ما رأيناه في الأعداد السابقة – وما سنراه – هو الطابع العام لرحلة البرية، والتي نخرج منها بدرسين نرى فيهما قلب الله، وقلب الإنسان.
وما رأيناه في العدد السابق هو جزء من قلب الإنسان المليء بعدم الإيمان، والذي بسببه امتلأ القفر بأكثر من 600 ألف جثة على مدار 38 سنة. ومسنراه في هذا العدد هو شيء مما في قلب الله. فبالأمس القريب صنع الشعب عجلاً ذهبيًا قادهم للفساد، واليوم الله يدبِّر لهم بقرة حمراء لعلاجهم. فيا لقلب الإنسان! ويا لقلب الله!
الداء في الصحراء
المؤمن سماوي في طبيعته وسيرته، فهو ليس من العالم، لكنه يعيش فيه؛ لذا فهو معرَّض لأدناس كثيرة، والتي نرى بعض صورها في شريعة البقرة الحمراء. ومنها:
- التنجُّس لميت: ومَنْ يعبر يومه دون أن يمسّ ميت في محلة لا يقل عدد الموتى فيها عن خمسون جثة يوميًا؟! إنها صورة للأموات بالذنوب والخطايا حولنا، وفي تعاملاتنا اليومية معهم، كثيرًا ما نتنجس عندما نتشبَّه بهم. وأيضًا لننسى أنه فينا «جسد هذا الموت» (رومية7: 24)؛ فإذا أعطيناه فرصة فسوف نتنجس بأعماله (غلاطية5: 19).
- ميت في خيمة: الخيمة تعنى البيت الذي نسكنه أو الاجتماع الذي ندخله. وقد يوجد فيهما أشخاص غير مولودين من الله ولهم تأثير سيء يمتد في الخفاء «خميرة صغيرة تخمر العجين كله» (غلاطية5:9). وفي البيت أيضًا كثيرًا ما يقل الحذر، ويكثر التهاون في أشياء قد نرفضها أمام الآخرين في الخارج؛ وهنا يصير مَن في المنزل، وخاصة الأولاد - الممثَّلين بالإناء المفتوح - عالميين في تصرفاتهم في الخارج بسبب ما يرونه في الداخل.
- لمس القبر: القبر يُظهر في الخارج عكس ما يُبطن في الداخل. وهؤلاء هم المراءون الذين يلبسون ثياب التديّن الخارجي وداخلهم مملوء بالنجاسة (اقرأ متى23: 27،28). فلتحذر من خميرهم!
- قتيل على وجه الصحراء: فساد يحيط بنا من كل جهة. فما نراه بأعيننا من الناس والإعلانات والمجلات التي تملأ الشوارع، وما نسمعه بآذاننا في المواصلات وأماكن العمل. أمور كثيرة تنجِّس عيوننا وآذاننا. هذا وإن كنا لا نستطيع أن نتجنبها، لكن هذا لا يغيّر أو ينقص من مستوى قداسة الله.
الدواء في الرماد والماء
إن كانت مطالب قداسة الله تقضي على كل من يتنجس، ولو بطريق السهو؛ ولكن نعمة الله أعدَّت كل ما يلزم لإزالة النجاسة والحُكم عليها.
مواصفات البقرة الحمراء
- (مُعَدَّة للذبح). والمسيح كان يعلم مُسبقًا أنه حمل الله الذي يرفع خطية العالم، وأيضًا بكل ما سيأتي عليه في الصليب.
- والمسيح لا علاقة له بالخطية؛ فلم تكن فيه، أو يعرفها، أو يفعلها.
- في المحلة كانت الخيمة، مكان سُكنى الله، وهو القدوس والساكن في نور ولا يطيق الخطية. ولأن المسيح كان حاملاً خطايانا، لذا تألّم بعيدًا عن الله ومتروكًا منه (مزمور22:1).
- الأَرْز (رمز لكبرياء الإنسان)، والزوفا (تواضعه الظاهري)، والقرمز (مجد العالم)؛ كل هذه كانت تُغمس في الدم، أي تحمل طابع الموت.
- هو نتاج الذبيحة، بعد أن تأتي النيران على كل شيء فيها. صورة للمسيح الذي تألم ومات وقام، فأنهى على خطايانا التي حملها ودينونتنا التي احتملها.
- رمز للروح القدس وهو يستخدم كلمة الله في تطهيرنا من أدناس الطريق، ولراحة ضمائرنا على كمال عمل المسيح.
المنجس ما له وما عليه
- وجود الرماد والماء للعلاج لا يقود للتساهل مع الخطية، بل للشعور بشناعتها وخطورة التنجس بها؛ فيؤدّى هذا للسهر والحذر في كل وقت وكل مكان.
- متى حدث التنجس، فعليه أن يتطهر حتى لا ينجِّس مسكن الرب ويُحرم من الشركة مع المؤمنين ويتعرض للتأديب الذي قد يؤدّى للموت (1كورنثوس11: 30).
- إن كانت الشركة تُفقد بسهولة، لكن استرجاعها فيه صعوبة. فكان يؤخذ جزء من رماد البقرة ويوضع عليه ماء جارٍ ويُرش المنجَّس بزوفا مغموسة في الماء على مرحلتين في اليومين الثالث والسابع. وهذا ليعني للمؤمن مدة حرفية، بل فترة تدريب كاملة، فيها يشعر بالخطية وكَم أهان الرب الذي تألم بسببها، وكم خسر من انقطاع شركته مع الرب والمؤمنين؛ وهذا يترك انطباعًا على القلب والضمير، فيعمل الروح القدس فيه، فيحزن ويعترف بالخطية، ويتهيأ لتلقي العلاج (اليوم الثالث)، ثم يأتي رد النفس الكامل (اليوم السابع).
مثال: عندما أخطأ بطرس في إنكاره للرب، نظر الرب إليه فبكى بكاءً مرًّا (اختبار اليوم الثالث)، ثم احتاج للقاء آخر يعود بعده لخدمته وشركته مع إخوته (اختبار اليوم السابع - اقرأ يوحنا22: 15-22).
الرجل الطاهر
وهو من يقوم بتطهير المتنجس. ويجب أن تتوفر فيه الصفات الآتية:
- أي غير مَلوم في شخصه وفي سلوكه.
- أي أنه شخص يتصف بالتواضع «فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة» (غلاطيه6:1).
- أى أنه شخص مُدرِك لآلام المسيح بسبب الخطية.
- أى أنه شخص خاضع لقيادة وإرشاد الروح القدس، ولا يقدِّم إلا كلمة الله للعلاج.
- أى يذهب في الميعاد المناسب بلا تسرع أو تأخير.
............................................... ما أحوجنا لرجال كهذا!