تخيل معي لو حدث صراع بين نسر قوي وخروف صغير، من سينتصر؟ طبعًا النسر وبالتالي سيكون الصراع محسوم لصالح النسر إن كان الخروف ميتًا! ولكن قصتنا العجيبة التي حدثت في شلالات نياجرا تحكي عكس ذلك.
وشلالات نياجرا هي شلالات عظيمة تقع على نهر نياجرا، وتفصل بين الحدود الدولية لكندا والحدود الدولية للولايات المتحدة الأمريكية.
هناك شاهد السائحون بأعينهم هذا المنظر المثير، عندما كانت المياه قبل الشلالات مباشرة تحمل جثة خروف صغير ملتصقة بقعطة كبيرة من الثلج، وإذ بنسر كبير ينقض على جثة الخروف الميت. ولكن لكونها ملتصقة بالثلوج لم يستطع رفعها؛ فبدأ ينهش فيها سريعًا. وكان وهو يأكل من جثة الخروف الصغير يرفع عينية من حين لآخر حتى يطمئن من أن هناك مسافة بعيدة بينه وبين حافة الشلالات، ليستغل كل فرصة ليأكل أكبر قدر من الجثة قبل أن يتركها لحالها تغرق في أعماق شلالات نياجرا الهائجة المائجة.
جاءت لحظة الصفر، عندما اقتربت الجثة من حافة الشلالات، فرفع النسر جناحية بقوة ليطير ويهرب من رعب الشلالات، ويترك الباقي من جثة الخروف لمصيرها المشئوم لتغرق في الشلالات المرعبة. ولم يكن النسر المسكين يعلم أن رجليه ومخالبه التي كانت قد انغرزت بين عظام جثة الخروف، قد تجمّدت والتصقت بالجثة، التي بدورها قد التصقت متجمدة مع القطعة الثلجية الهائلة. صرخ النسر بصوت عالٍ، وضرب بجناحيه قطعة الثلج بشدة محاولاً الهرب، ولكن التيار كان أسرع منه، فسقطت قطعة الثلج من علو الشلالات الشاهق إلى القاع الرهيب، والنسر ممسك بها. وغاص معها تحت المياه. وهكذا انتصر الخروف الميت على النسر العظيم، وأغرقه معه في أهوال شلالات نياجرا الرهيبة!
صديقي العزيز.. صديقتي العزيزة..
إنّ الخطية مثل هذا الخروف الميت، تشدّ الإنسان وتقيده، ثم تهوي به لا إلى شلالات نياجرا، بل إلى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت. «وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ والْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ والسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي»(رؤيا21: 8). فمكتوب: «الشِّرِّيرُ تَأْخُذُهُ آثَامُهُ، وَبِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ يُمْسَكُ. إِنَّهُ يَمُوتُ مِنْ عَدَمِ الأَدَبِ وَبِفَرْطِ حُمْقِهِ يَتَهَوَّرُ» (أمثال5: 22). والخطية تسقط النسور الأقوياء: «أَغْوَتْهُ بِكَثْرَةِ فُنُونِهَا، بِمَلْثِ شَفَتَيْهَا طَوَّحَتْهُ. ذَهَبَ وَرَاءَهَا لِوَقْتِهِ، كَثَوْرٍ يَذْهَبُ إِلَى الذَّبْحِ أَوْ كَالْغَبِيِّ إِلَى قَيْدِ الْقِصَاصِ، حَتَّى يَشُقَّ سَهْمٌ كَبِدَهُ. كَطَيْرٍ يُسْرِعُ إِلَى الْفَخِّ وَلاَ يَدْرِي أَنَّهُ لِنَفْسِهِ... لأَنَّهَا طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ. طُرُقُ الْهَاوِيَةِ بَيْتُهَا هَابِطَةٌ إِلَى خُدُورِ الْمَوْتِ» (أمثال7: 21-26). وهذه بعض الأمثلة عن الأمور التي تربط الإنسان لتغرقه أبديًا:
- عبودية الشيطان: «وَهَذِهِ، وَهِيَ ابْنَةُ إِبْرَهِيمَ، قَدْ رَبَطَهَا الشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً. أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَلَّ مِنْ هَذَا الرِّبَاطِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟» (لوقا13: 16). «فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ» (2تيموثاوس2: 26). كما قال الرب يسوع: «اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ» (يوحنا10: 10).
- عبودية الخطية والهوان: «أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» (يوحنا8: 34). «وَأَمَّا الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ، لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، الَّذِي إِذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ» (1تيموثاوس6: 9-10).
- عبودية الأدمان: «مُسْتَعْبَدَاتٍ لِلْخَمْرِ الْكَثِيرِ» (تيطس2: 3). «لاَ تَنْظُرْ إِلَى الْخَمْرِ إِذَا احْمَرَّتْ، حِينَ تُظْهِرُ حِبَابَهَا فِي الْكَأْسِ وَسَاغَتْ مُرَقْرِقَةً. فِي الآخِرِ تَلْسَعُ كَالْحَيَّةِ وَتَلْدَغُ كَالأُفْعُوانِ. عَيْنَاكَ تَنْظُرَانِ الأَجْنَبِيَّاتِ وَقَلْبُكَ يَنْطِقُ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ. وَتَكُونُ كَمُضْطَجِعٍ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ أَوْ كَمُضْطَجِعٍ عَلَى رَأْسِ سَارِيَةٍ. يَقُولُ: ضَرَبُونِي وَلَمْ أَتَوَجَّعْ، لَقَدْ لَكَأُونِي وَلَمْ أَعْرِفْ. مَتَى أَسْتَيْقِظُ أَعُودُ أَطْلُبُهَا بَعْدُ!» (أمثال23: 31-35).
لكن دعني أذكرك عزيزي القارئ، وعزيزتي القارئة، بأن المحرر الحقيقي موجود فلقد قال الرب يسوع: «فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الاِبْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يوحنا8: 36). ولكي يحررنا الرب كان لا بد أن يتجسد ويأخذ صورة عبد: «فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هَذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (فيلبي2: 5-8). لقد قبضوا عليه وأوثقوه «وَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْبِ عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ فَأَوْثَقُوهُ وَمَضَوْا بِهِ وَدَفَعُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ الْوَالِي» (متى27: 1، 2). وهو المرموز إليه بالعبد العبراني (خروج21: 5-6). حينما سمّروه على الخشبة، ثقبوا يديه ورجليه ليحررِّنا من قيود الخطية؛ فمكتوب بالنبوة: «جَمَاعَةٌ مِنَ الأَشْرَارِ اكْتَنَفَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ» (مزمور22: 16).
كل هذا ليحرِّرنا هنا، وينقذنا من القيود الأبدية «حِينَئِذٍ قَالَ الْمَلِكُ لِلْخُدَّامِ: ارْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ وَخُذُوهُ وَاطْرَحُوهُ فِي الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ» (متى22: 13).
فهل تأتي إلى المحرِّر مصليًا الآن معي؟
صلاة: ربي يسوع، يا من لك سلطان التحرير.. أنا خاطي ومستعبد في قيودي أسير.. أرجوك فكَّني لأتبعك وورائك أسير.. أمين.