واجه أحد المُرسَلِين في أفريقيا صعوبة بالغة وهو يحاول أن يُترجِِم “إنجيل يوحنا” إلى لغة القبيلة التي كان يخدم فيها. وقد كَمُنت الصعوبة في العثور على كلمة تُعَبِّر عن “الإيمان”. ومع أنه بذل قُصَارَى جهده، فقد اضطُرَّ إلى إبقاء فراغ كلما وصل إلى الفعل “آمن” ومشتقاته.
وذات يومٍ جاء إلى مركز الإرسالية ساعٍ يركض لاهثًا، بعدما قطع مسافةً طويلةً وهو يحمل رسالةً مُهِمَّةً جدًّا. وما أن بَلَّغ الرسالة حتى تهالك وارتمى منهوكًا على أُرجوحةٍشَبَكِيَّةٍ منصوبة بين شجرتين، ثم قال عبارة وجيزة، بدا أنها عبَّرت في آنٍ واحد عن تعبه الشديد، وعن سروره المتناهي بالعثور على مكان الاستراحة المُبهج هذا. ولما لم يكن المُرسَل قد سمع تلك الكلمات من قبل، سأل أحد المؤمنين الأفارقة الواقفين هناك عما قاله السَّاعي، فجاءه الجواب: “ما قاله هو هذا: لقد وصلتُ إلى نهاية نفسي، ولذلك أُلقي كل ثقلي ها هُنا!”.
وعندئذٍ هتف المُرسَل قائلاً: “حمدًا للرب! يا له من إيضاح رائع وحيٍّ لمعنى كلمة الإيمان! هذا هو التعبير عينه الذي يُعوزني كي أنقل فكرة الإيمان!” وهكذا تمكَّن من إكمال الترجمة.
ولما كان مُرسَلٌ آخر يُترجِم الكتاب المقدس إلى إحدى اللغات الأفريقية الأخرى، لم يجد كلمة تناسب معنى “الإيمان”. وفي يوم ما دعا خادمه الأفريقي، ثم جلس على كرسي، وسأل الخادم: “ماذا أفعل الآن؟” فأجاب الخادم بلغته: “أنت الآن جالسٌ”. ولكن المُرسَل كان قد سمع هذه الكلمة من قبل، لكن ليست هذه الكلمة هي ما يريده.
وهنا لَمَعَت أمامه فكرة؛ فرفع قدميه من على الأرض، وجلس متربعًا على الكرسي، وسأل خادمه: “والآن ماذا أفعل؟” فأجاب الخادم: “أنت الآن مُستريحٌ تمامًا”. وكان هذا التعبير جديدًا على مسمع المُرسَل، وكانت هذه هي الكلمة التي يُريدها؛ فالإيمان لا يستند على أي شيء أرضي.
وإذا كان الأمر كذلك، فدعونا، أيها الأحباء، نسأل:
ما هو الإيمان؟
يُمكننا أن نُعطي تعاريف صحيحة عن ماهية الإيمان، لكن ربما لا تكون شافية بالدرجة التي نحسها في إجابة طفلة صغيرة سُئِلت هذا السؤال، فكان جوابها بكل بساطة: “الإيمان هو أن نصدق ما قاله الله، لأن الله هو الذي قاله”. نعم، ما أبسط أن تُصدِّق الصَّادق في كل ما يقوله!
وإيمان الخلاص هو الإيمان بكفاية عمل المسيح وحده لنوال الخلاص؛ «لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ» (أفسس2:?8). ويُعبَّر عن إيمان الخلاص في الكتاب المقدس بـ“قبول المسيح”؛ فقد قال الكتاب المقدس: «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ» (يوحنا1:?12)، لأننا من اللحظة التي فيها قَبِلنا الرب يسوع مُخَلِّصًا، صرنا مؤمنين وأولادًا لله. ولكن هذه اللحظة لا تأتي إلا عن طريق صراع قد يطول أو يَقْصُر؛ صراع مع النفس، حتى يتحنن الله فيُنهي الصراع بعطية الإيمان. فالروح القدس، مُجاهدًا معي، مُستخدِمًا كلمة الله، يُعطيني أن أُفَتِّش قلبي فأراه «أَخْدَعَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ» (إرميا17:?9)؛ وأُفَتِّش ذهني فأكتشف أنه «ذِهْنٌ مَرْفُوضٌ» (رومية1:?28)؛ وأُفَتِّش ذاتي فأرى «أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ... شَيْءٌ صَالِحٌ» (رومية7:?18). ويا له من صراع مُخيف! ولكن في النهاية يتغير فكري بخصوص ذاتي، وأدين نفسي وأفعالي، وأقبَل حكم الله عليَّ، فأومن أنني خاطيء، لا أستحق سوى الهلاك؛ وهكذا أصل إلى نهاية نفسي (وهذه هي التوبة). ولكن تغيير الفكر بخصوص الذات (التوبة) لا يكفي، بل يجب أن يتغير الفكر بخصوص الله أيضًا (وهذا هو الإيمان). وإذ أتحول إلى الله، فأراه كالآب المُحِب الذي يَقْبَل ابنه الضال في فرحٍ عظيمٍ، وبغفرانٍ كاملٍ. ويرفع الروح القدس عينيَّ إلى الصليب؛ فأرى الرب يسوع هناك لأجلي، فأبرأ في الحال مُوقنًا أنه «هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا3:?16). وهكذا تنتهي جميع مخاوف النفس، وشكوكها، وآلامها، ومتاعبها، وتأوُّهاتها، وصرخاتها، وجهادها في أن تجد شيئًا صالحًا في ذاتها! الكل ينتهي بتحويل نظر الخاطيء إلى المسيح، وبمعرفته بسرور وفرح أن الخلاص والسلام الحقيقيَّيْن مرتبطان تمامًا بالمسيح وبعمله الكامل، وهو - تبارك اسمه - يُعطي الخلاص الكامل لكل مَن يُؤمن به؛ ولذلك أُلقي كل ثقلي عليه، فأستريح تمامًا على كفاية شخصه لشبع قلبي، وعلى كفاية عمله لراحة ضميري، وعبور الدينونة عني. ويا للراحة! ويا للسلام! ويا للهدوء!
والخلاصة، يا عزيزي؛ أن الإيمان - بمنتهى البساطة - هو التصرُّف على أساس تصديق كلام الله. ولكي تؤمن على نحوٍ صحيح، ينبغي لك أولاً أن تعترف بأنك خاطيء وعاجز عن فعل أيِّ شيء لتخليص نفسك؛ ومن ثَمَّ تتحوَّل عن الخطيَّة وتُلقي بنفسك كليًّا وبلا تَحَفُّظ على الربِّ يسوع المسيح كي يُخلِّصك!
فهل سبق لك أن آمنتَ بالمسيح هكذا؟!