رأينا فيما سبق الأسباب التي تؤدِّي إلى فشل الخادم وإحباطه، والمخاطر التي تهدد خدمته وشهادته.
والآن سنتناول بعض الأخطاء التي قد يقع فيها الخادم، ولا سيما المبتدئ، دون أن يدري. وذلك لأنه لم يتنبَّه لأهمية هذه الاعتبارات في الخدمة، ففاتته. وإن كنا نبحث عن رضى السيد الذي نخدمه، فدعونا نحترص أكثر فيما نفعله إكرامًا له، ونحترس من أي شيء يحرمنا من مصادقته على خدمتنا ومن ابتسامة رضاه. لذلك أُقدِّم هذه النصائح لأحبائي الأحداث في ميدان الخدمة.
(1) احترس إذا كنت تحب الخدمة أكثر مما تحب الرب نفسه. إن المحبة للرب تظهر في الطاعة والتقوى، في حفظ وصايا الرب وحفظ كلامه (أي تحقيق رغباته)، في تقدير
محضره والاجتماع حوله لإكرامه، في الاختلاء والحديث السري معه، في محبة القديسين، في رفض إغراءات العالم والحكم على الجسد، في الاحتمال والتضحية لأجله، في ترتيب الأولويات وافتداء الوقت. كل هذا يُفرِّح الرب قبل الخدمة.
إن الخدمة أحيانًا تصبح مجالاً لإشباع وإمتاع الذات، ولذلك نجد إقبالاً متزايدًا وحماسًا من الشباب على المؤتمرات التي تُعقد تحت عنوان “الخدمة”، أكثر كثيرًا من الإقبال على مؤتمر للصلاة فقط أو لدراسة الكلمة. وذلك لأن الكل يريد أن يكون خادمًا، وعندما يتم تصنيفه تحت هذا المُسَمَّى يشعر بقيمته. نحتاج إلى التمييز بين خدمة الرب لإكرامه وبين إشباع الاحتياج النفسي عندنا. وليكن شعارنا: «ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص» (يوحنا3: 30).
(2) احترس لئلا تكون إنسانًا نظريًا. هل اعتدت حضور المؤتمرات وصرت عَلَمًا من أعلامها؟ إن حضور مؤتمر عن الخدمة لن يصنع منك خادمًا. وسماع عظات عن الخدمة
شيء وأن تعيش خادمًا هو شيء آخر. وأنت قد تتعلَّم دروسًا نافعة نظرية، لكن أرض الواقع والاختبار العملي شيء آخر. ويجب أن تخوض بنفسك التجارب، ويتدرَّب إيمانك على الاستناد على الرب، وتكتسب خبرات في التعامل مع النوعيات والاحتياجات والمواقف المختلفة، وتواجه صعوبات ومتاعب ومُفشِّلات ورفض، وتختبر كفاية النعمة التي ترفعك، وتعضيد الروح القدس لك كإناء خزفي هش وضعيف. ويجب أن تختبر الحزن المرتبط بالفشل، وتسأل الرب لماذا؟ وتختبر الفرح المرتبط بالنجاح، وتدرك أن مصدره الرب.
(3) احترس، إذا كنت ترغب في الاستخدام الإلهي، ولا ترغب في الإعداد والتشكيل الإلهي لك. إن معظم الشباب في عصر التكنولوجيا الحديثة اعتادوا على السرعة الفائقة والسهولة في إنجاز ما يريدون، ولا يحتملون الانتظار، ولا يستوعبون ضرورة الإعداد والتدريب قبل الخدمة. ولا يُقدِّرون أهمية أن يتركوا أنفسهم بين أصابع الفخاري تُشكِّل فيهم. لكن تذكَّر يا عزيزي الشاب أن الله يهمه الخادم أكثر من الخدمة. وتشكيل الإناء الذي سيستخدمه ليس وقتًا ضائعًا. وتذكَّر أن كل مَنْ استخدمهم الله في خدمة ناجحة تم تدريبهم وإعدادهم في الخفاء. وبالطبع ليس المقصود هو السلبية وعدم المشاركة في أي نوع من الخدمة حتى يفرغ الفخاري من عمله، كلا. ولكن وضع الأساسات الصحيحة وإرساء المفاهيم الصحيحة التي سيبُنى عليها كيان الخادم، هو أمر في غاية الأهمية. وهذا يتم في مدرسة الله التي تختلف عن مدارس الناس. وهذا التدريب سيستمر ويكتمل مع الأيام أثناء ممارسة الخدمة. لذلك احترس إذا كان الوقت الذي تقضيه في الخدمة أكثر من الوقت الذي تقضيه في خلوتك مع الرب لكي تعرف ماذا يريدك أن تكون، وماذا يريدك أن تفعل.
(4) احترس إذا كان نشاطك أو خدمتك بالاستقلال عن الكنيسة المحلية. إن الكثير من الشباب قد هجروا كنائسهم وأصبح انتماؤهم الأول إلى مجموعة النشاط أو الفريق أو الخدمة التي دخلوا فيها. لتعلم يا عزيزي أنك عضو في جسد المسيح وليس في
مجموعة عمل. وهذا الجسد تمُثِّله الكنيسة المحلية التي تنتمي إليها. وباعتبارك عضو في الجسد، فأنت لك دور هام ولا يمكن الاستغناء عنه، كما أنك تحتاج إلى بقية أعضاء الجسد. وعندما يمارس كل عضو العمل الخاص به، فإن هذا سيُحصِّل نمو الجسد لبنيانه في المحبة. واكتشاف موهبتك ودورك سيتم في الكنيسة المحلية بالارتباط مع بقية أعضاء الجسد. وكل نشاط يصادق الرب عليه كالعمل الكرازي والمتابعة والافتقاد والعمل الفردي والراعوي والتدبيري، ينبع من الكنيسة ويعود بالفائدة عليها. فالرب يضم للكنيسة الذين يخلصون، وفيها يجدون التعليم والبنيان والطعام والتشجيع الذي يحتاجون إليه. وفي الكنيسة المحلية تنمو المواهب وتصقل، وتتدرَّب على التمييز الروحي، والقيادة بالروح، وتختبر بركة وقوة استخدام الروح القدس للأفراد، وتستفيد من المواهب المعطاة في كنيسة الله. وليس بحسب فكر الله أن تندفع لخدمة في الخارج قبل أن يكون لك تواجد وانتماء ومشاركة فعَّالة في اجتماعك المحلِّي.
(5) احترس من أن تسير وراء خُدَّام وتتبع أسماء مشهورة بدلاً من السير وراء الرب وتبعيَّته شخصيًا. قد يُعجَب شاب بخادم مُتميِّز ويتأثر به، ويتقمَّص شخصيته، وينتسب إليه. لكن الرسول بولس وبَّخ المؤمنين في كورنثوس على ذلك، واعتبر هذه حالة طفولة روحية. وقد لا تكون المشكلة في الخادم الذي له قوة تأثير ومواهب خاصة، لكن المشكلة في تبعية الأفراد وولائهم والتفافهم حول مركز آخر غير الرب أيًّا كان، فيفقدون الاتصال المباشر بالرب، ويخسرون بركة قيادة الروح القدس لهم. إن خطة الله لحياتك، والخدمة التي قصدها لك قد لا تكون إطلاقًا هي التي يمليها عليك هذا القائد. فلا تضيع الوقت سائرًا بآراء الناس، عاملاً إرادتهم، بل تعلَّم أن تسأل الرب: سيدي.. ماذا تريد أن أفعل؟
(6) احترس من أن تلبس ثوب غيرك وتُقلِّده في الخدمة. واقنع بما أعطاك الرب، وتكلَّم فقط بما اختبرته شخصيًا وتأصَّل في كيانك واقتنعت به. تذكَّر أن بدلة شاول الحربية لم تصلح مع داود؛ فنزعها عنه. واعلم أن الله يريدك أنت كما أنت، وسيعطيك القوة الازمة للخدمة التي يُكلِّفك بها. وتذكَّر أيضًا أن الله لا يكرر الأواني. وهذا بالطبع لا يعني عدم الاستفادة من المواهب الروحية للبنيان الشخصي.
(7) احترس من أن تُزاحم على الخدمات البارزة، واقنع بالمكان الأخير وبالخدمات البسيطة والمعاونة والمختفية، وتأكَّد أن الرب يُقَدِّر هذه الخدمات ربما أكثر من القيادة أو الوعظ. كن أمينًا في القليل وهو سيُقيمك على الكثير.
ولتكن هذه الملاحظات من سمات حياتك دائمًا.