قال بولس لتلميذه تيموثاوس، الخادم الصغير: «لا يستهن أحدٌ بحداثتك، بل كن قُدْوَةً للمؤمنين في الكلام، في التصرُّف، في المحبة، في الروح، في الإيمان، في الطهارة» (1تيموثاوس 4: 12). وأيضًا «اجتهد أن تُقيم نفسك لله مُزكَّى، عاملاً لا يُخْزَى» (2تيموثاوس 2: 15)، بمعنى أنه لا يفعل شيئًا يُسبِّب له الخزي أمام الآخرين. إن رسالة الحياة أقوى بكثير في تأثيرها من الكلام الذي نقوله. ويجب أن نعيش ما نتكلَّم به في جميع الدوائر، مُتمثلين بالسيد الذي قال: «أنا من البدء ما أُكلِّمكم أيضًا به» (يوحنا 8: 25). أو كما قال البشير لوقا: «ما ابتدأ يسوع يفعله ويُعلِّم به» (أعمال 1: 1). وهذا سيُعطي للخدمة قوَّة ومصداقية لدى كل مَنْ نتعامل معهم.
أما المجالات التي يحتاج الخادم أن يكون فيها قدوة للمؤمنين فهي كما أشار الرسول بولس:
- في الكلام: ما أكثر التحريضات في كلمة الله على أهمية الكلام وعدم التفريط بالشفتين. على سبيل المثال يقول بولس: «لا تخرج كلمة رديَّة من أفواهكم، بل كل ما كان صالحًا للبنيان، حسب الحاجة، كي يُعطيَ نعمةً للسامعين» (أفسس 4: 29). وعلينا أن نُصلِّي مع النبي القائل: «لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك يا رب» (مزمور 19: 14). وأيضًا «اجعل يا رب حارسًا لفمي» (مزمور 141: 3). فما أسهل وأخطر الانزلاق في الكلام، فنحتاج إلى مزيد من الحذر لضبط اللسان. ويقول يعقوب في رسالته: «إن كان أحد ليعثر في الكلام فذاك رجلٌ كاملٌ» (يعقوب 3:2)، لأنه يستطيع أن يُلجم كل الجسد. ويقول الحكيم: «كثرة الكلام لا تخلو من معصية. أما الضابط شفتيه فعاقلٌ» (أمثال 10: 19). وعن المرأة الفاضلة يقول: «تفتح فمها بالحكمة، وفي لسانها سُنَّةُ المعروف» (أمثال 31:26) وهذا ما يليق بكل مَنْ يخدم، مُقدِّمًا نفسه قدوة للمؤمنين في الكلام، فيعرف متى يتكلَّم ومتى يصمت، وعندما يتكلَّم ماذا يقول وما الذي لا يخرج من شفتيه.
- في التصرُّف: كم من المرات يكون الصوت صوت يعقوب ولكن اليدين يدا عيسو (تكوين 27:22). وما أردأ هذه الازدواجية التي تُعثر الآخرين. ولأننا في ميدان الخدمة، فيجب أن تكون سيرتنا حسنة وسلوكنا بلا لوم، لا سيما عند الذين هم من خارج. ويجب أن تكون تصرفاتنا خارج الاجتماعات مطابقة لما نفعله ونقوله داخل الاجتماعات. وقد قال أحدهم: ”ما أنت عليه يتكلَّم بصوت عالٍ، فلا أستطيع أن أسمع متقول“. وذلك إذا رأى الآخرون فينا تصرفات الجسد وخشونته ورداءته، بعد أن يسمعوا أصواتنا الحلوة داخل الاجتماعات في الترنيم والصلوات. إن الناس سيفقدون المصداقية، ويتعثرون منا ومن الأمور الروحية، إذا رأوا هذه الازدواجية في مَنْ يخدمون. هل نتكلَّم عن القداسة ونُضبَط في مواقف مخزية لا تليق بقدِّيسين؟ هل نتكلَّم عن العطاء ونحن نُجسِّم الأنانية؟ هل نتكلَّم عن الأمانة وتصدر منا الخيانة؟ هل نتكلَّم عن الانفصال عن العالم ونحن نحب العالم وننبهر به؟ هل نتكلَّم عن البر ونظلم الآخرين أو نطمع فيهم ونشتهي ما عندهم ولا نحترم حقوقهم؟ هل نتكلَّم عن افتداء الوقت ونحن نهدر الوقت أمام الـتلفزيون وألعاب الكومبيوتر، وشبكة الانترنت لمجرَّد التسلية، وفي المقابل لا نجد وقتًا مُماثلاً لقراءة الكتاب والصلاة؟ كيف نبحث عن نجاح في الخدمة ونحن فاقدون المصداقية والقدوة؟!
- في المحبة: إن المحبة ليست بالكلام بل بالعمل والحق. ويقول يعقوب: «إن كان أخ أو أخت عريانين ومعتازين للقوت اليومي، فقال لهما أحدكم: امضيا بسلام، استدفئا واشبعا، ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد، فما المنفعة؟» (يعقوب 2: 15، 16). ويقول الرسول يوحنا: «مَنْ كان له معيشة العالم، ونظر أخاه محتاجًا، وأغلق أحشاءه عنه، فكيف تثبت محبة الله فيه؟» (1يوحنا 3: 17). ويمكننا أن نرى صورًا مختلفة للمحبة العملية في كلمات الرب يسوع: «لأني جُعتُ فأطعمتموني. عطشتُ فسقيتموني. كنت غريبًا فآويتموني. عريانًا فكسوتموني. مريضًا فزرتموني. محبوسًا فأتيتم إليَّ ... بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم» (متى 25: 35-40). إن المحبة العملية في أبسط صورة تؤثِّر في النفوس أكثر من عظات كثيرة. فليتنا نُقدِّم أنفسنا قُدْوَةً في المحبة.
- في الإيمان: أي في الثقة في الله وسط العواصف والتجارب وفي مواجهة المستقبل المجهول. فالمؤمن، ولا سيما الذي في موقع الخدمة، يجب أن يُمارس ثقته في الله، ويحتمي فيه كالصخر، ويتمتع بالسلام. وبهذا يستطيع أن يُشجِّع الآخرين. فكيف يروه مضطربًا ومتوترًا وخائرًا وحائرًا أمام صعوبة بسيطة كالناس الذين لا يعرفون الله، وهو الذي يكلِّمهم عن الإيمان والاتكال وكفاية النعمة؟ إن الامتحانات والمحكَّات العملية تُظهر معدن الشخص وحجمه الروحي الحقيقي، وما إذا كان إنسانًا نظريًا فقط أم له اختبارات عميقة في ممارسة الإيمان.
5- في الطهارة: إني أود أن أرفع راية الخطر على الصداقات غير البريئة بين الشباب والفتيات خاصة في ميدان الخدمة. والرسول وهو يوصي تيموثاوس أن يكون قُدْوَة، قال له: «احفظ نفسك طاهرًا»، وأن يتعامل مع الحدثات كأخوات بكل طهارة، وأن يهرب من الشهوات الشبابية، وكل ما يسبب الإثارة. أما تيطس فطلب إليه أن يُكلِّم العجائز لكي ينصحن الحدثات. وعلينا أن نفهم أساليب العدو ولا نجهل أفكاره. ويجب أن ندرك أن أردأ صور الفساد هو فساد أقدس الأشياء. ونحن نحتاج دائمًا إلى المزيد من الحذر والسهر لكي نحتفظ بطهارة الفكر والقلب والعواطف وكل ما يُدنِّس الروح والجسد، مُكمِّلين القداسة في خوف الله. ولا نسمح لأنفسنا بأي تهاون أو تساهل مع الجسد، بل نقمع الجسد ونستعبده لئلا تُلام الخدمة. بهذا نُعطي للخدمة مصداقية أمام الآخرين ونُزيِّن تعليم مُخلِّصنا الله بالتصرُّف الحسن.