لا أنسى هذه الأطعمة الغريبة التي شاهدتها تُباع على الأرصفة في كل مكان في العاصمة التايلاندية “بانكوك”، موضوعة في عربات صغيرة مقسَّمة إلى عدة أجزاء بواسطة الزجاج الذي يحدّها من الخارج أيضًا لكي تستطيع أن ترى الأطعمة وتحكم بنفسك أنها طازجة. قسم من العربة الصغيرة يحتوي علي صراصير كبيرة، مقلية طازجة، يضعها البائع لك - أعني لمن يشتري - في كيس صغير ومعه عصا خشبية رفيعة كي تغرسها في كيسك تتناول بها صرصارًا تلو الآخر! لا تظنني أمزح فهذا حقيقي. وفي قسم آخر من العربة توجد حشرات سوداء هي بالخنافس أشبه؛ أما في القسم الثالث تجد كومة من الجراد الممتاز المقلي أو المشوي، وهو من أشهى الأطعمة هناك، وتزداد جودته بازدياد حجمه “كالجمبري”. أما في محلات “السوبر ماركت” الفخمة، فإنك تجد أطعمة معلَّبة مشابهة، مثل العقارب المحمَّرة، والثعابين المحفوظة في حساء لذيذ بالبهارات، والجراد بالكاري. ومن الأطعمة المكلِّفة جدًا، أفخاذ الضفادع المسلوقة بالنكهات المختلفة.
وهو طعامنا الشهي والمن والصخر لنا |
|
في مدة السير ما دمنا في القفر |
أعتذر لك إن كنت قد أشعرتُك بالقرف، ولكن من يعلم شعور إخوتنا في تايلاند عندما يروننا نلتهم اقراص الطعمية الساخنة أو أطباق الفول المدمس بالزيت الحار والليمون؟ الفول الذي شاهدت أجولته مكدَّسة يومًا عند أحد التجار مكتوبًا عليها بالإنجليزية “طعام ممتاز للخيول”!
عمومًا يا صديقي، تتنوع الأطعمة وتختلف من مكان لآخر، وكما كان يقول أجدادنا في الأمثال “كُل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس”. ثم إنه مَن منا يستطيع أن يجزم أنه لم يذُق يومًا لحم الحمير النافقة، بعد ما طالعتنا به وسائل الإعلام من صور عديدة للحمير والكلاب المذبوحة في محلات عديدة بالقاهرة وضواحيها؟!
أعتذر لك مرة أخرى.. لا تُلقِ بالمجلة من يدك؛ فعمومًا لا يهم كثيرًا ما يدخل إلى الفم؛ فهو - كما قال السيد - يمضي إلى الجوف ثم يندفع إلى المخرج (متى15: 17)، وذلك يطهر كل الأطعمة (مرقس7: 18، 19).
أما قضيتنا الأساسية، كأولاد لله، فليست في ما نأكل أو نشرب؛ فهذه كلها تطلبها أمم العالم. أما نحن فنسعى لما هو أبقى «اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية» (يوحنا6: 33). لقد أعدَّ الله لأرواحنا طعامًا واحدًا روحيًا؛ إنه شخص المسيح، الذي هو خبز السماء الذي وهبنا الحياة.
ليس من طعام آخر يشبعنا، المسيح هو الذي يعطي الحياة الأبدية، وهو الذي يغذّي هذه الحياة.
* وكما كان شعب الله قديمًا، يسير في البرية، تاركين مصر وراء ظهورهم، في طريقهم إلى أرض الموعد، ليس لهم في البرية لقمة من الطعام أو رشفة من الماء، بل ينتظرون طعامهم من السماء كل يوم “المن”؛ هكذا نحن الآن في برية هذا العالم الذي نعبره. نعبره بأرجلنا فقط، ليس لنا فيه مصدر للشبع أو الري، لكننا نلتقط من المن السماوي (أي نشبع بالمسيح وبالكلمة) يوميًا كل يوم بيومه؛ “مَن” اليوم لا يكفي للغد؛ فلنحرص إذاً أن نشبع من المسيح كل يوم.
* وكما كان الأمر قديمًا هكذا اليوم، إذا طلعت الشمس على المَن كان يذوب. فليت أول ما نعمله مبكِّرًا في كل يوم أن نقضي وقتًا مع الرب قبل أن يذوب وقت الشركة مع الرب وسط لهيب مشغوليات العالم الكثيرة. فلنبكِّر إليه قبل أي شيء، لئلا تتعلق قلوبنا بسواه فنهمله.
* كمية المَن التي يلتقطها كل واحد «على حسب أُكله»، أي على حسب شهية كل واحد. ونحن نأكل من المسيح ونتغذي عليه بقدر ما نشتهيه. ألا نصلي لكي يزيد الرب من شهيتنا إليه فنشتهيه من كل قلوبنا. دعنا نصلّي في كل يوم:
جوّعني ليك واشبعني بيك فلا أحتاج في أي جوع |
|
اشبعني ربي بفيض غناك أن أشبع من سواك |
* ولنصلّي كي يفطمنا الرب عن كل شهوة جسدية فاسدة لطعام مصر الأول، كاللفيف الذي اشتهى شهوة في وسط شعب الله، فبكوا قائلين: «من يطعمنا لحمًا، قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانًا والقثاء والبطيخ والكرّات والبصل والثوم» (عدد11:4،5). فالقلب العالمي الجسدي لا يجد في الرب أو في كلمته أي لذة، بل هو يجد الأمر برمّته ليس إلا "طعام سخيف" (عدد21:5)؛ فيندفع إلى طعام العالم المُرّ، ويملأ عينيه وقلبه بمناظر العالم الفاسدة النجسة؛ فلا تكون النتيجة إلا الهزال الروحي الشديد.
كفاية طعام العالم دا انت طعامي وخيري |
|
مُرّ وباطل ما بيشبِعش ليه يا إلهي ما باتعلمش |