أسعدني كثيرًا ما سردته والدة “لليان” - وقد ذكرَتْهُ دون تعمُّد، إبَّان حديثها عن أمرٍ ما - والصدق أنه أحرجني أيضًا!
أخبرتني الوالدة أن لليان تستيقظ في الخامسة صباحًا ليتيسر لها أن تجلس هنيهةً مع الرب، قبل أن تتوجَّه إلى مدرستها في السابعة والنصف.
سألتُ لليان: “لماذا تُتعبين نفسك في الاستيقاظ مبكرًا هكذا؟ ألا يمكنك أن تُصلّي في المساء أو في أي وقت آخر؟”.
أجابت: “إن هذا الوقت هو الأفضل؛ فاليوم ما زال أمامي، وليس كالمساء حين ينقضي اليوم ولا يبقى إلا النوم. ثم أن في هذه الفترة لا يكون ذهني قد انشغل بعد بأيٍ من أمور العالم المُربكة، ثم - وهذا هوالأهم - أن هذه العادة التي تأصلت فيَّ أصبحت من دواعي متعتي الحقيقية وسروري الخالص”.
نعم.. احمرَّت أُذناي خجلاً، فأنا الذي أتوجَّه إلى عملي بعد ذلك بساعتين على الأقل لم أستطع مضاهاة الفتاة فيما تصنع.
وتذكرتُ ما قرأتُ عن “هَدسون تايلور” - المُرسَل العظيم إلى الصين - قوله عن نفسه وهو يدلِّل على أهمية الاستيقاظ المبكر لقضاء وقت في الشركة مع الرب: “لم تُشرق شمس الصين عليَّ يومًا فوجدَتني نائمًا”!!
وتأملت أيضًا فيما قرأتُه عن “ديڤيد برينارد”، الشاب المكرَّس المرسَل للهنود الأمريكيين، أنه كان يقضي أيامًا كاملة في الصلاة؛ لذلك استخدمه الله استخدامًا عظيمًا في حياته القصيرة التي لم تزد عن ثلاثين عامًا، بل وبعد رقاده أيضًا كم استخدم الله مذكراته وسيرة حياته سبب بركة عظيمة للآلاف! وفي مذكّراته الشخصية كتب يومًا: “قضيتُ في هذا الصباح ساعتين في التأمل والصلاة بابتهاج، وكم أحسَّت نفسي بحلاوة التسليم الكامل لله! قدَّمتُ نفسي بكل مشاغلها واهتماماتها. وكم كانت خلوتي مع الرب ممتعة! وكم غمرتني السعادة! لست مستعدًا أن أضحي بهذه السعادة من أجل أي شيء آخر في العالم”.
أما “مارتن لوثر” فقد كان يردِّد دائمًا: “إن كنت أفشل في قضاء ساعتين مع الله في كل صباح، ينتصر عليَّ الشيطان في أثناء النهار”.
وما أدعوك إليه - عزيزي القارئ - وقد دعوت نفسي إليه قبلك، في بداءة عامٍ جديد، هو التالي:
1- اِعترف بعدم الصلاة كخطية
عالمًا بحجم الإهانة التي توجِّهها لله عندما تُحجِم عن قضاء باكورة الوقت معه.
أوَ لا يدعونا في نعمته إلى الاقتراب منه قائلاً لكل منا، كقول كاتب النشيد للعروس «أريني وجهك، أسمعيني صوتك» (نشيد2: 14)؟! أوَ ليست إهانة بالغة أن نجد وقتًا لكل شيء وكل شخص آخر، ما عدا ذلك الشخص الكريم العظيم؟!
قال صموئيل النبي للشعب: «حاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكفّ عن الصلاة من أجلكم» (1صموئيل12: 23).
كانت الشركة مع الآب هي السِمة المميزة لحياة المسيح على الأرض. فكم صعد إلى الجبل منفردًا ليصلي! كم قضى الليل كله في الصلاة! وكم قام وخرج في الصبح باكرًا جدًا ليصلي! ألا تعترينا الدهشة عندما نرى هذا الكبير القدير جاثيًا كل صباح لإلهه وأبيه؟! وإذا كان الرب نفسُه في أيام جسده احتاج إلى هذه الساعة المبكِّرة، ألا نحتاجها نحن في ضعفنا وجهلنا الشديدين، ونعلم بقيمتها؟! لقد كان وقت المسيح مزدحمًا جدًا بالعمل، إلى الحد الذي جعله لا يجد أحيانًا فرصة لتناول الطعام؛ لكنه كان دائمًا يعطي باكورة يومه للشركة الوثيقة مع الآب!
2- ضع وقت الصلاة على رأس أولوياتك
لقد كانت الأوقات التي يقضيها دانيآل أمام إلهه أثمن لديه من الحياة ذاتـها. فلم تكن للحياة قيمة لديه بدون صلاة. لقد علم بالمرسوم الملكي الذي يهدّده بأشنع الميتات اذا استمر يصلي، إلا أنه لم يكن ليقوى على الاستمرار في الحياة بغير صلاة؛ إذًا فالموت أرحم كثيرًا من وجهة نظره (دانيآل6: 10). فما أعقله! ألا نتعقل نحن؟! فنهاية كل شيء قد اقتربت؛ ليتنا ندرك ذلك فنصحُ للصلوات (1بطرس4: 7).
واسمح لي عزيزي القارئ أن أُذكِّرك بألا تفصل بين الصلاة وبين قراءة الكتاب المقدس، فهُما في الواقع شيء واحد، حديث متبادل بينك وبين الله. قال “أندرو موري”: “قراءة قليلة في كلمة الله وصلاة قليلة؛ تقتل الحياة الروحية. دراسة مجرَّدة لكلمة الله بغير صلاة؛ تؤدي إلى حياة سقيمة. صلاة كثيرة مع دراسة هزيلة، ستؤدّي إلى حياة ليس فيها ثبات. فالكلمة تمدّنا بمادة للصلاة، وتشجِّعنا على انتظار كل شيء من الله؛ ثم إننا بالصلاة فقط نستطيع أن نحيا عمليًا حياة بحسب كلمة الله. فالكلمة والصلاة إذن صِنْوَان لا يفترقان”.
3- ابذل مزيدًا من الجهد
ألا نبذل الكثير من الجهد، ولا نبالي بما نعاني من إرهاق وتعب، ونصحو مبكِّرًا ونسهر الليالي، لكي ننجح في امتحاناتنا الدراسية؟! وحسنًا نفعل. وفي أعمالنا الزمنية ألا نبذل الكثير من الجهد لكي نحصل على حفنة من الجنيهات في نهاية الشهر؟ أفلا نحتاج بالأولى إلى أن نبذل كل اجتهاد لأجل ما يضمن نجاحنا وصحتنا الروحية ولكي نغلق أبوابنا في وجه العدو؟! ليتنا نعلم حجم الخسارة التي نكابدها بحرمان أنفسنا من الوجود في محضر الرب.
لا زلت أذكر، بعد ثمانية عشر عامًا، ما نصحني به أحد خدَّم الرب، بعد أن سألني في أول سِني دراستي الجامعية: “كم مادة لديك هذا العام؟” أجبتُهُ: “خمس مواد”. أجابني: “اعتبرهم ستة!”. واستذكرت في ذلك العام من كلمة الله ما لم أستذكره من قبل!
انظر كيف كان الرسول بولس يُصلي، ويتوسل المؤمنين ن يصلوا من أجله! «أطلب إليكم أيها الإخوة... أن تجاهدوا معي في الصلوات من أجلي» (رومية15: 30). وعن “أبفراس” ذكر أنه مجاهد في أفضل المجالات - في الصلاة - لكي يَثبت المؤمنين كاملين ممتلئين في كل مشيئة الله (كولوسي4: 12).
إذًا دعني أضع أمامك - صديقي - نقاطًا محدَّدة لتعملها متكلاً على الرب:
- قرِّر كم من الوقت تستطيع أن تخصِّص لتقضيه مع الله؛ ابدأ على نطاق ضيق، ثم زِد الوقت شيئًا فشيء.
- نظّم بقية اليوم حول فترة الصلاة هذه. لا تدع بقية يومك تقرِّر فترة صلاتك هذه بل العكس.
- اجعل الوقت في الصباح الباكر «في الغداة صلاتي تتقدمك» (مزمور88: 13).
صديقي:
لنبدأ هذا التدريب الممتع مع بداية هذا العام الجديد.