على مر التاريخ، وفي كل بلدان العالم، كانت العائـلات الملوكية تُعامَل معاملة خاصة، وكان أفرادها، في الغالب، يُعفون من مراعاة القانون أو تلقِّي العقاب، بل ومن التأديب أحيانًا. ولكن كان ينبغي - رغم ذلك - أن يعرف أولاد الملوك أنهم يستحقون العقاب إذا أساءوا التصرُف. وعندما كان أميرٌ أو أميرةٌ يخالف قاعدة أو عرفًا، أو يُقصِّر دون المطلوب في تحصيله المدرسي، كان غـلامٌ عبدٌ يُعاقَب بدلاً منه. وقد جرت العادة على تسمية ذلك الغلام العبد “كبش الفداء”. وكان ذلك الغلام العبد يسير دائمًا في إثر خطوات الأمير لتلقي العقاب كلّما اقتضت الحاجة لذلك.
لم يكن هناك شكٌ في مَنْ هو المخطىء الحقيقي، ولكن ما كان ليخطًر على بال أحد من عامة الشعب أو العبيد أنه يحقُّ له أن يُوبِّخ أو يُعاقب أو يضرب أحد الأمراء من أفراد العائلة المالكة.
غير أن صليب الجلجثة يعرض أمامنا نظرة مختلفة تمامًا بشأن التعامل مع الإثم والتعدِّي. فمع أن العبد هو المخطيء الحقيقي، فقد تلقّى الأمير العقاب، بل إن الذي عُوقب هو ملك الملوك ورب الأرباب؛ ذلك أن الرب يسوع المسيح، رب المجد، أخذ مكاننا إذ مات على الصليب. فهو قد صار لنا “كبش الفداء”، طائعًا مختارًا، وأدّى عنا عقوبة خطايانا «فإن المسيح أيضًا تألَّم مرَّةً واحدةً من أجل الخطايا، البارُّ من أجل الأثمة، لكي يُقرِّبنا إلى الله» (1بطرس3: 18).
إنني كنت، كخاطئ أثيم، وكعبد للخطية، أقف على حافة الهـلاك، محكومًا عليَّ بالعذاب الأبدي في بحيرة النار والكبريت، لأنال فيها بعدلٍ استحقاق ما فعلت (لوقا23: 41). وهل ذلك لأجل خطية واحدة؟ كلا، بل لأجل خطايا كثيرة اقترفتها ضد قوانين الله الثابتة غير المتغيرة، ولأجل آثام وذنوب لا تُحصى ارتكبتها ضد الله. ولكني تطلّعتُ إلى صليب الجلجثة، وإذ بابن الله «رَبِّي وإلهي»، وقد صار نائبي وبديلي، وذهب إلى الصليب ليقف مكاني - مكان المذنوبية والدينونة - أمام عدالة الله. لقد حمل في جسمه على الخشبة كل عقاب خطاياي، وكل قصاص أستحقه كأجرة لآثامي وتعدياتي، لقد تحمَّلَ “سَيِّدي”، بالنيابة عني، ألم الموت؛ لقد مات على الصليب لكي أحيَّا أنا في المجد! لقد تألم البار من أجلي أنا الأثيم، لكي يقربني إلى الله.
ويا لروعة الصليب!! أنا “العبد” أخطأت وأثمت وفعلت الشر، وكنت بعدلٍ أستحق الموت والعذاب الأبدي، ولكن «رَبَّي وإلهي»؛ ملك الملوك ورب الأرباب، تحمَّلَ العقاب الأبدي. لقد تحمَّلَ الدينونة وأُعتقتُ أنا، «قد أخطأتُ، وعوّجتُ المستقيم، ولم أُجازَ عليه. فَدَى نفسي من العبور إلى الحفرة، فترى حياتي النور» (أيوب33: 27، 28). وعلى الصليب، كان الرب يسوع المسيح «مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحُبره شُفيناَ. كلّـنا كغنمٍ ضللنا، مِلنا كل ِواحدٍ إلى طريقهِ، والرب وضعَ عليه إثمَ جميعنا» (إشعياء53: 5، 6).
أيها الأحباء: لقد كان الصليب بحق هو مكاني ومكانك، وارتضى المسيح أن يعتليه لأجلي ولأجلك، وهناك أُخذَ البار عوضًا عن الأثيم لكي يُقبَل الأثيم في البار (1بطرس3: 18). فخطايانا هي التي أتت بالمسيح إلى الصليب، والمسيح هو الذي أتى بنا إلى الله.
على الصليب أخذ الملك مكان العبيد، أخذ البار مكان الأثمة الخطاة، أخذ الراعي مكان الخراف، أخذ الرب يسوع المسيح مركزنا بكل نتائجه الرهيبة، لكي نأخذ نحن مركزه بكل نتائجه المجيدة. لقد حُسبَ هو المُذنب لكي نُحسب نحن متبررين. تركه الله لكي يقبلنا نحن. صار وسط ساعات الظلمة الرهيبة لكي ينقلنا نحن إلى النور الأبدي.
على الصليب قام عليه كل ما كان ضدنا. وفوق خشبة العار احتمل كل ما كان علينا، لكي لا يبقى علينا شيئًا مطلقًا. واجه الدينونة والموت فناب عنا فعلاً لكي نتمتع نحن بالبر والحياة الأبدية. وشرب كأس الغضب وتجرّع غُصَص الهوان لكي نتناول نحن كأس الخلاص، ونرتوي من فيض محبة الله وغنى نعمته.
وبالاختصار، لقد نزل المسيح بالنعمة إلى حيث كنا، لكي يرفعنا ويُعطينا مكانًا معه حيث هو الآن، لكي نسكن معه إلى الأبد. لقد أخذ على الصليب ما نستحقه نحن، لكي نأخذ نحن ما استحقه هو. ولم ينزل من الصليب إلا بعد أن قال «قد أُكْمِلَ» (يوحنا19: 30)، فسدَّد لعدالة الله حقوقها، وسدَّد للناموس مطاليبه، ودفع أجرة الخطية بدلاً عنا، ولم يبقَ على الخاطىء الأثيم الذي يريد أن يتبرر إلا قبول عمل المسيح لأجله بالإيمان.
فيا لروعة النعمة!! يا لغناها!! يا لسموها!!
قَاسىَ ربي كلَّ هذا بل وسيِفُ العدلِ جازَ نكَّسَّ الراسَ أخيرًا فَلَكَ نجثو بحبٍّ |
|
وتَحمَّل العـنــا فيه كي أنجو أنا مائتًا عن الخطاةْ أيُّها الرب الإلهْ |