بلعام (عدد23؛ 24)
ما أخطر أن يعرف الشخص أفكار الله ويعمل ضدها؛ يدرك مراحمه وأمانته وعظمته وصدق مواعيده وما يعطيه لشعبه، ثم يصِرّ أن يسير فى ضلالة قلبه، بل ويعلِّم الآخرين طريق الضلال والسبب أجرة الإثم! إنه بلعام بن بعور؛ النبي الأحمق، والمعلِّم المُضِلّ، والعرَّاف الهالك. وبلعام، والذي معنى اسمه ”مبتلع“ أو ”ملتهم“، والذي يوضِّح عمق طمع قلب هذا العرّاف. لا يذكر عنه الكتاب أنه كان نبيًا للرب، وإن كان الرب قد استخدمه هو وحماره أيضًا!! ولقد استأجره بالاق ملك موآب ليلعن له شعب الله، حتى يستطيع هزيمتهم. ورغم أن بلعام عرف صراحة رأي الرب بعدم الذهاب مع أعداءه، إلا أنه ذهب معهم. لكن الرب وضع كلمات البركة للشعب فى فمه بدل اللعنة. وفي النهاية مات بلعام مقتولاً!!
أرجوك أن تنتبه معي حتى لا تنصبّ في ضلالة هذا الهالك.
أولاً: حمارته منعت حماقته!!
هل تتخيل عزيزي أن الحمار يرى ملاك الرب، وبلعام ليراه؟!!
كان بلعام راكبًا حمارته مسرعًا ليذهب الى الملك بالاق ليلعن شعب الله. فوقف ملاك الرب فى الطريق أمامه ثلاثة مرات، لأن الطريق كانت خطرة، لكنه لم يرَ ملاك الرب والسيف في يده. ولولا أن الحمارة رأت الملاك وغيَّرت المسير لكان اصطدم بلعام بالملاك فمات في الحال!! بل وفتح الرب فم الحمارة لتوبّخه، «إذ منع حماقه النبي حمار أعجم» (2بطرس 2: 16).
عزيزي.. إن الشخص الذي يسير مندفعًا وراء رغبته الذاتية ومحبته للمال متجنِّبًا لحياة الله، يسمّى ”أحمق“. وكم قتلت الحماقة أصحابها (انظر 1صموئيل25:25؛ 2صموئيل3:33). يقول الحكيم «الحكماء يرثون مجدًا، والحمقى يحملون هوانًا» (أمثال3:35).
إذًا فما أروع إمتلاك المسيح! فهو حكمه وبرًا وقداسة وفداء.
ثانيًا: نطق بأعظم البركات ولم يأخذ إلا اللعنات
ذهب بلعام مع بالاق ليلعن شعب الله. لكن الله العظيم، صاحب السلطان، أظهر سلطانه؛ فجعل بلعام ينطق بكلام البركه. فتكلم عن شعب الله، وتميّزه عن كل الشعوب، وأن الله لا يتراجع في مواعيده. بل أعظم الكل، تكلّم عن مجيء المسيح في سلطان ملكه.
ويللأسف!! بعد أن أدرك بلعام ما في قلب الله المحب تجاه من يسير معه، لم يتُب عن خطاياه، بل سار فى شروره، وأحب أجرة الإثم (2بطرس 2: 15). بل أحب الظلمه أكثر من النور، وتم فيه ما قاله بولس «لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أويشكروه كإله... بل اظلم قلبهم الغبي» (رومية 1: 21).
عزيزي ما أخطر أن تدرك وتتكلم بأمور الله ولكن قلبك بعيدًا عنه!! إن معرفتك بأمور الله لن تعفيك من الدينونة، بل تزيدها. فما أروع أنك حينما تعرف، تصلي «اغسلني كثيرًا من إثمي»!
ثالثًا: تمنّى موت الأبرار، لكنه عاش حياة الفجّار!!!
حينما رأي بلعام بركات الله لشعبه وحمايته لهم، صرخ متمنيًا «لتمُت نفسي موت الأبرار، ولتكن آخرتي كآخرتهم».
إن كثيرين يريدون أن يعيشوا حياه ”الغني“ ويموتون ميته ”لعازر“ (لوقا16)!! وهذا مُحال للأسباب التالية:
- «لا تقوم... الخطاة فى جماعه الأبرار» (مزمور 1: 5).
- مصير الأبرار مرتبط بقبولهم برّ المسيح «لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا؛ لنصير نحن برّ الله فيه» (2كورنثوس 5: 21).
- الأمنيات لا تكفي بدون التوبة «بأفواههم يظهرون أشواقًا وقلبهم ذاهب وراء كسبهم» (حزقيال 33: 31)، لكن التبرير يحتاج إلى توبة (مزمور 32: 5).
عزيزي.. إن أردت نهايه الأبرار؛ فعليك بالاحتماء الآن في دم وبر المسيح الذي يطهرك ويبررك، فيحيا المسيح فيك هنا، وتحيا أنت مع المسيح هناك فى بيت الآب.
رابعًا: نشر الضلال فمات أفضل الرجال
حينما وجد بلعام أن الرب لن يسمح باللعنة، فهو صاحب المواعيد الصادقة، وفي ذات الوقت غضب بالاق ولن يعطيه شيئًا وبذلك سيعود هو بلا فائدة؛ لجأ بلعام إلى فكرة جهنمية. علّم بلعام بالاق بأن يدفع بنات موآب الشريرات ليغوين رجال إسرائيل بالزنا، وللأسف نجح بلعام فى هذه المرة!! وابتدأ الشعب يزني مع بنات موآب، فدعون الشعب الى ذبائح آلهتهن (انظر أيضًا رؤيا 2: 14).
يا لها من مصيبه!! الله الأمين لم يفرِّط فى الشعب أمام أعداءه وحماه من بالاق، ففرَّط الشعب فى إلهه من أجل بنات موآب!! ولنا هنا عدة ملاحظات:
- إن بلعام صوره للمعلمين الكذبة الذين هم آداة فى يد إبليس لتعليم وتضليل الشعب بالإباحية، واعدين إياهم بالحرية وهم أنفسهم عبيد الفساد (2بطرس2:19). وللأسف سيتبع كثيرون تهلكاتهم. فلنتحذر من طريق وتعليم بلعام، ولنعلم أن إلهنا نار آكلة.
- أن كان إلهنا لن يتراجع فى وعوده، لكنه لن يتراجع في عقاب الشر والنجاسة؛ فمات من الشعب في ذلك اليوم 24,000 رجل!! فلنحذر لأنفسنا ولنحيا بالقداسة التى بدونها لن يرى أحد الرب.
- بلعام صوره للقلب الطمّاع الذي يبيع الرب وكلامه وشعبه، لأجل المكسب المادي الرخيص، ناسيًا أن «العالم يمضي وشهوته. أما الذي يصنع مشيئه الله فيثبت الى الأبد» (1يوحنا 2: 17).
خامسًا: بلعام الأثيم والمصير المرعب الأليم
لقد قُتل بلعام بالسيف. ليس هذا فقط، بل في كل الكتاب المقدس يُذكر بلعام أنه مثال للشرير الذي يدسّ بدع الهلاك وواحد من الذين هلاكهم سريعًا. بل بعدما عرف الرب والمخلّص وتكلم عنه، عاش في نجاسة العالم فصارت له الأواخر أشرّ من الأوائل (2بطرس2)، وهوصاحب التعليم الذي يبغضه الرب (رؤيا2)، بل الويل لمن ينصب أو يندفع الى ضلالته (يهوذا11).
والكتاب يعلن أن «الرجسون... والزناة والسحرة... فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت» (رؤيا 21: 8).
عزيزي.. أنادي عليك وأرجوك بكلمه الله أن تتحذر من طريق وضلالة بلعام، الطريق التي فيها يعرف الشخص الكثير عن صلاح ومحبة قلب الله وخلاصه العظيم، ولكنه يفضِّل السير فى غياهب النجاسة والفساد، بحثًا عن المكاسب المادية أو اللذة الوقتية. الرب يسوع المسيح يقدِّم لك نفسه قائلاً «عندي الغنى والكرامة، قنية فاخرة وحظ» (أمثال8:19). وهو يقدِّم لك أعظم إمكانياتة للحياة والتقوى «لكى تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة» (2بطرس 1: 4).
إن كان بلعام قتله الشعب وخسر الأبدية.. لكن مريم اختارت النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها.أرجوك لا تكن كبلعام.