خلق الله آدم الأول على صورته، وأحاطه بكل ما يُسعده ويريحه من كل وجه (تكوين1، 2). لكن عندما رأى إبليس، العدو الغادر، الإنسان يعيش متمتعًا سعيدًا، اغتاظ وخطَّط لحرمانه من كل ما يتمتع به. فجاء في صورة الحية الماكرة واستطاع أن يُسقط الإنسان، وتسبب فى حرمانه، وكل البشرية من بعده، من التمتع بالحياة السعيدة الهادئة (تكوين3).
ولكن هل فشل الله في ما فعله؟ حاشا! فلما جاء ملء الزمان أتى ربنا يسوع المسيح، آدم الأخير، لكي يعيد الحياة الصحيحة للإنسان. فتفجَّر حقد الشيطان وكراهيته للبشرية بقوة، وابتدأ يخطِّط ويدبِّر لإفشال خطة الله لفداء الإنسان عن طريق الخلاص بيسوع المسيح، أو لإسقاطه خارج مشيئة أبيه السماوي، وهكذا يضمن سيطرته على البشرية مرة أخرى. لذلك عندما انطلق سيدنا العظيم إلى البرية ممتلئًا من الروح القدس، وأمضى أربعين يومًا صائمًا في خلوة مع أبيه السماوي، قبل أن ينطلق في خدمته، جاءه إبليس ليجرِّبه محاولاً إيقاعه (متى4: 1-11؛ مرقس1: 12، 13؛ لوقا4: 1-14).
ولكن شكرًا لله؛ لقد استطاع السيد العظيم - الإنسان الكامل على الأرض - أن يحقق الانتصار الكامل على إبليس؛ فلاق به في نهاية حياته على الأرض أن يقول: «رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء» (يوحنا14: 30).
ودعونا الآن نتأمل في تجارب إبليس معه، حتى نتعلم منه الطرق الصحيحة للتغلب على محاولاته لإسقاطنا، وهكذا نستطيع أن نتمتع بالحياة الغالبة المنتصرة.
أولاً: أساليب حرب العدو
1- التشكيك في صدق أقوال الله: لقد بدأ العدو تجاربه مع الإنسان الأول بالقول: «أ حقًا قال الله؟» (تكوين3: 2)، ثم بعد ذلك مع الرب يسوع بالقول: «إن كنت ابن الله» (متى4: 3). أ ليس هذا ما يفعله مع البشريه حتى الآن؟ هدم مصداقية كلمة الله عن طريق بث أفكار كاذبة ليعمي أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح، ولإسقاط المؤمنين من التمتع بخطة الله الصالحة المرضية الكاملة في حياتهم.
2- تشويه صورة الله وخطته من جهة أولاده: لقد أقنع إبليس حواء أن الله حرمها وآدم من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر لكي لا تنفتح أعينهما ويكونان كالله (تكوين3: 5)، وعندما جرب سيدنا الكريم كان كأنه يقول له: “أراك جائعًا ومُتعَبًا، كيف يتركك أباك السماوي في هذه الحالة ولا يقدِّم لك الطعام الذي تحتاجه؟”. ونحن عندما نجتاز في ظروف صعبة أو نعاني من احتياجات مُلِحة ولا نجد لها حلاًّ أو مخرجًا، يوهمنا إبليس أن الله يريد أن نحيا حياة المعاناة والتعب والحرمان، غير واضع في الاعتبار مصلحتنا أو سعادتنا.
3- الاحتياجات الجسدية: استطاع إبليس أن يوجِد في حواء حالة عدم الاكتفاء بكل ما تتمتع به، فبالرغم من وجود «كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل» (تكوين2: 9)، أقنعها أن الأكل من شجرة معرفة الخير والشر المنهي عنها هو الذي سيشبعها، فصدقته ورأت «أن الشجرة جيدة للأكل... شهية للنظر» (تكوين3: 6). ونفس الشيء حاول أن يستخدمه مع سيدنا العظيم، فجاءه في نهاية الأربعين يوماً التى كان صائماً فيها ولم يأكل شيئاً... وجاع أخيراً (لوقا4: 2). وهذا ما يفعله الآن مع البشرية جمعاء؛ فهو يعظِّم الاحتياجات الجسدية ويغرس روح عدم الاكتفاء، واستطاع أن يُنسي الإنسان أن «من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا» (يوحنا4: 3).
4- الاستخدام الناقص والخاطئ لكلمة الله: هذا من أخطر الفخاخ التي يستخدمها إبليس لإيقاع الناس. قالت الحية لحواء: «لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلا منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر» (تكوين3: 3،4). لقد حاول تركيز الانتباه «إلى معرفة الخير والشر» وإبعاد وحذف النتيجة الحتمية «موتًا تموت». وهذا ما استخدمه أيضًا مع الرب يسوع، فعندما رآه يركز على كلمة: «مكتوب»، استخدم جزءًا من كلمة الله، ولكن بطريقة مشوَّشة: «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل؛ لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكة بك فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك» (متى4: 6). وعندما نعود إلى هذه العبارة في مزمور 91: 9 11، نجد أنه حذف منها عبارات هامة: «لأنك قلتَ: أنت يا رب ملجإي. جعلتَ العليَّ مسكنك... لكي يحفظوك في كل طرقك»، كما استخدمها أيضًا في غير موضعها الصحيح. وكم استطاع إبليس إسقاط كثيرين لعدم معرفتهم وفهمهم الدقيق والصحيح لكلمة الله!
5- الاحتياجات النفسية: بعدما خلق الله الإنسان الأول وباركه ليثمر ويملأ الأرض ويُخضعها (تكوين1: 28)، ولكن العدو الماكر استطاع أن يغرس فيه صِغَر النفس وأقنعه بأن الحل هو أن يصير «كالله» (تكوين3: 5)، ونفس الشيء حاول أن يستخدمه مع سيدنا العظيم فبعدما أراه جميع ممالك العالم ومجدها، قال له «أُعطيك هذه جميعها إن خررتَ وسجدتَ لي» (متى4: 8، 9). وللآن يحاول أن يجعل الإنسان يدور حول نفسه، محاولاً أن يجد قيمة أكبر لنفسه وأن يُعَظِّم نفسه فوق الآخرين، ونسي الإنسان القول: «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها؟» (لوقا9: 25).
ثانيًا: كيفية الانتصار على تجارب إبليس سقط الإنسان الأول لأنه لم ينتبه لحِيَل إبليس، ولم يتخذ الخطوات الصحيحة لمواجهته. ولكن شكرًا لله فلقد جاء الإنسان الثاني، الرب يسوع، من السماء، ليضع لنا الأُسس الصحيحة العملية للنصرة الكاملة.
دعونا نتعلم منه:
1- الشركة المستمرة مع الله: لقد عاش سيدنا على الأرض في شركة مستمرة مع الآب السماوي، فقبل أن يبدأ خدمته الجهارية قضى أربعين يومًا في خلوة خاصة، وفي خدمته كان يبدأ يومه باكرًا جدًّا في موضع خلاء مُصليًا.
2- المعرفة الصحيحة بكلمة الله والتمسك بها: سقط الإنسان الأول لعدم تمسكه بكلمة الله، ولكن ما أمجد سيدنا، فهو كإنسان كامل لم يعرف فقط كلمة الله ويتمسك بها دائمًا بل انطبق عليه المكتوب: «شريعتك في وسط أحشائي» (مزمور40: 8)!
3- امتحان كل شيء في ضوء كلمة الله: خُدِع الإنسان الأول وسقط لأنه لم يمتحن ما سمعه من إبليس في ضوء كلمة الله، ولم يستشر الله فيما يفعل، أما سيدنا العظيم فكان لسان حاله دائمًا: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله» (يوحنا4: 34).
ليتنا نتعلم هذه الدروس الهامة ونطبِّقها عمليًّا فنحمي أنفسنا من خداع إبليس ومكره، وهكذا نعيش حياة النصرة المستمرة، وتتحقق خطة الله العظيمة في حياتنا!