وقعت في يدي مؤخَّرًا نبذة، جُمعت فيها عبارات قالها البعض وهم يدنون من لحظاتهم الأخيرة في الحياة. وأعتقد أنك توافقني عندما أعتبر كلمات نهاية الحياة أصدق تعبير عنها، فهي خلاصة لها، كما وإنها حكمة، حري بنا أن ننصت إليها ونتعلمها. ودعني أولاً أنقل لك ما جمعه الكاتب، وقد صاغه في صورة مباينة كما يوضح الجدول التالي:
جورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدة، وهو على فراش الموت أغمض عينيه وهو يضم يديه إلى صدره قائلاً: ”يا أبا الرحمة، خذني إليك“. |
|
أرسطو، من كبار الفلاسفة، في مواجهة الموت أعلن: ”قد وُلدت بالخطية، وعشت بلا سعادة، وأموت في شكوكي، تلك هي قضية القضايا، فيا لي من بائس!!“. |
تشارلس سبرجون، مبشِّر، قُرب نهاية حياته قال: ”هادئ سعيد برغم ضعفي الشديد، إيماني بسيط للغاية ويمكنني أن أعبِّر عنه بكلمات بسيطة، لكنها تكفيني وأنا في طريقي للموت“، وسكت قليلاً ثم قال بهدوء: ”يسوع مات لأجلي“. |
|
رودلف فالنتينو، ممثل سينمائي، كانت آخر كلماته: ”دكتور.. هل تعلم ما هو أكثر شيء أتوق إليه الآن؟! إنه مجلتي المفضلة، مجلة صيد السمك، التي ستصدر الشهر التالي“ قالها ثم راح في غيبوبة لم يَفِق منها أبدًا. |
مايكل فاراداي، عالم كيمياء، سألوه وهو على فراش موته: ”ما هي ظنونك الآن؟“ أجاب: ”ظنون!! ليس عندي ظنون. أنا عالم بمن آمنت، ونفسي مستريحة على يقيني هذا“. |
|
جاي جويلد، مليونير، نُقل عنه أنه قال وقت موته: ”أعتقد أنني أشقى إنسان على هذه الأرض“. |
تشارلز ديكنز، روائي، ”إني أستودع روحي لرحمة الله التي بيسوع المسيح، وأنصح أولادي الأعزاء أن ينقادوا باتضاع لتعاليم العهد الجديد“. |
|
بيكونزفيلد، سياسي انجليزي، قال: ”الشباب غلطة، الرجولة عناء، الشيخوية أسف!“. |
ريتشارد باكستر، كاتب، ”وإن كنت أشعر بالألم في جسدي، فلا جدال حول أحاسيسي كإنسان، لكن عندي سلام، بل إنني في منتهى السلام“. |
|
توماس باين، كاتب وفيلسوف، ”أدفع العالم كله، لو كنت أملكه، لو أن كتابي «Age of reasons» لم ينشر مطلقًا (وفيه هاجم الله والكتاب المقدس بدعوى عدم منطقيتهم)“. وعندما سأله د. مانلي: ”هل تؤمن الآن إذًا بلاهوت المسيح؟“ فأجاب، وكانت تلك آخر كلماته: ”ليس عندي رغبة في أن أومن بهذا الموضوع“. |
ألبرت الصالح، زوج الملكة فيكتوريا، كرَّر وهو على فراش الموت: ”يا صخر الدهور، لو كان لي في هذه الساعة مجدي الأرضي فقط لأعتمد عليه، لكنت بائسًا حقًا، لكنك أنت لي“. |
|
فولتير، فيلسوف من أكثر من جاهروا بإلحادهم، كان يصرخ بتعاسة الشقي، ما بين الصلاة والسباب: ”آه يا يسوع المسيح.. آه يا يسوع المسيح“. |
أعتقد أنك لاحظت - عزيزي القارئ - الفارق بين محتوى كلمات العمودين، ما بين الرجاء والبساطة واليقين والرزانة والسلام والغنى الذين يملأون العمود الأيمن، وبين الشكوك والفراغ والبؤس والأسف والعصيان والإلحاد في الأيسر!! ولعلك أدركت السبب في هذا الفارق.
بعدما انتهيت من قراءة النبذة، مررت سريعًا على بعض كلمات سجلها الكتاب المقدس عن رجاله الأفاضل قبيل رحيلهم عن هذا العالم.
* عندما كانوا يرجمون استفانوس، شهيد المسيحية الأول، كان «يدعو ويقول: أيها الرب يسوع، اقبل روحي» (أعمال7: 59).
لقد كان على يقين بأنه سينتقل من هنا ليكون مع المسيح. عزيزي هل لك مثل هذا اليقين؟ إن لجأت إلى المسيح بتوبة حقيقية وإيمان بكمال عمله على الصليب من أجلك، تخلص ويكون لك مثل ذلك اليقين، بِغَضِّ النظر عن الظروف، وإن كانت حجارة تنهال عليك.
* قُبيل نهاية حياته، وهو مقيَّد بأغلال سجون روما القاسية، قال الرسول بولس: «وقت انحلالي قد حضر» أي موعد مفارقة الحياة جاء. لكن اسمع تقريره عن هذه الحياة، وقد أيَّده الروح القدس بتسجيله له: «قد جاهدت الجهاد الحسن»، لقد تعب وجاهد، لكنه لم يُنفق حياته في أوهام فارغة، ولم يُضيعها في ما لا يبقى. فماذا عنك صديقي؟ في أي الأمور تنفق زهرة شبابك وأحلى أيام عمرك وأفضل طاقتك؟!
يستدرك: «أكملت السعي»، كان يعلم أن لله خطة في حياته، وقد سعى في أثرها، فأكملها. بكل تأكيد سنضيّع حياتنا ونفقد معناها إن لم نُدرك أن لله خطة شخصية لكل واحد منا، أعمال صالحة سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها (أفسس2: 10)، وعلينا أن نتضع أمامه بخضوع وحب، راغبين في إتمام هذه المشيئة «الصالحة المرضية الكاملة» (رومية12: 1، 2).
«حفظت الإيمان». كل ما تَعَلَّمه من حق إلهي، اهتم بأن يطبِّقه، ويعلِّم به، ويُدافع عنه. فهل نغار للحسنى؟
لذا حقَّ له أن يقول: «وأخيرًا قد وُضِعَ لي إكليل البِرّ الذي يهبه لي، في ذلك اليوم، الرب الديان العادل»، وابشر صديقي، فهذه لمكافأة ليست للرسول فقط، إذ يضيف «وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا (الذين ينتظرون كرسي المسيح للمكافأة)» (2تيموثاوس4: 6-8)؛ فهل أنا وأنت من محبي ظهوره؟
إن كل ما سبق لم يكن نتاج يوم واحد، بل هو حصيلة عمر بأكمله قضاه الرسول المغبوط ليكرم سيده. فدعني أسألك: كيف تقضي يومك؟ وأرجوك أن تعتبر أن يومك هو عمرك، فاليوم لك وغدًا نحن لا نعرفه
* عندما نظر يعقوب إلى حياته في نهايتها، كنتيجة للأسلوب الذي عاش به، قال: «أيام سني غربتي مئة وثلاثون سنة. قليلة وردية، كانت أيام سني حياتي» (تكوين47: 9). لكنه إذ تحوَّل عن نفسه ليرى ما فعل الله في هذه الحياة قال: «الله الذي رعاني منذ وجودي الى هذا اليوم... الذي خلّصني من كل شر» (تكوين48: 15، 16). وكلنا إن عشنا بأفكارنا وطرقنا الخاصة وإرادتنا العاصية، سيأتي اليوم الذي فيه ندرك أننا عشنا أيام «قليلة وردية». أما إن تحوّلنا لنبصر ما فعل الله في حياتنا؛ فسنرى يده الصالحة تفعل الكثير في حياتنا. فهل ترى يده الصالحة في حياتك؟ كيف حفظك؟ كيف أقامك من سقطاتك؟ كيف رعاك؟ كيف أعطاك؟ كيف علّمك ونصحك بعينيه؟ كيف لم يكُفّ عن الاعتناء بك؟...
إن فعلت فلسوف تشهد معي ومع موسى - في أواخر أيامه أيضًا - أنه «ليس مثل الله... يركب السماء في معونتك والغمام في عظمته. الإله القديم ملجأ، والأذرع الأبدية من تحت... مَن مثلك يا شعبًا منصورًا بالرب» (تثنية33: 26-29).
ما أروع هذه الحياة إن عشناها مع الرب، وللرب! وما أتفهها وأشقاها إن فعلنا العكس