أول شخص ولد في العالم هو قايين، وكان عاملاً في الأرض، وأخوه هابيل كان راعيًا للغنم. أراد كل منهما أن يقترب إلى الله، ولكن بالأسف اختلف الطريقان، فقايين أراد أن يقترب إلى الله عن طريق أعماله وتعب يديه فقدَّم من أثمار الأرض، ولكن الله لم ينظر إلى قايين وقربانه. أما هابيل، فاقترب إلى الله على أساس الذبيحة فقدَّم من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه. لقد جاء اسم هابيل في الكتاب المقدس 12 مرة. وفي هذه المقالة سنتحدث عن هابيل كرمز للمسيح. من بعض النواحي:
(1) هابيل، معنى اسمه: بخار
إن حياتنا جميعًا على الأرض قصيرة؛ فمكتوب عنها: «إنها بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل» (يعقوب4: 14). وهي مشبهه بأنها ريح ، ونفخه، وعدَّاء يجري سريعًا وأشبار، وقصة، وظل مائل (أيوب7: 7، 16؛ 9: 25؛ مزمور39: 5؛ 90: 9؛ 102: 11). وهي قصيرة بالنسبة للأبدية التي لا تنتهي. لكن حياة هابيل كانت قصيرة جدًا، وهو في هذا صورة للرب يسوع الذي قُطع في نصف أيامه (مزمور102: 24)؛ إذ عاش المسيح - له المجد - 33 سنة وبضعة أشهر فقط.
فليتنا كمؤمنين نستثمر كل أوقاتنا وطاقتنا وحياتنا القصيرة لتعظيم ربنا يسوع المسيح.
(2) هابيل راعي الغنم
كان هابيل راعيًا للغنم، وهو عمل شاق إذ يأخذها إلى المراعي الخضراء، وإلى مياه الراحة. وهذا العمل يتطلب يقظة وصحوًا؛ حتى يحفظ الغنم من الذئاب الخاطفة. وهو في هذا صورة للرب يسوع، راعي الخراف العظيم، الذي يهتم بنا نحن قطيعه العابر في البرية. ونحن محفظون له لأننا في يده ولا يمكن لواحد من خرافه أن يهلك بل كما قال هو: «ولا يخطفها أحد من يدي».
لذلك نغبط أنفسنا بهذا الراعي العظيم ونثق في اهتمامه وعنايته بكل واحد منا.
(3) هابيل البار
شهد الرب يسوع عنه بأنه «هابيل الصديق»، وأن دمه هو دم زكي (متى23: 35؛ انظر عبرانيين11: 4؛1يوحنا3: 12). وفي هذا صورة للرب يسوع المسيح البار، الذي شهد عنه الآب قائلاً: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (متى3: 17). عاش المسيح على الأرض حياة قدوسة وقال لليهود: «من منكم يبكتني على خطية» (يوحنا8: 46)، وشهد الكثيرون عن كماله وبره مثل بيلاطس وامرأته واللص التائب وقائد المئة إذ قال: «كان هذا الإنسان بارًا» (لوقا23: 47). وشهد عنه الروح القدس إنه «لم يعرف خطية» (2كورنثوس5: 21) «ولم يفعل خطية، ولا وُجد في فمه مكر. الذي إذ شُتِمَ لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يهدِّد، بل كان يسلم لمن يقضي بعدل» (1بطرس2: 22)، «ليس فيه خطية» (1يوحنا3: 5).
(4) هابيل رجل الإيمان
كان هابيل يثق في الله وفي أقواله؛ وهذا هو الإيمان. فلقد صدَّق أقوال الله من جهة غفران الخطايا عن طريق الذبيحة، فأخذ من أبكار غنمه وقدَّم لله ذبيحة، إذ مكتوب: «بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين». والمسيح - له المجد - كإنسان كان هو رجل الإيمان الأعظم؛ إذ عاش، كإنسان، حياة الثقة في الله والاتكال عليه في كل شيء. عبّر عن ذلك بحياة الصلاة، وكانت لغته «احفظني يا الله لأني عليك توكلت» (مزمور16: 1).
ليعطنا الرب أن نعيش حياة الإيمان الواثق فيه؛ لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان.
(5) هابيل الذي قدّم لله
قدَّم هابيل لله من أبكار غنمه ومن سمانها، أي أنه قدَّم أفضل شيء لديه. وهو في هذا صورة للمسيح الذي قدَّم وقته وجهده وكل طاقاته لله أثناء حياته على الأرض، كما قدّم حبًّا وحنانًا وشفقة وعطفًا للجموع وللمتألمين، ثم قدَّم نفسه ذبيحة لأجلنا على الصليب. وهذا ليس بعجيب لأنه قال: «مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ» (أعمال20: 35). وعندما نتأمل، مثلاً، فيما قدَّمه المسيح من جهد وهو في طريق طاعته لله؛ نراه يتعب من السفر، ويجلس على بئر في السامرة. ومرة أخرى بعد أن علَّم الجموع كثيرًا، صرف التلاميذ الجمع وأخذوه فـي السفينة، ومن الإرهاق الشديد كان في مؤخرة السفينة على وسادة نائمًا.
ليعطنا الرب أن نقدِّم أوقاتنا وطاقتنا وجهدنا وحياتنا له.
(6) هابيل المُبغَض من أخيه
مع أن هابيل أطاع الرب وقدّم الذبيحة، وأعماله كانت بارة، ولكن هذه الأمور جعلت قايين يبغضه. لقد نظر الرب إلى هابيل وقربانه، ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر؛ فاغتاظ قايين جدًا. وهذا حدث مع ربنا يسوع المسيح البار والقدوس؛ إذ ابغضه اليهود بلا سبب، وحاولوا قتله عدة مرات، ورجمه، وإلقاءه من على حافة الجبل. ولقد قال الرب يسوع لتلاميذه: «إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم... أبغضوني بلا سبب» (يوحنا15: 18، 25).
ولقد كانت قمة البغضة له عندما جاءت ساعة الصلب، وكان الذين يبغضونه كثيرين حتى أنه قال: «أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب» (مزمور69: 4).
لذلك إن أبغضنا العالم، بسبب ارتباطنا بالمسيح، فلا ننزعج؛ لأن هذا هو الوضع الطبيعي.
(7) هابيل المذبوح
قام قايين علي هابيل وذبحه وقتله، وبهذا كان هابيل هو أول شهيد من أجل البر. وفي هذا صورة لما حدث مع المسيح - له المجد - من اليهود إخوته؛ إذ بعد بغضتهم الشديدة له، ذبحوه وقتلوه وعلقوه على خشبة.
لقد سُفك دم هابيل الصديق، وسفك أيضًا دم المسيح البار؛ مع ملاحظة الفارق العظيم أن دم هابيل كان يطلب النقمة (تكوين4: 10)، أما المسيح فيطلب الرحمة والغفران (لوقا23: 34).
لقد مات هابيل لكنه يتكلم بعد، مُعلنًا أن طريق الاقتراب إلى الله هو في الذبيحة. وفي هذا صورة للمسيح الذي مات أيضًا، ولكنه يتكلم عن محبة الله العظيمة للبشر، والتي ظهرت في الصليب: «لأنه هكذا أحب الله العالـم؛ حتى بـذل ابنـه الوحيد» (يوحنا3: 16)، وأيضًا محبته للمؤمنين: «الله بيَّن محبته لنا؛ لأنه ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا» (رومية 5: 8).
أخي... أختي... هل استفدت من موته على الصليب؟ هل حياة وعمل المسيح موضوع مشغوليتك باستمرار؟