وُلِد الرسام الإنجليزي الشهير وليم هولمان هانت WILLIAM HOLMAN HUNT في لندن في 2 أبريل عام 1827م، وكان الأب هولمان هانت يحب القراءة والرسم؛ فشجَّع ابنه وليم على القراءة والرسم منذ الصغر. ولما بلغ وليم السابعة عشرة من عمره التحق بالمدرسة الأكاديمة الملكية بانجلترا. وفي عام 1846م أرسل وليم إلى الأكاديمية الملكية تُحفته الأولى التي رسمها وكانت بعنوان “اصغِ! Hark!”، وأتبعها بالعديد من الصور الرائعة. زار سوريا وفلسطين في عام 1854م ليشاهد عِيانًا الأماكن التاريخية التي تحدّث عنها الكتاب المقدس، وكان لهذه الزيارة تأثير كبير عليه؛ فكان هذا العام ذاته عام النجاح الباهر لأعمال وليم هانت؛ حيث قَدَّم للعالم تُحفته الرائعة؛ لوحة “نور العالم The Light of the World”، والتي كانت موضوع حديث الجميع، وفيها يُصَوِّر الرب يسوع ممسكًا بمصباح في وسط الظلام، ويقف خارج باب مغلق يُمَثِّل النفس البشرية، ويقرع على الباب. وقال أغلب المؤرخين إن هذه الصورة كانت أعظم صورة مسيحية مُعَبِّرة خلال كل القرن التاسع عشر. كتب عنها وليم سكوت، أنه لأول مرة في إنجلترا تكون صورة هي موضوع حديث للناس من الشاطئ للشاطئ في كل المملكة المتحدة. وفي عام 1904م، نَقَّح وليم هولمان هانت لوحة “نور العالم” لتخرج في ثوب جديد رائع وأكثر تأثيرًا من اللوحة الأولى حيث انتشرت أخبار الصورة في كل العالم أجمع. بعد حياة مليئة بالعطاء الفني الرمزي لمواضيع عديدة في الكتاب المقدس رحل الرسام الكبير وليم هانت عن عالمنا في السابع من سبتمبر عام 1910م، ودُفِن في كاتدرائية القديس بولس في لندن بعد جنازة رسمية وشعبية مَهِيبة.
لكني أعود للحديث عن النقاش الذي دار حول صورة “نور العالم”، حيث انتقد البعض الرسّام لأنه لم يرسم مفتاح الباب على الباب من جهة الخارج؛ الجهة التي كان المسيح يقرع عليها، قائلين: “أين المفتاح؟!”. لكن وليم هانت أجاب معارضيه قائلاً: “لم أنسَ أن أرسم المقبض ولا المفتاح ولا القفل، لكن الآية تقول: «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا3: 20). إذًا المفتاح في الداخل!”. ولما سُئِل: “لماذا رسمتَ الباب مُغلَقًا؟”، أجاب: “مكتوب: «وَلَكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ» (2كورنثوس4: 3-4)؛ فالباب المُغلَق صورة للعمى الروحي والجهل الذي يرفض دخول الرب يسوع المسيح؛ نور العالم!”.
صديقي القارئ العزيز، صديقتي القارئة العزيزة، أين المفتاح؟! أخاف أن تكون نظير مُعارِضي وليم هولمان هانت، تقول: “إنه ليس بيدي أن أتوب وأرجع لله وأومن بالمسيح. إن المفتاح في يد الله!” أجيبك: حقًّا، وإن كان الله بكل تأكيد يمسك بكل مفاتيح الكون والحياة الماضية والحاضرة وإلى أبد الآبدين، إلا إن الله دائمًا يريد أن يفتح قلبك: «فَكَانَتْ تَسْمَعُ امْرَأَةٌ اسْمُهَا لِيدِيَّةُ بَيَّاعَةُ أُرْجُوانٍ مِنْ مَدِينَةِ ثَيَاتِيرَا مُتَعَبِّدَةٌ لِلَّهِ فَفَتَحَ الرَّبُّ قَلْبَهَا لِتُصْغِيَ إِلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ بُولُسُ» (أعمال16: 14). يريد أن ينير لك الحياة والخلود (2تيموثاوس1: 10)، لكنه في ذات الوقت يحترم إرادتك. فأرجوك أن تُمعِن النظر معي في هذه الآيات: «مُخَلِّصِنَا اللهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (1تيموثاوس2: 4). «لَكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (2بطرس3: 9). «لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا3: 16). لاحظ كلمة “جميع” التي لا بُد أنها تحتويني وتحتويك، وأيضًا كلمة “العالم”، وكلمة “كل” تدل على نفس المعنى... هذه الآيات، وغيرها، الكثير والكثير تتحدث عن رغبة الله في خلاص جميع الناس الذين أنا وأنت منهم. لكن المشكلة بالطبع ليست في إرادة الله تجاهنا بل في إرادة الإنسان! لهذا سأل المسيح المريض الذي كان في بركة بيت حسدا قائلاً: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» (يوحنا5: 6)، وسأل بارتيماوس الأعمى: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟» فَقَالَ لَهُ الأَعْمَى: «يَا سَيِّدِي أَنْ أُبْصِرَ» (مرقس10: 51)، وفي مثل عُرس ابن الملك قال: «إِنْسَانًا مَلِكًا صَنَعَ عُرْسًا لاِبْنِهِ وَأَرْسَلَ عَبِيدَهُ لِيَدْعُوا الْمَدْعُوِّينَ إِلَى الْعُرْسِ فَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَأْتُوا» (متى22: 3)، وقال الرب: «يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ تُرِيدُوا» (لوقا13: 34)، ولشعبه قديمًا: «إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ. وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ» (إشعياء1: 19، 20).
صديقي، صديقتي، تَذَكَّر أن المفتاح في يديك، فإن عجنا إلى ما قاله الرب يسوع؛ نور العالم، في الآيات التي استوحى منها الرسام (رؤيا3: 20-22)، فستجد فيها أنه: 1. يريدك: «هَئَنَذَا وَاقِفٌ»، 2. يحترم إرادتك: «عَلَى الْبَابِ»، 3. يُسمِعك صوته: «وَأَقْرَعُ»، 4. القرار في يدك: «إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ»، 5. هو يشبع بك وأنت تشبع معه: «أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي»، 6. النصرة به: «مَنْ يَغْلِبُ»، 7. الملك والسماء معه: «فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي». فهل تأتي معي إليه مُصَلِّيًا؟!
صلاة:
يا رب يسوع، أنت تريد لي الخلاص والأفراح؛ فلأجلي ذُبِحْتَ وغطَّتك الجراح. أنت تخبرني أن بيدي المفتاح؛ أتشرف أن أفتح لك فتُبَدِّل ليلي إلى صباح، ولتغمرني بالسعادة بدل النواح! آمين!