ذهبت الطفلة الفقيرة، والمريضة أيضًا، هاتيا ماي ويات Hattie May Wiatt إلى الكنيسة التي كانت بجوار بيتها في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسيلفانيا الأمريكية في صباح يوم الأحد، وكان هذا في عام 1884م، لت
. تمتع بالترانيم والصلاة وقصص الكتاب المقدس في مدارس الأحد التي كانت تحبها. لكن هاتيا ظلّت خارج الكنيسة تبكي، إذ كانت الكنيسة صغيرة جدًا والفصل الوحيد لمدارس الأحد مكتظًا بالأطفال. وبينما هي تبكي خارجًا، خرج خادم الكنيسة روزل كونويل Russell H. Conwell للشارع لأمر طارئ، فوجدها تبكي. ولما سألها عن سبب بكائها قالت له: لا يوجد لي مكان بمدارس الأحد. فأخذها الخادم بيدها وأدخلها للكنيسة.
بعد عامين، أي في عام 1886م، دُعي مستر كونويل إلى بيت هاتيا، وكم تأثَّر كثيرًا، ولم يمسك دموعه من الانهمار، إذ كانت هاتيا قد فارقت الحياة، وسافرت إلى السماء للرب يسوع الذي أحبته. وبعدما تحدَّثت الأسرة مع القس روزيل عن تفاصيل الجنازة، وبينما هم ينقلون جثمانها، وقعت محفظة حمراء كانت تحتفظ بها، وكانت المحفظة قديمة، ويبدو أن هاتيا أخذتها من صندق قمامة كان في الشارع. ولكن المفاجأة كانت أنهم عندما فتحوا المحفظة وجدوا فيها 57 سنتًا (قيمتها أقل من 3 جنيهات مصرية حاليًا)، وورقة صغيرة مكتوبة بخط يدها، عليها عبارة، قرأها مستر كونويل والدموع تنساب من عينيه: “خلال عامين استطعت أن أدخر 57 سنتًا، وسأستمر أدخر حتى أتمكن من بناء مبنى كبير للكنيسة، حتى لا أُحرم من فصل مدارس الأحد، ويستطيع أطفال أكثر التمتع بمدرسة الأحد.. الإمضاء هاتيا ماي وايت”.
قرأ القس كونويل الورقة في الكنيسة، وهو يحمل المحفظة الحمراء القديمة، وتشجَّع الجميع لتحقيق حلم هاتيا. وتناقلت الجرائد القصة، وبدأ الجمع لبناء المشروع الجديد. في خلال 5 سنوات كبرت عطية هاتيا من 57 سنتًا إلى 25 مليون دولار أمريكي.
وإن زرت الآن مدينة فيلادلفيا ستشاهد الصرح العظيم للكنيسة هناك Temple Baptist Church الذي يتسع لحوالي 4 آلاف شخص، والملحق به جامعة مسيحية، وأيضًا مبنى مستشفى السامري الصالح، ومبنى مخصوص لمدرسة الأحد يتسع لمئات الأطفال، حتى لا يضطر طفل واحد من كل المنطقة أن يقف خارجًا عندما لا يجد مكانًا؛ مثل هاتيا ويات. وستجد في المبنى صورة هاتيا، التى قدَّمت 57 سنتًا، هذا المبلغ البسيط الذي كبر وزاد حتى صار هذا المشروع العظيم التي كُتبت عنه العديد من الكتب، ومازال الحديث عنه في كل بقاع الأرض ويملأ مواقع الإنترنت.
صديقي القارئ العزيز.. صديقتي القارئة العزيزة.. لقد ذكرتني الطفلة هاتيا في عطائها بالمرأة التي وضعت الفلسين: «وَجَلَسَ يَسُوعُ تُجَاهَ الْخِزَانَةِ، وَنَظَرَ كَيْفَ يُلْقِي الْجَمْعُ نُحَاسًا فِي الْخِزَانَةِ. وَكَانَ أَغْنِيَاءُ كَثِيرُونَ يُلْقُونَ كَثِيرًا. فَجَاءَتْ أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَأَلْقَتْ فَلْسَيْنِ قِيمَتُهُمَا رُبْعٌ. فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمُ: ?لْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ؛ إِنَّ هَذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ أَلْقَوْا فِي الْخِزَانَةِ؛ لأَنَّ الْجَمِيعَ مِن فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا. وَأَمَّا هَذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا كُلَّ مَعِيشَتِهَا» (مرقس12: 41-44). لقد جمعت، خلال عامين، 57 سنتًا، وهو مبلغ زهيد، لكنه كان يمثل كل معيشتها! نعم صغير! لكن عظيم وقوي! مثل حبة الخردل، كما قال الرب يسوع: «حَبَّةَ خَرْدَلٍ... وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبذُُورِ. وَلَكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ وَتَصِيرُ شَجَرَةً» (متى13: 31). لهذا قال المسيح عن الإيمان: «فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ» (متى17:?20). كما قال الرب في مكافأة العبد الأمين: «نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (متى25: 21).
كانت هاتيا ليس فقط كحبة الخردل، بل كحبة الحنطة؛ إذ أثمرت، لا في حياتها فقط، بل في موتها أيضًا، كما قال الرب يسوع المسيح: «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ، فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ» (يوحنا12: 24). والإيمان وعدمة هو الأمر الوحيد الذي جعل الرب يتعجب (لوقا7: 9؛ مرقس6: 6)؛ فعدم الإيمان يهين الله، وَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: «حَتَّى مَتَى يُهِينُنِي هَذَا الشَّعْبُ؟ وَحَتَّى مَتَى لا يُصَدِّقُونَنِي بِجَمِيعِ الآيَاتِ التِي عَمِلتُ فِي وَسَطِهِمْ؟ (عدد11:14). ومن الواجب أن نصلي كما َقَالَ الرُّسُلُ لِلرَّبِّ: «زِدْ إِيمَانَنَا» ولقد طوب الرب يسوع الإيمان إذ قال لتوما: «طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا» (يوحنا20: 29).
وهذه بعض مراحل إيمان الثقة:1- عدم الإيمان: فَلِلْوَقْتِ صَرَخَ أَبُو الْوَلَدِ بِدُمُوعٍ وَقَالَ: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَانِي» (مرقس24:9). ثُمَّ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالُوا: «لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ» (متى17: 19-21).
2- قليل الإيمان: فَفِي الْحَالِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: «يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ لِمَاذَا شَكَكْتَ؟» (متى14: 31).
3- إيمان: حِينَئِذٍ لَمَسَ أَعْيُنَهُمَا قَائِلاً: «بِحَسَبِ إِيمَانِكُمَا لِيَكُنْ لَكُمَا» (متى9: 29).
4- عظيم إيمانك: حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ» (متى15: 28).
5- إيمان ليس مثله: «أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هَذَا»
(لوقا7: 9).
فهل تصلي معي؟صلاة: يا رب يسوع.. يا رئيس الإيمان.. يا من طوبت الإيمان وليس العيان.. أصرخ إليك أيها الحنّان: زد إيماني يا صاحب السلطان.. فاتبعك طول الزمان.. آمين.