* كيف حالك؟ وما أخبار تطلعاتك الروحية؟
هكذا بدأ الشيخ حديثه مع الشاب صديقه، مشيرًا إلى ما سبقا وانتهيا عنده المرة السابقة. أجاب الشاب بحماس:
- أشكر الرب كثيرًا، فلقد تولَّدت بداخلي أشواق لأن أعرف الرب أكثر وألا أكتفي بالقليل الذي وصلت إليه. لقد أصبحت أتطلع إلى طلبة الرسول بولس «لأعرفه» (فيلبي 3: 10).
* مجدًا للرب! إنها أشواق رائعة، وهي طلبة لا يُخزي الرب أصحابها!
-لذا أرجو أن تعطيني نصحك الرشيد وتوجِّه نظري إلى نقاط عملية تمكنني من تحقيق تلك الأشواق.
*يعجبني جدًا جدّيتك، وكونك تريد خطوات عملية ولا تكتفي بمجرد أمنيات فحسب.
أشكرك!
أعتقد أنه يمكنك بسهولة استنتاج أولى نصائحي في هذا الصدد.
-لعلك تقصد قراءة الكتاب المقدس.
*بالضبط. فإن أردت أن تعرف الله، فليس من وسيلة أفضل من كلمته التي يعلن هو فيها عن نفسه.
-إني أوافقك بشدة. لكن المشكلة عندي أني أتحمس في البداية، لكن يأتي وقت أفقد فيه هذا الحماس فلا أستمر. ثم تعود الأشواق فأتحمس من جديد... وهكذا يستمر الحال فلا أجد نتيجة لذلك بسبب تقطع القراءة.
*هل سمعت من قبل التعبير: ”قوة العادة“؟
-لست أفهم ماذا تقصد.
*أقصد أن هناك أمور كثيرة أنت قد اعتدت عليها، فأصبحت تفعلها بتلقائية دون أن تسأل نفسك هل تفعلها أم لا، وقلّما تتأثر العادة بالظروف. فأنت مثلاً اعتدت أن تصفِّف شعرك وتضبط ملابسك قبل أن تخرج من البيت، فتفعل ذلك إن كنت في عجلة من أمرك أو إن لم تكن، صيفًا أو شتاءً، في أيام النزهة كما في أيام الامتحانات، وأنت مسرور أو غير ذلك. ويقولون إن ”الإنسان أسير عاداته“ فطوبى لمن كانت عاداته حميدة كالتأمل في كلمة الله.
-هذا صحيح، لكن كيف تتكون عندي هذه العادة الجميلة؟!
*من الثابت علميًا أن العادة اليومية تتكون عند الإنسان إذا داوم على فعل شيء ما لمدة ثلاثة أسابيع تقريبًا، فيصبح من عاداته. فالأمر إذًا ممكن. صمم على أن تفعل ذلك لهذه المدة البسيطة فستتكون عندك هذه العادة.
-وهل ترى أن هذا ممكن بسهولة؟!
*يا عزيزي أنت تفعل ذلك في أمور كثيرة. أنت تلزم نفسك بالدراسة إذا اقترب الامتحان وكنت تريد أن تنجح فيه، وتلزم نفسك بالذهاب لصالة الرياضة لتنمي عضلاتك إن كانت هذه رغبتك، بل وتلزم نفسك ببعض الأمور التي لا نفع من ورائها كالجلوس بالساعات أمام الكمبيوتر لتلعب الألعاب لمجرد أن تجاري أصدقاءك في ذلك!! إذًا فأيّ عادة أنت مقتنع بأهميتها والدافع لها متوفر يمكنك أن تفعلها.
-كلامك يبدو مقنعًا. فكيف أبدأ إذًا؟!
*ابدأ باختيار موعد مناسب لدراسة الكتاب والتأمل فيه.
-وهل يجب أن يكون هذا الوقت في الصباح الباكر؟!
*بالطبع هو شيء جميل أن تبدأ يومك بلقاء الرب في كلمته ولو بقراءة أعداد بسيطة. لكني أقصد بالوقت المناسب الوقت الذي يكون ذهنك فيه صاحيًا ولست في عجلة من أمرك. قد يكون هو وقت الصباح الباكر، أو قبل استذكار المساء أو أي وقت آخر. المهم هو التركيز والصحو.
-أعتقد أنه يمكنني أن أحدد الموعد ببساطة بناء على كلامك هذا.
*وكن عمليًا وابدأ بمدة محدودة، ولتكن ربع الساعة مثلاً، ثم زِد منها تدريجيًا، فليس المهم تحقيق أرقام قياسية في البداية، لكن المهم الاستمرارية كما اتفقنا.
-كلام منطقي. وهل من نصيحة عملية أخرى؟
*نعم. اهتم بـ”كيف تقرأ“ وليس بـ”كم تقرأ“.
-ماذا تقصد؟
*قد يأخذك الحماس فتهتم كثيرًا بعدد الإصحاحات التي تقرأها في المرة الواحدة، وتفرح جدًا إذا قرأت ثلاثة أو أربعة إصحاحات، مع أن هذا قد لا يعود عليك بنفع يذكر.
-فما المطلوب إذًا.
*المطلوب التركيز، والاهتمام بأن تخرج بأكبر فائدة روحية ممكنة من الجزء الذي تقرأه، وإن كان جزءًا من إصحاح. ابحث بنفسك عن الفائدة وجِدَّ في أثرها.
-وما هي الفائدة التي أبحث عنها.
*أن الفوائد كثيرة على كل حال: أمر جديد تعرفه عن الرب ومحبته وصفاته، مصدر من مصادر القوة الروحية، خطية تجتنبها في حياتك، وصية أهملتها أو ربما لم تعرفها من قبل، وعد من الرب يشجعك، دروس من شخصية تقرأ عنها، طلبة تطلبها لنفسك أو لآخرين.
-واضح أن الفوائد كثيرة كما ذكرت.
*وعلى قدر أشواقك على قدر ما سيتجاوب الرب معك ويعطيك أكثر. وهكذا ستتلذذ بتلك العادة الرائعة: التأمل ودرس كلمة الله، فتتأصل فيك أكثر، وتنمو أنت بها كثيرًا وتزداد قربًا من إله الكلمة.
-إني بحق أتوق أن تنغرس فيَّ هذه العادة.
*سأشاركك الصلاة إذًا أن يفعل الرب.
-وهل من عادات أخرى تساعدني على معرفة الرب؟!لا تتعجل! ابدأ بما تكلكمنا فيه الآن، ولنا لقاء قريب إن تأنى الرب في مجيئه.