“فرعون” هو لقب كان يُعطَى لملوك مصر القدماء، والكلمة تعني “البيت الكبير”؛ دلالة على مركز السلطان والحكم، مثل البيت الأبيض في الولايات المتحدة، أو البيت العالي بتركيا.
وابتداءً من الأسرة 22، بدأ المصريون في إضافة الاسم الشخصي لملك إلى لقب “فرعون” «ها أَنَذَا أدفع فرعون حَفْرَع ملك مصر ليد أعدائه» (إرميا44: 30).
وقد ذكر لنا الكتاب المقدس حوالي 14 فرعونًا، بداية من فرعون ملك مصر في أيام إبراهيم (تكوين12)، إلى فرعون حَفْرَع في أيام إرميا النبي.
لكننا سنتكلم عن فرعون أيام موسى، وهو غير معروف الاسم بالتحديد؛ لكن هذه الشخصية شهدت الكثير من الأحداث ؛ فقد رأى أعمال الله وعجائبه، لكنه قسَّى قلبه وتمرد على الله وضرب بكلامه عرض الحائط، فهلك بطريقة لم تحدث من قبل!
فلماذا هلك فرعون ملك مصر؟!
أولاً: كبرياء القلب وشموخه
كان فرعون عند شعبه إلهًا بين الناس، وإنسانًا بين الآلهة، وهو الوسيط بين شعب مصر القديمة والآلهة في الكون، وفي العصور المبكرة كان الملك نفسه إلهًا متجسدًا على الأرض، وبخاصة الإله حورس معبود مصر العليا. وفرعون الذي نتكلم عنه هو من عائلة بُناة الأهرامات، وكان له من القوة العسكرية الكثير؛ فيوم أن خرج وراء شعب الرب، خرج بست مئة مَركبة مُنْتَخَبة. ونسمعه في خروج5: 2 يقول متعجرفًا: «من هو الرب حتى أسمع لقوله؟». لكن قوته وكبرياء جبروته لم ينقذاه من الغرق في البحر الأحمر!
مسكين الذي لا يعرف قدر نفسه؛ أنه تراب وإلى التراب يعود، كالعشب الأخضر يذبل وكالحشيش يُقطع! هذا ما لم يفهمه فرعون، والنتيجة أنه تَجَبَّر وانكسر، استعبد شعب الله دون ذنب لهم؛ فأيًّا شاء قتل منهم وأيًّا شاء استحيا! فتم فيه المكتوب: «من يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يُذِله» (دانيآل4: 37).
ثانيًا: قساوة القلب
أرسل الله موسى إلى فرعون برسالة مُحَددة: «هكذا يقول الرب: إسرائيل ابني البكر. فقلتُ لك: أطلق ابني ليعبدني؛ فأَبَيْتَ أن تطلقه. ها أنا أقتل ابنك البكر» (خروج4: 22، 23).
والرب في رحمته يرسل له رسالة، لا مرة ولا اثنتين، بل أكثر من ثماني مرات وبهذا القول: «هكذا يقول الرب...». لكننا نقرأ أكثر من ثماني مرات: «اشتد قلب فرعون» أو «أغلظ فرعون قلبه هذه المرة أيضًا» (خروج8: 19، 32).
كان فرعون يواجه كل رسالة من الله بموجة من القساوة والعناد، رغم العجائب والضربات التي رآها والتي قال عنها حكماؤه: «هذا أصبع الله».
آه، أحبائي من عواقب قساوة القلب أمام دعوة الله المُحب! كانت النتيجة: «شدد الرب قلب فرعون» (خروج9: 12). أحب فرعون القساوة فقَسَّى الله قلبه!
يقول الرب في أمثال1: 24، 26: «لأني دعوتُ فأَبَيْتُم، ومددتُ يدي وليس من يبالي... فأنا أيضًا أضحك عند بَليَّتكُم. أَشْمَتُ عند مجيء خوفكم». «لذلك كما يقول الروح القدس: اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم!» (عبرانيين3: 7، 8).
ثالثًا: التأثر الوقتي دون توبة
اشتدت الضربات فوق رأس فرعون وعلى كل أرض مصر؛ وفي كل مرة يصرخ فرعون ويقول: «أخطأتُ هذه المرة. الرب هو البار وأنا وشعبي الأشرار. صَلِّيَا إلى الرب... فأُطلقكم» (خروج9: 27، 28؛ اقرأ أيضًا 10: 16، 17). وما أن يرفع الرب الضربة، يقول الكتاب عن فرعون: «عاد يخطيء وأغلظ قلبه هو وعبيده» (خروج9: 34). وكم من الناس يبكون وقت ضيقهم، ويَعِدُون الرب أنه إذا أنقذهم سيعيشون له؛ وما أن ينقذهم الإله الرحيم، سُرعان ما يعودون لخطاياهم!
عزيزي، هل راوغتَ مع الله ولم تَتُب؟! لا تُعَلِّق توبتك بحدوث هذا أو ذلك؛ بل هيَّا الآن اُصرخ مُصَلِّيًا: «ارحمني يا الله حسب رحمتك. حسب كثرة رأفتك اُمحُ معاصيَّ» (مزمور51: 1).
رابعًا: الرفض الصريح
كان فرعون من البداية إلى النهاية رافضًا للرب ومعاملاته؛ فنجده في أولى مقابلاته مع موسى يقول: «من هو الرب حتى أسمع لقوله... لا أعرف الرب» (خروج5: 2)، وفي المرة قبل الأخيرة قال لموسى: «اذهب عني. احترز. لا ترَ وجهي أيضًا. إنك يوم ترى وجهي تموت» (خروج10: 28). فهو لا يريد الرب ولا يريد من يكلمه عن الرب! وحينما رفض الله، لم يكن له نصيب في الاحتماء في فدائه العظيم؛ أي خروف الفصح؛ فهلك ابنه البكر، وهلك هو بعده! ما أصعب رفض الإله المُحِب! يقول أيوب: «في لحظة يهبطون إلى الهاوية. فيقولون لله: اُبْعُد عَنَّا وبمعرفة طرقك لا نُسَرُّ» (أيوب21: 13، 14).
خامسًا: الهلاك الرهيب
الله المُحِب الرحيم لكل البشر نادى على فرعون مرات عديده، لكنه قوبل بالرفض والتحدي السافر. وبينما فدى الله مؤمنيه بدم خروف الفصح المرشوش على الأبواب، دخل المُهْلِك إلى بيت فرعون وبيت عبيده وقتل كل بكر. وحينما خرج الشعب من مصر لعبور البحر الأحمر، جُنَّ جنون فرعون وخرج وراءهم؛ وبينما هم يعبرون في الطريق الذي شقَّه لهم الرب داخل البحر، أراد أن يدخل وراءهم في تَحَدٍّ لله مرة أخرى، ولم يعلم أن هلاكه قريب! جاء الرب في الصبح وأشرف على فرعون وعسكره في عمود النار والسحاب؛ فأزعجهم وخَلَع بَكَرَ مركباتهم؛ وأمر الرب موسى فَمَدَّ يده على البحر فرجع البحر كما كان؛ ودفع الرب فرعون وجنوده وسط الماء وغَطَّت المياه مركبات جيش فرعون وفرسانه (خروج14: 24-31)! ومات الملك الإله في البحر غريقًا، وهلك بخطاياه في الجحيم وحيدًا!
عزيزي، هذه قصة أخرى من سِجِل الهالكين، سَجَّلَها الروح القدس في كلمة الله لكي لا تهلك أنت! أُصلي أن لا تكون كفرعون متكبرًا بل متضعًا، قارعًا صدرك كالعشار، قائلاً: «اللهُمَّ ارحمني أنا الخاطيء»؛ ولا تُقَسِّ قلبك، عزيزي؛ فلن ينتظر الله كثيرًا بعد الآن؛ فالوقت منذ الآن مُقَصَّر! واخضع لتبكيت الروح القدس تائبًا عن كل خطاياك، واقبل الرب يسوع مُخَلِّصًا ليطهِّر قلبك بدمه الكريم؛ فتتمتع بالفداء العظيم الذي رآه فرعون ولم يأخذه؛ فما زال الصوت الإلهي يُدَوِّي: «أَرَى الدم وأعبر عنكم. فلا يكون عليكم ضربة للهلاك» (خروج12: 13).
«فالله الآن يأمر جميع الناس، في كل مكان، أن يتوبوا؛ مُتَغَاضِيًا عن أزمنة الجهل. لأنه أقام يومًا هو فيه مُزْمِع أن يدين المسكونة بالعدل، برجل قد عَيَّنَه مُقَدِّمًا للجميع إيمانًا إذ أقامه من الأموات» (أعمال17: 30، 31).
أرجوك، لا تكن مثل فرعون، ولا تذهب إلي حيث هو