محطة قادش
أم الخطايا
وصلنا الآن إلى المحطة الفاصلة في تاريخ الشعب، وإلى النقطة الجوهرية في رحلة البرية. فرغم ما حدث من فشل وشكوى وشهوة وتذمر ورغم الخطية الكبرى والإهانة للرب في حادثة العجل الذهبي والسجود له، ورغم أنهم جربوا الرب عشر مرات، رغم كل هذا، وهذا لا يُحتمل، فقد احتملهم الرب وحملهم، ولم يقسم في غضبه أنهم لن يدخلوا راحته. أما الآن، فقد فعلوا لا خطية أخرى تُضاف لملف خطاياهم، بل فعلوا أم الخطايا؛ إنها خطية: عدم الإيمان، والتي بسببها طالت الرحلة من إحدى عشر يومـًا إلى أربعين سنة، وصاروا لا سائحين قاصدين وطنهم، بل تائهين في البرية، إلى أن سقطت جثثهم في القفر. إن أي خطية يفعلها الإنسان، حتى وأن كانت زنى أو قتل أو سرقة، لها علاج في دم يسوع المسيح الذي يطهِّر من كل خطية، إلا خطية عدم الإيمان؛ لأنه بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عبرانيين 11: 6).
إرسال الجواسيس
من تثنية 1 نفهم أن الرب لم يأمر بإرسال الجواسيس، بل أن الشعب طلب ذلك، وعندما رأى الرب عدم إيمانهم وثقتهم في كلامه ومواعيده السابقة، والتي تشمل وصفًا كاملاً للأرض وثمارها وحدودها؛ لما رأى ذلك، سمح لهم بما يتناسب مع حالتهم، فأعطاهم سؤل قلبهم ليمتحنهم. وواضح أنهم لم يتعلموا درس قبروت هتأوه عندما طلبوا لحمًا فأعطاهم شهوتهم وماتوا في قبورها (سفر العدد10). ودرس اليوم لم يتعلموه في المستقبل، إذ في يوم قادم طلبوا لأنفسهم ملكًا منظورًا كسائر الشعوب، وأصروا عليه رغم تحذير الرب من النتائج؛ فأعطاهم شاول (1صموئيل 8). إن الإيمان لا يفكِّر مطلقًا في تجسس شيء أعده الرب وأعطاه، ولا يطلب شهادة بشر محدود وزائل ليؤكِّد لنا صدق أقوال الله. وإن حدث ذلك فلا ننتظر إلا حصد النتائج المُرّة.
غير أن
ورغم ما فعلوه، كانت لهم فرصة أخرى لمراجعة حساباتهم؛ فبعد عودة الجواسيس الاثنى عشر الذين داست أقدامهم الأرض، وأكلوا من خيراتها، وشربوا من مائها، وحفظهم الرب أربعين يومًا، ورجعوا سالمين حاملين عنقودًا من العنب كعينة لخير الأرض؛ كان يجب على الشعب أن يثق في الرب، وأنه كما فعل مع الاثنى عشر رجلاً سيفعل مع الاثنى عشر سبطـًا. ولكن مع الاعتراف بالأرض البهية والثمار الشهية، شكّوا في القدرة الإلهية!!
ما يُرى ومن لا يُرى
أن السبب في ما حدث أنهم رأوا بالعيان الأرض وسكانها وأنفسهم، ولم يروا بالإيمان من ترنموا به وله قبلاً (اقرأ خروج 15).
فقد رأوا أن الأرض تأكل سكانها..
ولم يروا من يمد يمينه فتبتلعهم الأرض.
ورأوا أن المدن حصينة وعظيمة..
ولم يروا من بكثرة عظمته يهدم مقاوميه.
ورأوا أن شعب الرب مُعتز..
ولم يروا أن يمين الرب معتزة بالقدرة.
ورأوا أن الشعب أشد منهم..
ولم يروا أن الرب رجل الحرب، الرب اسمه.
ورأوا الجبابرة بني عناق (طويل وعالي)..
ولم يروا أن الرب هو الأعلى فوقها يلاحظ.
ورأوا أنهم لا يقدرون على الصعود..
ولم يروا الذي يجيء بهم ويغرسهم في جبل ميراثه.
ورأوا أنهم كالجراد في أعين أنفسهم..
ولم يروا أنهم أجناد الرب (خروج 12: 41).
الإيمان واثنان
عشرة رجال من الاثنى عشر قالوا إن إمتلاك الأرض صعب ومستحيل، فانقاد كل الشعب وراء الأغلبية. فأحذر، صديقى القارئ، من السير وراء الأغلبية والأكثرية؛ فإن باب عدم الإيمان واسع، وطريقه رحب، وكثيرون يدخلون فيه. ولكن ما أتعس وأشقى نهايتهم! ولكن كان هناك اثنان (للأسف نسبة قليلة) كان لهم الإيمان القوي بالرب ومواعيده، ولم ينظروا لحالتهم أو للأرض وسكانها، بل نظروا للرب فقالوا:
عن أنفسهم: «إننا نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها».
وعن شعب الأرض: «لا تخافوا من شعب الأرض لأنهم خبزنا».
وعن الرب: «الرب يدخلنا إلى هذه الأرض ويعطينا إياها والرب معنا».
كالب ويشوع الفائزان
وهنا نصل لمكافأة الإيمان. لأنه بحسب إيمانك يكون لك. اثنان فقط دخلا الأرض من 600 ألف الخارجين من مصر. وانظر ما قاله الرب عنهما:
«أما عبدي كالب فمن أجل أنه كانت معه روح أخرى وقد اتبعني تمامـًا أدخله إلى الأرض التي ذهب إليها وزرعه يرثها» وهذا ما حدث (اقرأ يشوع 14).
وقال لموسى عن يشوع «يشوع بن نون الواقف أمامك هو يدخل إلى هناك، شدِّده لأنه هو يقسمها لإسرائيل» (تثنية 1: 38). وقد حدث هذا (إقرأ يشوع 1).
صديقي القارئ:
أن الرب يسوع مات وقام وجلس عن يمين الله في السماويات (أفسس20:1)، وهذا نصيب المؤمن الآن «ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح. بالنعمة أنتم مخلصون. وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع» (أفسس 2: 6،5). فهل قبلت بالإيمان هذا؟ إن كنت مؤمنـًا بالمسيح يسوع فطوباك! وأن كنت تسعى لامتلاك شيء بأعمالك؛ فما أشقاك! وأن كنت تشك ولا تصدِّق أقوال الله وعطاياه؛ فإنك بهذا ترتكب أمّ الخطايا التي ستقودك للهلاك!