وهذه إحدى القصص الشهيرة عنه، عندما كان يعزف مقطوعة من أصعب المقطوعات، أمام حشد كبير من المثقفين والمتذوقين للموسيقى الجميلة في إيطاليا. وبينما هو يعزف، انقطع فجأة أحد أوتار الكمان. لكن باجانينى أكمل العزف على ثلاثة أوتار بمهارة فائقة. لكن سرعان ما انقطع الوتر الثاني وبعده الوتر الثالث أيضًا. ومع ذلك أكمل باجانينى العزف على وتر واحد فقط؛ آخر وتر في كمانه. ولما انتهى باجانيني من عزف مقطوعته، التي عزف جزءًا منها على آخر وتر في الكمان، وقف الجميع، وانفجر التصفيق في القاعة بحرارة منقطعة النظير، ودوّت أصوات التصفيق إعجابًا وتقديرًا، وظل الحضور وقوفًا دقائق طويلة تقديرًا وإعجابًا باللحن الذي عُزف جزء منه على آخر وتر في الكمان.
جلس الحضور، بعد التصفق الشديد، فأشار باجانيني بيده إلى قائد الأوركيسترا قائلاً له: “مرة أخرى أيضًا”! نظر قائد الأوركيسترا للجمع الحضور وقال: “باجانيني مع وتر واحد فقط”. ثم ابتدأ باجانيني مع الأوركسترا يعزف المقطوعة الصعبة نفسها، بالكامل، من جديد، على وتر واحد فقط؛ هو آخر وتر لم يكن قد قُطع في الكمان. وكانت الألحان أعجب وأعذب ما سمعه الحضور طوال حياتهم.
صديقي القاريء العزيز.. صديقتي القارئة العزيزة: هل تقطعت بعض الأوتار في كمانك؟ قال مرنم:
لو باقي في عودي وتر حتى ولو عودي انكسر |
|
هافضل ارنِّم بيه قلبي يرنم ليه |
لقد تقطعت أوتار الصحة والحرية في حياة رسول المسيحية بولس عندما سُجِن في سجن فيلبي، لكنه مع سيلا كانا أعجب المساجين: «فَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً، وَأَلْقُوهُمَا فِي السِّجْنِ، وَأَوْصُوا حَافِظَ السِّجْنِ أَنْ يَحْرُسَهُمَا بِضَبْطٍ. وَهُوَ إِذْ أَخَذَ وَصِيَّةً مِثْلَ هَذِهِ أَلْقَاهُمَا فِي السِّجْنِ الدَّاخِلِيِّ وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِي الْمِقْطَرَةِ. وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ، وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا» (أعمال 16: 23-25). بالرغم من الظلم؛ فقد جرّوهما، وافتروا عليهما (قالوا إنهم يبلبلان مدينتنا)، واجتمعوا عليهما، ووضعوا عليهما ضربات كثيرة، وفي السجن الداخلي ضُبطت أرجلهما بالمقطرة؛ لكنهما كانا:
- يُصَلِّيَانِ: بدل أن يلعنا. «صَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ» (متى 5:44) «أَ عَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ. أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ» (يعقوب 5: 13).
- يسبِّحان: الصلاة قادتهما للتسبيح. «مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعضاً بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ» (أفسس5:19). «فَذَهَبُوا فرحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِه» (أع5:41) «فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ... فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلَهِ خَلاَصِي» (حبقوق17:3-19). والنتيجة (أ) تزعزعت أساسات السجن «لما صلوا تزعزع المكان» (أعمال4:31). (ب) انفتحت الأبواب «اقرعوا يُفتح لكم» (متى7: 7). (ج) انفكت قيود الجميع «حللت قيودي» (مزمور116:16).
- حب وتحذير لمن جلدهم: نَادَى بُولُسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً:«لاَ تَفْعَلْ بِنَفْسِكَ شَيْئاً رَدِيّاً» (أع 16:28). والتحذير: «مَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ» (أمثال8:36).
- بشارة في وقتها: أجمل بشارة! لقد قَالاَ:«آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أعمال16:31؛ انظر يوحنا3:16).
- اهتمّا بالبيت: «كَلَّمَاهُ وَجَمِيعَ مَنْ فِي بَيْتِهِ» (انظر يشوع24:15؛ مرقس5:19؛ لوقا10:38؛ 19:9؛ يوحنا4:53؛ أعمال16:15؛ رومية16:5؛ كولوسي4:15؛ فليمون2).
- رفضا الخروج من السجن: للتأكيد على وقار الخادم ولإزالة مخاوف وأحزان أفراد الكنيسة الجديدة (1تسالونيكي2: 6).
- إهتمام بالكنيسة الجديدة: «أبصرا الإخوة وعزياهم ثم خرجوا». لقد كانا سبب تعزية حتي في الضيق والسجن. «الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ» (2كورنثوس4:1).
هل بقي آخر وتر وآخر أمل في حياتك، كاللص الذي كان معلَّقًا بجوار المسيح على الصليب؟ «وَكَانَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُذْنِبَيْنِ الْمُعَلَّقَيْنِ يُجَدِّفُ عَلَيْهِ قَائِلاً: إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا! فَانْتَهَرَهُ الآخَرُ قَائِلاً: أَوَلاَ أَنْتَ تَخَافُ اللهَ إِذْ أَنْتَ تَحْتَ هَذَا الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ؟ أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْلٍ لأَنَّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا، وَأَمَّا هَذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئاً لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ. ثُمَّ قَالَ لِيَسُوعَ: ﭐذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: ﭐلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ» (لوقا23: 39-43).
تعال إليه ليعزف أجمل الألحان في حياتك، مهما ظننت أن الوقت فات أو الأوتار تقطّعت، فهو الفخاري الأعظم جدًا وأمهر من باجانيني وغيره. «الْكَلاَمُ الَّذِي صَارَ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ الرَّبِّ: قُمِ انْزِلْ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ وَهُنَاكَ أُسْمِعُكَ كَلاَمِي. فَنَزَلْتُ إِلَى بَيْتِ الْفَخَّارِيِّ وَإِذَا هُوَ يَصْنَعُ عَمَلاً عَلَى الدُّولاَبِ. فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ.فَصَارَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ: أَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ كَهَذَا الْفَخَّارِيِّ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ الرَّبُّ؟ هُوَذَا كَالطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ أَنْتُمْ هَكَذَا بِيَدِي يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ» (إرميا 18: 1-6).
صلاة:
يا رب لقد تقطعت أغلب الأوتار .. من حياتي التي كادت تنهار .. لهذا آتي إليك أيها المخلص البار.. يا من مُتَّ لأجلي على صليب العار.. غيّرني وارحمني من خطاياي والمرار.. آمين.