إن الشيطان يشدِّد الهجوم ضد كل مَنْ يعمل مع الله. وهو قد يأتي كالأسد المزمجر، في صورة اضطهادات أو مقاومات لإعاقة المؤمن عن خدمته، أو لتفشيله وتحطيمه. أو قد يأتي كالحيَّة الخادعة الماكرة عن طريق الإغراء. وفي معظم الأحيان ينجح المؤمن في مواجهة الشيطان كالأسد، لكنه كثيرًا ما ينخدع بالإغراء.
وأشهر المخاطر التي تهدد الخادم هي: المال، والشهرة، والجنس. وإذا انزلق الخادم وسقط في واحدة منها، ضاعت خدمته، وتحطَّمت شهادته، وما عاد شخصًا مؤثرًا مُستَخدَمًا من الله، ما لم تتدخل نعمة الله وتنتشله من سقطته. ولن يخلو الأمر من بعض الخسائر طبقًا لحجم السقوط.
الـمـال
إنه عطية من الرب ليُستَخدَم في تسديد الأعواز في رحلة الحياة لقصيرة. وهو جزء في الوكالة التي نؤتمن عليها، وسنعطي عنها حسابًا. إنه ليس هدفًا في الحياة، بل وسيلة للإعاشة. ولكن عندما يتحول المال إلى سيد نخدمه ونكون عبيدًا له، ويصبح هو الذي يتحكم فينا، فهناك الخطر الحقيقي. إن محبة المال، وليس المال نفسه، هي أصلٌ لكل الشرور، الذي إذا ابتغاه قوم ضلّوا عن الإيمان، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة (1تيموثاوس6: 10). وبالأسف فإن بعض الخدّام قد أُخذوا بهذا الشَرَك، واتخذوا من الخدمة مجالاً للربح. وهذا ما يُسميه الكتاب: الربح القبيح (1بطرس5: 2). إنهم يتاجرون بأمور الله، حاسبين أن التقوى تجارة. أما الخادم الأمين فقد تعلَّم أن يكون مكتفيًا بما هو فيه، قانعًا وشاكرًا بما يعطيه الرب له، واثقًا في كفاية الرب لتسديد أعوازه. ولقد حذَّر الرسول بولس تيموثاوس من هذا الشرك قائلاً: «أما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء، فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومُضرة تُغرق الناس في العطب والهلاك... أما أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا» (1تيموثاوس6: 9).
وعلى الخادم أن يحتفظ بنزاهته، ولا يطمع في أحد، أو يظلم أحدًا، أو يُثْقل على أحد، أو يتودَّد للأغنياء ليحصل منهم على عناية خاصة، بل يكون محكومًا بمبدإ «مغبوطٌ هو العطاء أكثر من الأخذ» (أعمال20: 35). وأن يشارك هو نفسه في احتياجات الآخرين، وتكون فضالته لأعوازهم، مُقدِّمًا نفسه قدوة. وهذا سيُضيف إلى رصيده كخادم كرامة في عيون الآخرين.
الشُّهرة
وبالأسف فإن كثيرين من الذين يخدمون قد سقطوا في هذه التجربة. فسعوا وراء الشُّهرة، وعملوا لأنفسهم اسمًا، وكبروا قبل الأوان، وصنَّفوا أنفسهم في قائمة المشاهير، واعتبروا أن قياس النجاح في الخدمة هو مديح الناس وعدد المشجعين والمُعجَبين. إنهم يحتقرون الخدمات الصغيرة والخدمات الخفية، ويرفضون الخدمة في الاجتماعات الصغيرة والفقيرة حيث العدد القليل والإمكانيات البسيطة، فإن هذا لن يجلب لهم الشُّهرة. إن سعيهم ليس أن السيد يزيد وهم ينقصون، كما كان المعمدان، بل أنهم هم يزيدون سواء زاد السيد أم لا.
إن مثل هؤلاء لا يخدم الرب بل يخدم نفسه. إنه يتخذ من الخدمة مجالاً لإشباع رغبته في تحقيق المجد والرفعة التي لم يحققها في مجتمعه المحلي. ويحاول أن يحيط نفسه بهالة توحي للآخرين بعظمته، ويهتم بأن يكون جدوله دائمًا مشغولاً. والمحزن أن يصدَّق الخادم ذلك، فيعيش ”في الدور“ أنه الخادم الجماهيري المطلوب في الداخل والخارج، وأن ما يعمله لم يعمله أحدٌ قبله. وهو يستخدم الأساليب الجسدية التي تجعله محبوبًا وجذابًا للجميع. هو دائم الحديث عن نفسه وعن خدماته وإنجازاته. وعندما تقترب منه في حياته الخاصة ستُصدَم بالضحالة والطفولة الروحية في المعرفة الكتابية، والفهم الروحي، والشركة الحقيقية مع الرب، والتدريبات الروحية. إنه لا يعتمد على تعضيد الروح القدس في الخدمة بل على المهارات الشخصية والخبرات السابقة والمعلومات القديمة التي لا تتجدد، لأن ذهنه لا يتجدد بكلمة الله وفي محضر الله، فيكرِّر نفس الخدمات ويدعمها بنفس القصص والاختبارات. والحقيقة أن الحجم الحقيقي له ليس ما يرسمه الناس، بل ما يقوله الله عنه بعيدًا عن الناس.
فليحفظ الرب كل خادم متضعًا أمام السيد، متعلِّمًا منه فهو الوديع المتواضع القلب، عارفًا قدر نفسه ومدركًا أنه لا شيء. وإذا سلك هذا الطريق فإن الرب سيرفعه ويكرمه. فمَنْ يرفع نفسه يتَّضع ومَنْ يضع نفسه يرتفع.
الجنس
وهو أخطر ما يهدد الخادم شابًا كان أم فتاة، سواء كان متزوجًا أم لا. فإن الجسد واحد في الكل. وقد قيل حقًا إن أردأ صور الفساد هو فساد أقدس الأشياء. وعلى كل شخص في حقل الخدمة أن يحفظ نفسه طاهرًا على مستوى الفكر والنظر والكلام والمشاعر والعواطف والتصرفات، أمام الناس وبعيدًا عن الناس، مدركًا حساسية الأمور الروحية وأن الله يراه، ومدركًا فساد الجسد الذي فيه، وأساليب الشيطان للغواية، صاحيًا وحذرًا في التعامل مع الجنس الآخر بكل نقاء، متباعدًا عن كل ما يُغذي الرغبات الجسدية. ولا يأتمن نفسه، مهما كان مركزه. ولا يسمح لنفسه بأي تجاوزات، من أجل كرامة الخدمة وكرامة الرب الذي يخدمه. وليسمع نصيحة حكيم الدهور وتحذيراته في هذا الشأن: «أ يأخذ إنسانٌ نارًا في حضنه ولا تحترق ثيابه؟ أو يمشي إنسانٌ على الجمر ولا تكتوي رجلاه؟». وقد شبَّه الشخص الذي يسير وراء شهوته بثور يذهب إلى الذبح، أو كالغبي إلى قيد القصاص، كطير يسرع إلى الفخ ولا يدري أنه لنفسه.
وأشهر مثال على ذلك هو شمشون الذي انجذب وانخدع من شهوته. لقد عرف، مثل كثيرين، كيف يبدأ الطريق لإشباع شهواته، لكنه قَطّ لم يتوقع النهاية المأسوية لهذا الطريق، وأنه سيدفع حياته ثمنًا لحماقته.
لهذا ينبغي أن نهرب من الشهوات الشبابية ولا سيما الجنسية في كل صورها، لكي نكون أواني للكرامة مقدسة نافعة لخدمة السيد ومستعدة لكل عمل صالح.