سمكة “تروتة” واحدة من الأسماك التي أثارت ضجة في العالم، عندما التقط لها أحد الهواة صورًا نادرة، وهي تطير في الهواء من بركة في مزرعة سمكية بمقاطعة هامبشاير الإنجليزية، تطير ثم تدخل في أنبوب ضيق لا يزيد قطره عن 20 سنتيمترا تتدفق منه المياه النقية إلى البركة، لقد أطلقت الصحافة ووكالات الأنباء على هذه العملية “الهروب العظيم لأسماك التروتة”.
و الآن تعالوا بنا نسمع هذا النوع من الأسماك ماذا فعلوا!!
إننا قفزنا في الهواء أضعاف أضعاف طولنا، ونجحنا في العبور من فوهة الأنبوب الضيقة ثم سبحنا ضد التيار حتى خرجنا من الأنبوب إلى مياه النهر المجاور. نعم هي مخاطرة ومغامرة جريئة وكبيرة وقد تسألون: لماذا كل هذا؟؟
كنا في الحقيقة نتوق إلى حياة جديدة خارج هذه البركة، فقد كنا نتوق إلى الوصول إلى النهر الجاري حيث المياه النقية العذبة الجارية. فقد كانت أحوالنا في البركة تسوء وتسوء، دون أن يهتم أصحاب المزرعة بذلك، فطالما هم يستخرجون أسماكًا من مياهها ويبيعونها ويكسبون الكثير، لا يهمهم ما يحدث لنا.
إن البركة التي كنا نعيش فيها مغلقة؛ لذلك فمياهها تصير أقذر فأقذر، وليس ذلك فقط بل يوجد خطر آخر حيث الخطف بمناقير الطيور البلشون النهمة التي تهبط من الجو. وهناك خطر ثالث، وهو أنياب ثعالب الماء المسعورة. نعم كان لا بد من الهروب من هذا الثلاثي المرعب: القذارة، والموت، والرعب.
والآن دعني أسألك...
1- هل هربت من الغضب والدينونة؟
جاء الملاكان إلى سدوم، وباتا عند لوط، ولما طلع الفجر كان الملاكان يعجِّلان لوط وأوصياه: «اهرب لحياتك»، وأيضًا «اهرب إلي الجبل». لماذا؟ لأن الهلاك كان لا بد أن ينزل على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا (تكوين19: 17-24)، وليس ذلك فقط بل أيضًا «وَإِذْ رَمَّدَ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالاِنْقِلاَبِ، وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا» (2بطرس2: 6). فالدينونة آتية وأكيدة لأن الله قدوس.
2- هل هربت إلى الملجإ الآمن؟
إنه المخلِّص الوحيد: الرب يسوع المسيح. وما أسهل الهروب إليه. قديمًا رتَّب الرب ست مدن ملجإ لكي يهرب إليها القاتل سهوًاَ. وأمر الرب أن تكون هذه المدن في وسط الأرض، ويصلح الطريق إليها.
إن الهروب إليه يعني أن تصرخ إليه بتوبة حقيقة وإيمان وثقة فيه، فهو المخلِّص الوحيد الذي ينادي: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متى11: 28).
3- هل هربت من الزنا؟
بعد أن يهرب الشخص إلى المسيح من الغضب والدينونة وما كان يعيش فيه من قذارة، توجد أشياء يوصينا الكتاب المقدس أن نهرب منها، منها الزنا «اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ، لَكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ» (1كورنثوس6: 18). فالجسد ليس للزنى بل للرب والرب للجسد. والرب في تخطيطه لم يقصد مطلقًا أن يُستعمل الجسد لأغراض غير طاهرة. ثم إن هذه الأجساد هي أعضاء المسيح، فكل مؤمن هو عضو في جسد المسيح، فهل يليق أن نأخذ أعضاء المسيح ونجعلها أعضاء زانية؟! ثم نحن ملتصقون بالرب: «وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ» (1كورنثوس6: 17). وهذا هو أروع أنواع الاتحاد، إذًا لنحذر أن لا نجعل أحد أعضاء المسيح عضوًا في جسد واحد بالزنا. وأجسادنا هيكل للروح القدس، أ فنأخذ هذه الهياكل المقدّسة لتُستعمل لأغراض نجسة؟ والزنا يؤثر مباشرة في جسد الإنسان وبالتالي يحصد نتائج هذه الخطية.
4- هل هربت من عبادة الاوثان؟
«لِذَلِكَ يَا أَحِبَّائِي اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ» (1كورنثوس10: 14). كان المؤمنين في كورنثوس معرَّضين أن يدعوا للمشاركة في مائدة لوثن في أحد الهياكل، وقد يكون بينهم من فكر في أن الذهاب لمرة واحدة لن يضرّ، لكن نصيحة بولس هي: «اهربوا»، أي لا تدرسوا الموضوع، بل عليكم أن تنطلقوا بسرعة في الاتجاه المعاكس. وقد يسأل سائل: أين عبادة الأوثان هذه الآن؟ ولكن الرسول يجيب - على سبيل المثال - قائلاَ: «الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ» (كولوسي3: 5).
5- هل هربت من محبة المال؟
«وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هَذَا» (1تيموثاوس6: 11)، ونفهم من الآية السابقة لهذا الكلام أن هذا يعني محبة المال الذي هو أصل كل الشرور، ويظن البعض أن أسعد الناس هم الأغنياء، لكن يقول يعقوب في رسالته: «هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ عَلَى شَقَاوَتِكُمُ الْقَادِمَةِ. غِنَاكُمْ قَدْ تَهَرَّأَ، وَثِيَابُكُمْ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ. ذهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا، وَصَدَأُهُمَا يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ، وَيَأْكُلُ لُحُومَكُمْ كَنَارٍ! قَدْ كَنَزْتُمْ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ» (يعقوب1: 5-3).
لكن ماهو موقف الذين يريدون الغنى؟ اسمع ماذا يقول الكتاب: «وَأَمَّا الذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ، فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ، تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ» (1تيموثاوس6: 9).
6- هل هربت من الشهوات الشبابية؟
«أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (2تيموثاوس2: 22). والشهوات الشبابية هي مسرات العالم ومناظره المغرية، هي شرور الملذات، إنها كل الرغبات غير المقدسة. وكان على تيموثاوس ليس فقط أن يهرب من هذه الأمور بل أن يتبع أمورًا مباركة.
7- هل هربت من الفساد الذى في العالم؟
«هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ» (2بطرس 1: 4). لقد وعدنا الله بمواعيد عظمى وثمينة لمقاومة التجربة، فإن كان الفساد الذى في العالم تنشره الشهوة، لكن لنا قدرته الإلهية التي وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى، وطبيعته الإلهية؛ اللذان بهما نستطيع الهرب.