بالمزاد 30 أم 600 أم 30000؟
بينما كنت جالسًـا في انتظار دوري لأقصُّ شعر رأسي، استرعت انتباهي إحدى المجلات التي كانت موضوعة على منضدة صغيرة أمامي؛ فتناولتها، وأخذت أفِرُّ صفحاتها. ولكني سريعـًا ما توقَّفت أمام عنوان شد إنتباهي، كان العنوان هو “البيع بالمزاد من 600جنيه إلى 30000 جنيه”. وتسألتُ عن غرض هذا المزاد: هل هو صفقة تجارية، أو أحد الأجهزة القيّمة، أو سعر متر الأرض في منطقة حيوية. وإذ تماديت في القراءة، وجدت أن أحدهم باع ابنه بثلاثين ألفـًا من الجنيهات، وآخر باع ابنته بستمائة جنيه، وثالث من مدينة بورسعيد عرض بناته الأربع اللاتي تتراوح أعمارهن بين ثلاث وعشر سنوات للبيع. وللحظة أخذت أفكِّر في أمر هؤلاء الآباء الذين وصلت بهم الشراسة والقسوة وغلاظة القلب والجفاء إلى هذه الدرجة، كيف هم هكذا فاقدي الحس، بلا حنو يقسون على أولادهم فلذة أكبادهم بهذه الدرجة وكأنهم ليسوا لهم؟! فلم يصلوا حتى إلى الحيوانات الطبيعية التي تحب أولادها وتحامي عنها، إلى هذه الدجاجة التي تجمع فراخها تحت جناحيها!!
زالت دهشتي هذه إذ تذكَّرت أن هذه الأمور ليست غريبة عن طابع الأيام التي نعيش فيها، كما يذكر الكتاب المقدس صفات الناس في هذه الأيام. وابتدأت أجول بخاطري في أسفار وأقوال الكتاب المقدس، فوجدتني أبتدئ بسفر البدايات، سفر التكوين، لأقرأ عن:
- أبٍ، اسمه لابان، كان يتاجر ببناته حتى في غيظهما قالتا عنه: «ألم نُحسب منه أجنبيّتين، لأنه باعنا وقد أكل أيضـًا ثمننا؟» (تكوين31: 15).
- إخوة يوسف الذين حسدوا أخاهم، الذي قيل عنه بحق إنه «قمّة نذير إخوته»؛ فباعوه بعشرين من الفضة. لقد فقدوا المشاعر والحسّ فلم يؤثِّر فيهم حال يوسف المؤلمة.
- شخص مستبيح اسمه عيسو، باع بكوريته لأجل شهوة، ليأكل طبقـًا من العدس، وكان لسان حاله «ها أنا ماضٍ إلى الموت، فلماذا لي بكورية؟».. ولكن الكتاب يعلِّق عليه أنه أكل وشرب وقام ومضى.. فاحتقر عيسو البكورية. آه يا إخوتي الشباب.. لأجل شهوة ولذّة وتمتع وقتي وخطية تُحتقَر البركات والعطايا السماوية والإلهية؟! هل أصبح لسان حال الكثيرين: «نأكل ونشرب لأننا غدًا نموت». إن من يفعلون هذا سيموتون في خطاياهم هذه، ولكن سيأتي الوقت الذي فيه سيتذكّرون إنهم استهانوا واحتقروا أفضل العطايا والهبات، ولم يبقَ لهم سوى البكاء وصرير الأسنان.
دعوني استسمحكم أن أكمل مثالي هذا بشخصيات أخرى، باعت!! وماذا باعت؟! وذلك على سبيل المثال لا على سبيل الحصر لأن الكتاب المقدس مليء بالأمثلة:
- أخآب الشرير الذي لم يبِع ابنـًا أو ابنة، بل باع نفسه بأرخص الأثمان. قال عنه الكتاب «ولم يكن كأخآب (في شره) الذي باع نفسه لعمل الشر في عيني الرب الذي أغوته إيزابل امرأته» (1ملوك21: 25).
- يهوذا الاسخريوطي الذي باع سيده بثلاثين من الفضة لا بـ600 ولا 30000.
- هؤلاء المعلمين الكذبة الذين يتاجرون بأنفس الناس الثمينة كأرخص سلعة، الذين يحوّلون الناس عن المخلّص الوحيد، الذي ليس بأحد غيره الخلاص، ويعلمونهم تعاليم ووصايا وتقاليد أناس؛ فيبعدونهم بشتّى الطرق عن الكتاب المقدس، ويصرفون مسامعهم عن الحق بقصصهم الوهمية، وبدلاً من أن يقودونهم إلى المسيح للخلاص، يصنعونهم أبناء لجهنّم، فيظلّون قادة عميان، ويستمر من يقبلهم في عماه. ولكن ما أرهب المصير الذي ينتظرهم، إذ في يوم واحد ستأتي ضرباتهم موت وحزن وجوع وتحترق بالنار لأن الرب الإله الذي يدينها قوي (رؤيا18: 3، 8).
لكن دعونا من هذه الصورة المظلمة البشعة إلى الصورة المضيئة المُعزّية إذ نقرأ عن شخص آخر مجيد هو الرب يسوع الذي مضى وباع كل شيء لأجل من أحبهم (متى13: 44، 46)، بل الذي بذل نفسه وضحى بحياته لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (يوحنا3: 16). هذا الشخص الذي أتى من سماه، وجال يصنع خيرًا ويشفي المتسلط عليهم إبليس، الذي مات لأجلي ولأجلك على الصليب، الذي يحبَّك ودفع فيك أغلى ثمن مقدِّرًا نفسك الغالية. تُرى ما موقفك من هذا الشخص الذي يراك غاليًا جدًا؟!