دروس غنية من بطولة غانا الأفريقية
عطش الإنسان الشديد إلى الفرح
إن ما شاهدناه في الشارع المصري في الشهر الماضي، يكشف لنا عن كَمّ الهَمّ المكبوت، والحزن الدفين داخل النفوس؛ إذ بمجرد إن أطلق الحكم صافرة نهاية مبارة مصر والكاميرون، معلنًا فوز مصر بكأس إفريقيا، تمرَّد الإنسان على واقعه، وتفجَّرت داخله ثورة هائلة تنشد الغبطة والسرور. فما أحوج النفس البشرية إلى الفرح! لكن تُرى أي نوع من الفرح يحتاج إليه الإنسان؟!
شهرة ومجد ولكن!
رغم الشهرة والنجومية، ورغم الهدايا والمكافآت السخية التي تدفقت على اللاعبين من جهات كثيرة، قُدِّرت بمئات الألاف من الدولارات لكل لاعب؛ إلا أن: « كل الأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن... العين لا تشبع من النظر، والأذن لاتمتلئ من السمع» (جامعة1:7،8). ففي وسط احتفالات التكريم، يهرب واحد من أشهر اللاعبين سرًّا إلى سويسرا، قاصدًا مجدًا أفضل، ومالاً أوفر، ومستقبلاً أكثر أمنًا. لكن تُري: أي نوع من الأمان يحتاج إليه الإنسان؟!
هل ما حققناه يستحق أن نحيا لإجله؟!
ذكَّرتني الأفراح المصرية بكأس الأمم الأفريقية 2008، بقصة ذات معنى ومغزى، بطلها لاعب برازيلي شهير قال:
”إن أمتع لحظات حياتي، وأكثرها إثارة هي حين أحرزت هدفًا لفريقي في مباراة مصيرية. وقتها امتلأتُ بالزهو والفخر، عندما اشتعلت المدرجات وكأنها كتلة من النار، وارتفعت حدة التصفيق والهتافات؛ في هذا الجو ملأني الشعور بأني شيء. لكن في ذات الليلة طار النوم من عيني وانتابني شعور عميق بالتفاهة وبأني لا شيء. وسألت نفسي: هل ما حققته يستحق أن أحيا لأجله، وهل إحرازي للأهداف بالكرة، يمنحني القبول والرضا أمام الله. وارتفع صوت داخلي يقول لي: ألا يوجد في الحياة، هدفًا أرقى وأسمى من إحراز أهداف الكرة؟“.
يقول اللاعب الحائر: ”بعد فترة ليست طويلة وجدت المسيح، وتعرفت على شخصه، وأدركت قيمة عمله، ووجدت فيه ما لم أجده في الأضواء والشهرة والمال؛ وجدت فيه فرحًا سمائيًا، بل و منحني أمانًا أبديًا“.
إن الإنسان يحتاج إلى فرح من نوع مختلف، يلمس أعماق القلب مثل هذا النوع من الفرح الذي اختبره اللاعب البرازيلي، واختبره من قبل زكا ذلك الرجل الغني، الذي كان يمتلك مالاً لكن لا يمتلك سلامًا؛ لذلك طلب أن يرى يسوع من هو. ونظرًا لأنه كان قصير القامة؛ صعد فوق الجميزة، فرآه المسيح وقال له: «يا زكا أسرع وانزل... فاسرع ونزل وقبله فرحًا» (لوقا19). أو الفرح الذي اختبره الوزير الحبشي، الذي جاء إلى أورشليم ليسجد، فذهب إليه فيلبس المبشِّر وبشَّره بيسوع فآمن واعتمد «وذهب في طريقه فرحًا» (أعمال8:39). ومكتوب عن الابن الذي كان ميتًا فعاش، وكان ضالاً فوُجد، عندما رجع إلى أبيه أنهم «ابتدأوا يفرحون» (لوقا15:24).
فرح الإنسان الطبيعي يأتي من الخارج إلى الداخل لأنه مرتبط بالماديات؛ كتوافر الأموال وسلامة الصحة وتوافر التسليات ووسائل الترفيه، وهذه كلّها وقتية (دانيآل5). أما الفرح الذي ننشده فهو فرح ل يرتبط بأمور هذا الزمان بل ينبع من الداخل إلى الخارج.
فكَم من المتألمين والمجرَّبين، لكنهم فرحين؛ ولسان حالهم كحبقوق الذي لم يجد زهرًا في التين، ولاعنبًا في الكروم، ولطعامًا في الحقول، ولا غنما في الحظائر؛ لكن راح يرنِّم قائلاً «فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي» (حبقوق3:17-19). هذا الفرح لا يعرفه سوى المطهَّرين بدم المسيح، هو فرح عميق، ومقدَّس، بل ومُمتدٌ؛ لأن ثمنه الفداء الأبدي.
متى تفرح السماء؟
بحسب إنجيل لوقا15: 7 «السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتاجون إلى توبة». وقد يكون اليوم، بل والآن، موعدك مع هذا النوع من الفرح؛ إن تُبتَ ورجعتَ للرب بكلِّ قلبك.
الكأس الأفريقية والكأس السماوية
عزيزي الشاب: ينصح الرسول بولس، والذي كان شيخًا، ابنه في الإيمان الشاب تيموثاوس، أن يرفض الخرافات الدنسة والعجائزية ثم قال له: «روِّض نفسك للتقوى؛ لأن الرياضة الجسدية نافعة لقليل، ولكن التقوى نافعة لكل شيءٍ؛ إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة» (1تيموثاوس4: 7-8). وعن الأكاليل يقول: «ألستم تعلمون أن الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون، ولكن واحدًا يأخذ الجعالة. هكذا اركضوا لكي تنالوا. وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شىءٍ. أما أولئك فلكي يأخذوا إكليلاً يفنى، وأما نحن فإكليلاً لا يفنى» (1كورنثوس9:24،25).
المسيحي شخص مبتهج دائمًا
يُخطئ مَن يظن أن المسيح عدوٌ للأفراح؛ فأول معجزة صنعها المسيح، وذكرها البشير يوحنا في إنجيله، هي معجزة تحويل الماء إلى خمر، عندما شارك المسيح عريس قانا الجليل أفراحه وحضر ليلة زفافه. لقد فرح المسيح له، وابتهج أشد ما يكون الإبتهاج. لكن هناك فرق بين أفراحنا وأفراحه؛ نحن نبالغ ونسترسل، لكن هو يزن كل شيء بمقياسه الإلهي الدقيق، ويميز بين الأفراح الأرضية والأفراح السماوية. فالأفراح الأرضية لم تُنسِه الغرض الذي جاء لأجله، ولم تُنسه السرور الموضوع أمامه، ولا عرس الخروف (الحمل) المرتقب، ولا السماوات الجديدة والأرض الجديدة. فيا للمسيح الفريد!
يقول الرسول بولس، والذي كان وقتئذ في سجن روما، وينتظر نتيجة قضيته، إلا أنه كان فرحًا بالرب؛ لذلك يقول للمؤمنين «افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا إفرحوا» (فيلبي 4:4). فالمسيحي شخص مبتهج دائمًا، وفي كل الظروف، ولا شيء يحرمه من الفرح إلا الخطية وتوابعها، فلنتحذر منها.