السوس واللصوص والنمل الأبيض
على موقع شبكة بي بي سي الإخبارية (news.bbc.co.uk)، وبتاريخ 4/8/2008 وتحت عنوان “وضع ثروته في خزانة فأكلها النمل الأبيض”، نُشر هذا الخبر:
فَقَدَ تاجر هندي مدخرات عمره التي أكلها النمل الأبيض، في صندوق الودائع الخاص به، بالبنك الذي يضع فيه مدخراته.
وكان التاجر “دواريكا براساد” يضع أوراق نقدية وشهادات استثمار تُقدَّر بنحو 650 ألف روبية (16 ألف دولار)، في خزانة ببنك، في باتنا عاصمة ولاية بيهار الهندية. وكان البنك قد وضع لافتة تُحذّر العملاء من النمل الأبيض. ويقول المسؤولون في البنك إن تلك اللافتة، التي وُضعت في 8 مايو الماضي، عند مدخل غرفة الودائع، نصحت العملاء بأخذ أوراقهم ومستنداتهم المهمة بسبب النمل الأبيض.
وقال “براسادا”: عندما توترت علاقتي بزوجتي وأولادي، أردت أن أحتفظ بالثروة في أمان؛ فوضعتها بخزانة في البنك، منذ سبتمبر عام 2005. وإني منهار الآن، ولا أعرف ماذا أفعل، فقد كنت أحتفظ بالمال كي أُنفق منه عندما أُصبح شيخًًا. وأضاف قائلاً: إنه لم يُشاهد اللافتة، حيث أنه لم يذهب إلى البنك منذ عدة شهور. وعندما فتحت الخزانة في 29 يناير الماضي، لم أجد سوى النمل الأبيض والغبار! وقد كتبت لرئيس البنك المركزي والمكاتب الإقليمية ولم أتلقَّ ردًا منذ ما يزيد عن شهرين.
واعترف المسؤولون في البنك أنهم لم يبلغوا العملاء على نحو شخصي بالتحذيرات من النمل الأبيض. وقال مدير البنك: إنه لا يجب على العميل توجيه أي لوم للبنك، فالخزانة لم تتعرض للكسر أو التدمير. والبنك غير مسؤول عما بداخل الخزانة، وتقتصر مسؤوليته على تأمينها من الخارج.
وتقول سلطات بنكية: إنه قد تمَّ رفع شكوى “براسادا” إلى أعلى مستوى، ولكنه غير مستحق لأي تعويض عن خسارته.
وعندما قرأت هذا الخبر تذكَّرت كلمات “ربِّي وإلهي”: «لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ، حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ. لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا» (متى6: 19-21).
وهكذا يدحض الرب يسوع صحة كل النصائح البشرية التي تنصح بتجميع الأموال واكتناز الثروات بغية ضمان المستقبل ماديًا. فعندما قال - له كل المجد - «لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرضِ»، فقد أشار بذلك إلى أنه لا يُوجد ضمان في الأمور المادية. فكل أنواع الكنوز المادية الأرضية غير ثابتة ولا دائمة. وقدَّم الرب سببين لعدم دوام أو ثبات كنوز الأرض:
السبب الأول: أنها قد تتعرض للتلف بواسطة عناصر الطبيعة (السُّوسُ وَالصَّدَأُ)، فلا تبقى على حالها، ولا على بريقها. فمبدأ التحلّل والفساد يعمل في كل شيء في هذه الأرض.
والسبب الثاني: أنها قد تتعرّض للسرقة من السرَّاق واللصوص، فتتعرض للضياع، ولا تبقى على الإطلاق. فلا أمان هنا على الأرض لما نكنـزه.
وما أكثر أسباب ضياع الثروة التي نسمع عنها هذه الأيام: لنتذكَّر انهيار البورصات، وإفلاس البنوك، وخسائر الشركات، وتذبذب أسعار السلع، وانخفاض أسعار العُملات، والحجز على الثروات والمصادرات، والتضخم. هذا كله بالإضافة إلى السرقات نفسها بالطرق التقليدية والمبتكرة أيضًا، إذ أن بعض السرقات تتم الآن عن طريق الإنترنت وباستخدام أعلى التكنولوجيات!
وإن إنذارات الكتاب المقدَّس تحذِّرنا من جعل تكويم وتكديس الثروة غرض القلب. فالشخص الذي، في ثقته بحكمته، يتجاهل التعليم الإلهي بهذا الشأن، سيرى - بعد فوات الفرصة
- أنه كان يتطلع إلى شيء يطير ويتبخر ويتلاشى، لأن الكنز الأرضي أسرع وأيسر في تبديده منه في جمعه وتكويمه. لهذا يقول سليمان الحكيم: «لاَ تَتْعَبْ لِكَيْ تَصِيرَ غَنِيًّا. كُفَّ عَنْ فِطْنَتِكَ. هَلْ تُطَيِّرُ عَيْنَيْكَ نَحْوَهُ وَلَيْسَ هُوَ؟» - أي هل تلاحق الغنى بنظرك وهو ليس باقيًا؟! ثم يقول: «لأَنَّهُ إِنَّمَا يَصْنَعُ لِنَفْسِهِ أَجْنِحَةً. كَالنَّسْرِ يَطِيرُ نَحْوَ السَّمَاءِ» (أمثال23: 4، 5). فالغنى يبدو وكأن له أجنحة يطير بها هاربًا مثل النسر، وإذ ذاك لا يترك لصاحبه سوى أنين الخيبة، والحسرة، والندم، وأمراض القلب وضغط الدم، لمن ركز أفكاره عليه. ويا لحماقة وجنون السعي وراء الثروة!!
إن السماء، وليست الأرض، هي المكان الأمين لحفظ كنوزنا. ولذلك يضيف الرب يسوع المسيح تحريضًا إيجابيًا فيقول: «اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ». ففي السماء لا سُوس وَلاَ صَدَأ، ولا نمل أبيض بالطبع، ولهذا يقول الرسول بطرس عن ميراثنا السماوي إنه «لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ»، وفي السماء لا يوجد سارقون يسرقون، ولهذا يُضيف قائلاً عن هذا الميراث إنه «مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ» (1بطرس1: 4).
وفي الرسالة إلى العبرانيين قيل عن المؤمنين إنهم قَبِلوا سَلبَ أموالهم بفرحٍ، عالمين أن لهم مالاً أفضل في السَّماوات وباقيًا (عبرانيين10: 34). كما يقول عن الآباء إنهم عاشوا غرباء على الأرض لأنهم كانوا ينتظرون المدينة السَّماوية التي لها الأساسات (عبرانيين11: 10، 16)؛ أي المدينة الباقية.
كثير من الناس الذين يعيشون في الدول غير المستقرة، يحاولون نقل ثرواتهم خارج البلاد، ولو بطرق غير مشروعة. فلماذا أيها المؤمن لا تنقل ثرواتك إلى أكثر الأوطان أمنًا، وبأكثر الطرق مشروعية؟! لماذا لا تستخدم أموالك في خدمة الله والناس، فيكون لك بذلك كنز في السماء (متى19: 21)؟!
«مَنْ يَرحَمُ الْفَقِيرَ يُقْرِضُ الرَّبَّ، وَعَنْ مَعرُوفِهِ يُجَازِيهِ» (أمثال19: 17)، هذا هو الاستثمار المأمون والأكثر ربحًا، بل هو الاستثمار الوحيد الذي لا يتعرض للخسارة.
عزيزي..
احذار من السُّوس واللصوص... والنمل الأبيض.