لوقا 12: 16-21؛ 16: 19-31
تكلم الرب يسوع عن اثنين من الأغنياء, كشف لنا من خلال حياتيهما حقيقتين:
الأولى: فراغ الحياه الأرضيه,
والثانية: ضياع الأبدية.
وقصد سيّدنا المبارك أن يصل بنا إلى سِرِّ هلاك كليهما، حتى نتنبه أكثر؛ فلا نكون كأيٍّ منهما. فإلهنا كان، ولا زال، يريد أن الجميع يخلصون.
فما سرّ هلاك وضياع هذين الرجلين؟
1- فكَّر في نفسه (لوقا12: 17)
هذا الغني أخصبت كورته (مزارعه)، وزادت محاصيله, فلم يقده هذا لشكر وحمد إلهه العظيم، بل زاده تركيزًا على دائرة نفسه وذاته، التي هي إلهه. فهذه هي ضربه قلب الإنسان المدمِّرة، التى قال عنهاالكتاب المقدس «إلههم بطنهم» (فيلبي3: 1)، وأيضًا «يكونون محبّين لأنفسهم» (2تيموثاوس3: 2).
لقد خلق الله الإنسان ليكون له، ويحتمي الإنسان في سِتره, ويتعل ق به ويتعبَّد له. لكن، وا أسفاه! لقد قال الإنسان لخالقه «إبعد عنا»!! فزاد اهتمام الإنسان بنفسه, والنتيجه أنه دمَّر نفسه. فلقد قال المسيح «من أراد أن يخلِّص نفسه يهلكها» (لوقا9: 24).
2- غني لكن غبي!! (لوقا12: 20)
قال الله له «يا غبي»؛ فلماذا لقَّبه الله هكذا؟
أولاً؛ لأنه ظَنَّ أن محاصيله وماله يمكن أن يعطياه الأفراح وهدوء البال! «يا نفسُ لك خيرات كثيره... استريحي، وكُلي واشربي وافرحى». ولم يعرف هذا المسكين أن مصدر راحة النفس وضمانها هو الله خالقها, الذي قال عنه داود «يا الله إلهي أنت، إليك أبكِّر. عطشت إليك نفسي» (مز63: 1)
وثانيًا؛ هو غبي لأنه أيضًا ظَنَّ أن العمر أمامه طويل، فقال لنفسه «لك خيرات... موضوعه لسنين كثيره»، وهو لا يعرف أن حياتنا بخار، يظهر قليلاً ثم يضمحِل!
أصلّى أن يعطيك الرب ذكاءًا روحيًا، فتعرف أن حياتك ليست طويلة؛ بل بخار، وأن فرحها وضمان أبديتها، بل وشبعها هو المسيح وحده «أمامك شبع سرور».
3- مات الغني ودُفن (لوقا16: 22)
ننتقل إلى الصورة الثانية من حياة الإنسان البعيد عن الله, ونراها واضحه فى قصة الغني في لوقا16. حيث نرى النهاية للحياة الأرضية الزائلة, لكن البداية لعذاب أبدي.
مات الغني.. إنها الحقيقية التى ظل يهرب منها, فانتهت الآمال وتبخّرت الأحلام، فقد «وُضع للناس أن يموتوا مَرّة» (عبرانيين9: 27).. مات ورفع عينيه فى الهاويه فى العذاب.. فيا للخسارة!! ويا له من عذاب!
عزيزي.. قال بولس لتيموثاوس أن يوصي الأغنياء «أن لا يلقوا رجاءهم على غير يقينية الغنى» (1تيموثاوس6: 17)، بمعنى أن الغنى أساس واهٍ ضعيف، لا يُعطي سعادةً حقيقية، بل ويبعد القلب عن ضمان الأبدية في المسيح. لكن هناك أساس متين, يُسعد الحياة ويضمن الأبدية.. إنه شخص المسيح، الذي قال «أتيت لتكون لهم حياة, وليكون لهم أفضل» (يوحنا10: 10). لذا أنشَدَ المرنِّم واثقًا:
رجاء نفسى وحده
ليس رجاء بسواه
مسيحي صخري لا يُزال |
|
دم يسوع واسمه
إذ موته يعطي النجاه
وغيره الكلُّ رمال |
4- صلاة مرفوضة (لوقا16: 24)
وصل الغني المسكين إلى الأبدية المظلمة، وبدون المسيح.. يا للهول! هناك اللهيب والعذاب. وصف “دانتي”,الشاعر الإيطالي, بابها المرعب وقد كُتب عليه: “أيها الداخلون هذا المكان.. اقطعوا الأمل”!!!
وحينما رفع الغني عينيه في العذاب، رأى أبينا إبراهيم من بعيد، ولعازر في حضنه، يتعزّون ويفرحون؛ فطلب منه ثلاث طلبات، وكلهم قوبلوا بالرفض!!
الأولى: «ارحمني يا أبي إبراهيم». فلم يستجب له؛ والسبب أن الذي عنده الرحمة هو الله فقط «إله غفور وحنّان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة» (نحميا9: 17). كما أنه كان قد فات أوان الرحمة التى كانت على الأرض.
الثانية: طلب نقطه ماء ليبرِّد لسانه في هذا اللهيب!! ولم يأخذ هذه الطلبة، حيث أن الوسيلة الوحيدة للهروب من عطش الجحيم هو الإيمان بالمسيح «من يؤمن بي فلا يعطش أبدًا» (يوحنا6: 35).
الثالثة: طلب أن يُرسل لعازر إلى إخوته الخمسة الأحياء على الأرض، حتى يتوبوا ولا يأتوا إلى موضع العذاب الرهيب. قال له إبراهيم: “عندهم كلمه الله, من يسمعها ويصدِّقها بتوبة عن خطاياه، ينجو من العذاب الأبدي”. فلقد قال المسيح «من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلنى، فله حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياه» (يوحنا5: 24).
5- لم يكن غنيًا لله (لوقا12: 21)
كان غنيًا ماديًا، لكن بدون الله. ولم تكن حياته لله.. بمعنى أن غناه كان محصورًا في أمور مادية فانية وشهوات باطلة. ولم يكن له البركات الروحية الإلهية التى تدوم للأبد «الذي باركنا بكل بركه روحيه فى السماويات في المسيح» (أفسس1: 3).
إن الرب يسوع يريد خير الإنسان وسعادته الحقيقية والأبدية؛ فلقد افتقر، وهو الغني، لكي نستغنى بفقره. وهو لديه غنى روحي أبدي حقيقي «غنى المسيح الذي لا يُستقصى».
عزيزي.. إن المسيح عنده الغنى والكرامه. إننى أسمعه ينادي مقدِّمًا غِناه، بِرّه ومجده «أُشير عليك أن تشتري منى ذهبًا مصفّى بالنار لكي تستغنى» (رؤيا3: 18)؛ فتصبح بالمسيح غنيًا، روحيًا ونفسيًا، بل وأبديًا. وعندئذ تقدِّم الكل مرة أخرى له، مكرِّسًا كل إمكانياتك قائلاً «من يدك وأعطيناك». فتُصبح بحق غنيًا لله.