من بين آلاف الكائنات المثيرة التي تعج بها غابات إحدى الجزر التايوانية، استرعى انتباه العلماء نوع من العناكب النسَّاجة للشِّبَاك تُسَمَّى “عنكبوت الخشب العملاق”؛ حيث تستدرج إناث هذا العنكبوت مختلف أنواع الحشرات الطائرة، وخاصة النحل، حين تقع في حبائل الشبكة الهائلة التي تنسجها بين الأشجار. فهي تقف بأرجلها الثمانِ الطويلة، وألوانها البرَّاقة، وتحرك أجزاء فمها السام ببطء، وتنسج شِبَاكًا رقيقة شفافة في زاوية معتمة، في انتظار ضحية غافلة أو ضعيفة النظر لتتعثر في الشباك الخفية اللزجة. عندئذٍ تظهر العنكبوت من مكانها لتنقض على الضحية المضطربة، وتُحكِم وثاقها بمزيد من الخيوط ثم تحقنها بالسم الذي يُذيب أحشاءها.
أما أنثى “عنكبوت الخشب العملاق المُلَوَّن”، فتنسج بين أشجار الغابة أكبر وأقوى وأجمل شبكة، بخيوط ذهبية جميلة، قد يَزيد قطرها على المتر الواحد، وتبلغ من المتانة أن بعض طيور الغابة والخفافيش الصغيرة تعلق بها عَرَضًا. وقد لاحظ العلماء أن الألوان البراقة التي على ظهور العناكب تجذب الحشرات أكثر بكثير من الشِّبَاك غير المرئية.
ولكن ماذا بالنسبة لنا؟ هل ننجذب وننخدع ونُغوَى بإغراءات مُرسَلة من الشيطان، تُنَشِّطها رغبات في داخلنا؟
لن أنسى ما دمتُ حيًّا تحذيرات كثيرة من جهات عديدة بعدم الانجذاب، وقت الحروب، إلى قلم جميل نجده في الشارع، أو إلى ساعة رائعة نجدها في مكان ما؛ لئلا تكون أحد المفرقعات. هكذا، يا أحبائي، في حربنا مع الشيطان! فلنحذر لأن صياد السمك يُخفِي الصنارة ويُظهِر الطُعم، وصائد الحيوانات يُخفِي الفخ ويُظهِر الطُعم. وعادةً يَظْهَر الطُعم بمنظر جذّاب ولكنه يُخفِي وراءه أحزانًا وعقابًا.
لذا عليك كمؤمن حقيقي بشخص المسيح بعض الأمور المهمة:
1- اُنْظُر إلى فوق واعلم أن الله لا يُجَرِّب أحدًا بهذا النوع من التجارب غير المُقَدَّسة؛ فهو قدوس، لا علاقة له مطلقًا بالخطية، وهو مُحِب لنا جدًا، فكيف يُجَرِّبنا لفعل الشر؟! إنه لا يُغوِي أحدًا على فعل خطية؛ فإلهنا لا يُمكن أن يُجَرِّبه الشر وهو لا يُجَرِّب به أحدًا؛ «لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، لأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا» (يعقوب1: 13). لكن الله يُجَرِّبنا تجارب مُقَدَّسة تُظهِر ما هو الأفضل فينا. أما مصدر التجارب غير المُقَدَّسة فهو الشيطان.
2- اُنْظُر إلى قدام واعلم أنه يوجد تأديب؛ «لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ. إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟!»
(عبرانيين12:?6،?7). فالبنوة الحقيقية تتضمن مسؤولية الأب في التأديب. والتأديب لا يجلب السرور في وقته، سواء للأب أو للابن، لكن فائدته مؤكَّدة؛ فمن ضمن الفوائد أنه يُعطِي «ثمر بر للسلام» (عبرانيين12:?11). لنتذكر، أحبائي، أنه «لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا. وَلَكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ» (1كورنثوس11:?31،?32).
3- اُنْظُر إلى الوراء وتذكر كم أن الخطية مُريعة وشنيعة، ونتائجها خطيرة جدًا؛ وتذكر أن المرأة؛ أي حواء؛ أُغْوِيَت؛ أي ضُلِّلَت وخُدِعَت؛ فوقعت في العصيان والتعدي، وأعطت رجلها فأكل من الشجرة المُحَرَّمة (1تيموثاوس2:?14). وهكذا، بخطية واحدة جاء الموت وجاءت الدينونة؛ «وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا» (يعقوب1: 14، 15).
4- اُنْظُر حولك وتذكر صلاح الله؛ فعطاياه وهِبَاته صالحة، وهو يُعطينا إياها بطريقة رائعة، بروح المحبة والنعمة؛ فكلٌ من العطاء وطريقة إعطائه صالحان. وهو يُعطينا باستمرار؛ فهو لا يُعطي أحيانًا، لكنه يُعطي دائمًا؛ فأبونا هو أبو الأنوار؛ أي خالق ومُبديء الأنوار كالشمس والقمر والنجوم، وهو ليس عنده تغيير؛ أي تَبَدُّل وتَحَوُّل؛ «كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ، وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ، هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ» (يعقوب1: 17). لذا، أخي، عندما تأتيك التجربة، تذكر صلاح الله؛ وإن كنتَ تظن أنه ينقصك شيء، انتظر الرب واعلم أنه حكيم جدًا!
5- اُنْظُر داخلك واعلم أنك شريك للطبيعة الإلهية؛ فيك حياة الله وطبيعته، فهي طبيعة إلهية حصلتَ عليها بالنعمة ومن خلال كلمة الله لكي تكون «بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ» (يعقوب1: 18). فلنحذر؛ لئلا نلتقط طُعم الشيطان وننخدع وفينا طبيعة الله! أ?ننجذب للخطية ونحن باكورة من خلائقه؟! أ?نشتهي أمورًا شريرة ونحن مولودين ولادة من فوق، سامية تتطلب حياة سامية؟!
6- اُنْظُر إلى المنتصرين؛ نعم، كم من مؤمنين أتقياء رفضوا إغواء الخطية! تذكَّر يوسف، وكيف رفض الإغواء، وكيف كانت المكافأة عظيمة! تذكَّر إبراهيم عندما رفض ما قدَّمه ملك سدوم، وكان أجره عظيمًا جدًا! تذكَّر أليشع عندما رفض ما قدمه له نُعمَان! تذكَّر موسى الذي أَبَى أن يُدْعَى ابن ابنة فرعون! تعرَّف على رجال ونساء الكتاب المقدس الذين أنهوا السباق وفازوا!
7- اُنْظُر إلى الرب يسوع المسيح؛ أي ثِق فيه، ولا تثق في نفسك أو غيرك؛ فالرب احتمل أكثر بكثير من أي بطل من أبطال الإيمان؛ احتمل العار والآلام والتعييرات ومقاومة الخطاة! تفكَّر فيه، وكم احتمل، وليكن هو مثالنا الأعظم، حيث لم يفعل خطية ولم يفكِّر في خطية! ويا ليتنا لا نفعل مثل بطرس، عندما تحوَّلت عيناه عن المُخَلِّص فابتدأ يغرق!