان يتدخَّل الله بهما في حياة شعبه، أن يتدخل فجأة في مجرى الأحداث ليغيّره بمعجزة، أو أن يترك الأحداث تجري في أعنّتها مع إحكامه السيطرة على لجامها ليوجِّهها في النهاية للغاية التي يريدها! وسفر أستير يجسِّد هذه الطريقة، ولا يدانيه في هذا سوى قصة يوسف، ولا يفوقه سوى قصة الصليب. هذه الطريقة تُنتج في النهاية ما هو أعظم جدًا من المعجزة، لكنها لا تروقنا كثيرًا لأنها تحتاج منا إلى الصبر والإيمان.
السفر يرينا كيف أن الله يعدّ دائمًا المنفذ قبل التجربة.
معاملات الله مع أستير في هذا السفر تعلّمنا أن الله إله التعويضات، الذي قد يفاجئنا في أي لحظة بخير لم يخطر لنا على بال. ومع مردخاي تعلّمنا أن الله إله يكرم الذين يكرمونه. ومع هامان تعلّمنا أن الله لا يُشمخ عليه وأن الشر يميت الشرير. أما مع أحشويروش الملك فهي تعلّمنا أن الله هو الملك الحقيقي وصاحب الكلمة الأخيرة وحده.
لهذا السفر مغزى نبوي في غاية الأهمية، فنحن لا نملك، في كل نبوات العهد القديم، صورة واضحة التفاصيل لكيفية تعامل الله مع اليهود المشتتين منذ صلبهم للمسيح وحتى المجيء الثاني، مثلما نراها هنا في سفر أستير، والتي تتلخص في أنهم لا يحملون اسمه لكنهم غير محرومون من عنايته.
لهذا السفر قيمة عظيمة في إثبات الوحي اللفظي للكتاب، لأنه لو كانت هناك أدنى حرية للكاتب في أن يضيف كلمة واحدة من عنده، لكان كاتب سفر أستير استعمل هذه الحرية في إضافة أسمى كلمة ألا وهي كلمة “الله”، وما أكثر المواضع التي كان يمكن أن توضع فيه دون أن تخل بالمعنى، بل على العكس ربما زادته جمالاً، لكن في الوقت نفسه كانت ستضيّع كل غرض السفر.
لنا في هذا السفر درس عملي عظيم، إذا كنا كمؤمنين نحب أنفسنا وراحتنا أكثر من محبتنا لله وعمله، وبالتالي لم نهتم بخدمته وأموره، فالله في رحمته ومحبته لن يحرمنا من أعمال عنايته، لكننا سنُحرم من أعظم بركة في الحياة، بل والتي تعطي للحياة قيمتها ومعناها؛ ألا وهي بركة إظهار اسمه لنا.
أقسام السفر
يمكن تقسيم السفر إلى جزئين رئيسين كالآتي:
ص1-5 الله يجهز لشعبه المنفذ من التجربةص6- 10 الله ينجّي شعبه من التجربة
ص1 خلع وشتي من الملكص6 مردخاي يُكْرَم
ص2 تنصيب أستير ملكةص7 هامان يُصلَب
ص3 هامان يستصدر قرار الإبادةص8 اليهود ينتقمون
ص4 مردخاي يصرخ ويطلب المعونة ص9 عيد الفوريم يؤسَّس
ص5 أستير تتدخلص10 تنصيب مردخاي رئيسًا للوزراء
تواريخ وارقام
* السفر يشغل أحداثًا لمدة 12 سنة من فترة حكم أحشويروش (485-465 ق م).
* يحتوي على 10 أصحاحات وبه 167 عددًا ويمكن قراءته في أقل من نصف ساعة.
* ذُكر اسم مردخاي 58 مرة، وأستير 55 مرة، وهامان 54 مرة، وأحشويروش 30 مرة. ولم يذكر اسم “الله” ولا مرة!!
* به أقصر أصحاح في الكتاب المقدس (باستثناء المزامير) ص10، وبه أطول عدد في الكتاب المقدس (أستير8: 9).