ما من شخص يعمل مع الله بإخلاص إلا وسيتعرَّض في طريقه للفشل والإحباط بصور مختلفة. ويجب أن يتوقع الخادم ذلك. وأن الطريق لن يكون ناعمًا ومُكلَّلاً بالنجاح والإنجازات دائمًا، فحتمًا سيواجه صعوبات ومُفشِّلات. وعليه أن يدرك هشاشته كإناء خزفي ضعيف، كما يدرك المحاربات والمقاومات التي سيواجهها، والمعونات والمشجِّعات التي أعدَّتها النعمة له لكي لا يفشل. أما العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى فشل الخادم وإحباطه فهي على النحو التالي:
مشاكل صحية وجسدية
كان تيموثاوس شابًا، ومع ذلك كانت أسقامه كثيرة (1تيموثاوس5: 23)، وبولس لم يستخدم مواهبه المعجزية في شفائه، فقد كان يدرك أن هذه الأمراض نوع من المعاملات الإلهية لبركة نفسه. لكن تيموثاوس كان مُعرَّضًا أن يُصاب بالفشل والإحباط بسبب ذلك؛ فكيف يسمح الرب له بهذه التجارب وهو الذي أعطى حياته للرب وتكرَّس لخدمته؟ لكن بولس شجَّعه لكي ينطلق في خدمته مستندًا على الرب وكفاية نعمته وقُوَّته، مقدِّمًا نفسه قدوة، حيث أُعطي شوكة في الجسد عاش بها شاعرًا بضعفه، لكنه اختبر التعويض الإلهي في الوعد القائل: «تكفيك نعمتي، لأن قُوَّتي في الضعف تُكْمَل» (2كورنثوس12: 9).
مشاكل وأعواز مادية
كان تيموثاوس، كأيّ شاب، له طموحاته الزمنية. وربما كان يرى تسابق الآخرين نحو المكاسب المادية، وكيف أنهم يحقِّقون نجاحًا باهرًا ويكثرون ثروةً، بينما يقف هو عند حد القوت والكسوة. وربما شعر بالإحباط إذ رأى نجاح الأشرار ومعاناة البار. فلماذا يعيش أقل بكثير من أقرانه الذين وصلوا إلى مراكز عالية، ولمعوا في هيئة هذا العالم، وصاروا أغنياء. لكن بولس علَّمه ما هو الغنى الحقيقي، وحذَّره من محبة المال التي هي أصل لكل الشرور، وأن إنسان الله يجب أن يهرب من هذا الشرك، وعلَّمه نعمة الاكتفاء، وحلاوة الاتكال على الله الحي الذي يسدد كل الأعواز، وليس على الغنى الغير يقيني (1تيموثاوس 6).
مشاكل عائلية وأُسرية
نشأ يوسف في بيت مليء بالصراعات، وماتت أمه مبكرًا، وكان إخوته يبغضونه بسبب معاملة أبيه المتميِّزة له. كان البيت مليئًا بالأصنام والشرور والأدبيات المنحطة. تعرضت دينة أخته لتجربة جلبت العار على كل العائلة، وبسبب ذلك عمل شمعون ولاوي أخواها مذبحة مريعة في شكيم. أخيرًا إخوته عاملوه بقسوة وباعوه عبدًا إلى مصر. كان هذا هو الجو الأسري الذي عاش فيه يوسف لمدة 17 سنة. وكم كانت هذه الظروف مُحبطة ومُفشِّلة لشاب يريد أن يعيش تقيًا ويشهد عن الرب ويخدمه. لكن الكتاب يرينا أن الرب كان مع يوسف، وليس فقط أنه لم يفشل، بل كان رجلاً ناجحًا. ورغم الظروف المُرَّة التي أحاطت به لكنه كان شاهدًا أمينًا للرب، وتشددت سواعد يديه. ولكل شاب أو فتاة في ظروف أسرية صعبة يحاول العدو أن يضغط بها للتفشيل، يقول الكتاب: «لذلك لا نفشل»، فالله لم يعطنا روح الفشل.
أسباب روحية
سقوط الخادم في خطية تسبِّب عثرة للآخرين، وتصبح ثقلاً على ضميره، خاصة إذا تكرَّر هذا السقوط. ففي هذه الحالات يحاول الشيطان أن يضغط على ضميره ويُجسِّم الخطية أمامه، ويجعله ينزوي بعيدًا عن الأنظار، شاعرًا أنه لا يصلح للخدمة. وإذ ينسحب من هذا الميدان يصبح غرضًا سهلاً للعدو لمزيد من الهزائم والسقوط. لكننا في قصة بطرس وإنكاره للرب، ومعاملات الرب معه لردِّ نفسه نتعلَّم كفاية النعمة التي تعالجنا وتسترنا في ضعفنا فلا نفشل (لوقا 22؛ يوحنا 21).
قلة الثمار وضعف النتائج. لقد توقع إيليا نتائج مُذهلة وإصلاحًا شاملاً نتيجة خدمته. ولما اكتشف عكس ذلك أُصيب بالإحباط وطلب الموت لنفسه (1ملوك 19). علينا أن نعمل بكل طاقتنا ونترك النتائج بين يدي الرب. وقد لا نرى نحن الثمار، لكن هذا لا يعني عدم وجودها!لفشل والخراب العام الذي يسود، وانصراف الناس عن الاهتمامات الروحية، والإحساس بأنه لا جدوى من التعب في الخدمة. فالناس لا يحتملون التعليم الصحيح، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلِّمين يصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات (2تيموثاوس4: 1-4).شعور الخادم بعدم القبول وعدم الترحيب والتقدير لخدمته من الآخرين، وربما يسيئون فهمه وفهم دوافعه. وبدلاً من أن يلقى منهم تشجيعًا، قد يصدمونه ويعنفونه. وللشخص البسيط الذي يتفانى بإخلاص في الخدمة، هذا سيكون مُفشلاً ومُحبطًا للغاية. لكن عليه أن يتعلَّم كيف يسحب نفسه إلى الرب ويستمد التشجيع منه، ويُفطَم عن الناس، ويكتفي بابتسامة الرضا من الرب الذي يرى ويعرف كل شيء ويكرم الذين يكرمونه.ذا زادت أحزان الخادم وتجاربه، وتثقَّل فوق الطاقة، ولم يستطع أن يفهم القصد الإلهي من وراء ذلك. ففي هذه الحالة قد يتعرَّض للفشل والخوار. وهذا ما حدث مع داود أمام اضطهادات شاول.نتظار الرب لفترة طويلة دون أن يستجيب التضرعات. فالبعض يربطون حماسهم في الخدمة بتحقيق الرب لطلباتهم وتسديد أعوازهم وحل مشاكلهم. فإذا تأخر ذلك يفقدون الحماس ويتقوقعون ويُحبَطون.الإغراء ببريق العالم وجاذبياته وشهواته. وهذا شرك كبير يهدِّد كل شاب، ويمكن أن يُحوِّله عن الهدف الأسمى في الحياة، وإذا أدمن الملذَّات العالمية فستنطفئ أشواقه للخدمة، وسيعيش ليرضي ذاته ويحقق مصالحه، وديماس هو أكبر مثال على ذلك (2تيموثاوس4: 10).رحيل القادة والآباء والمرشدين. هذا قد يسبٍِّب إحباطًا لخادم صغير مبتدئ كان يحتاج إلى المشورة والتشجيع منهم. وهذا ما نراه في يشوع بعد رحيل موسى، وداود بعد رحيل صموئيل، وأليشع بعد رحيل إيليا، وتيموثاوس بعد رحيل بولس. وعلى كل خادم أن يثبِّت نظره على الرب وحده الذي يبقى معنا ولا يتركنا مطلقًا.
ليتنا نتمثَّل بسيدنا الذي واجه كل المُفشِّلات والمقاومات ورُفضت خدمته، لكنه لم يفشل، بل تهلَّل بالروح وقال للآب: «أحمدك...لأن هكذا صارت المسرَّة أمامك».