دانيال:

هل تصوّرت شاباً له من العمر حوالى خمسة عشر عاماً يتمتع بصحة جيدة وعلى قدر كبير من الجمال والذكاء أيضاً، كما أنه متفوق فى دراسته وذو شخصية قوية شُجاعة ويمكنه أن يعمل فى قصر ملك.  وبالإضافة لكل هذا له علاقة حقيقية مع الله ويعيش حياة العِفة والطهارة؟ مَنْ يمكن أن أن يكون هذا؟ أيمكن أن نجد شاباً تتجمع فيه هذه الصفات؟ نعم إنه دانيال.  هذا البطل الذى نقرأ عنه فى الكتاب المقدس فى العهدين القديم والجديد.

مَنْ  هو ؟

دانيال هو أحد الشبان الذين سُبوا من أورشليم بواسطة نبوخذنصر وقد كان من الشرفاء أى من أسرة تنتمى إلى العائلة المالكة.  ولنتصوره وهو يؤخذ من بلاده كأسير ويُحرم من أسرته ويُنقل إلى مدينة بابل، وهناك يوضع تحت برنامج تدريبى مكثف يستمر لمدة ثلاث سنين.  فى هذه المدرسة الداخلية كان عليه أن يتعلم اللغة الكلدانية وعادات أهل البلاد الوثنيين ويأكل من الطعام الذى أمر به الملك.  ماذا كنت تفعل لو كنت مكانه؟ هل كنت ستعانى من صِغر النفس بسبب البُعد عن الأهل والوجود كأسير فقد حريته الشخصية وفى بلاد غريبة لايعرف أهلها شيئاً عن الله؟ كان دانيال رغم صِغر سنه وصعوبة ظروفه ناجحاً من كل جهة. 

ماهى الأسباب ياتُرى؟ 

بداءة  حسنة 

بدأ دانيال حياته بعلاقة حقيقية مع الرب.  ربما كان هذا من خلال والدين تقيين علّماه عن الإله الحى الحقيقى وعن شريعته المقدسة، فسلّم حياته له وصمم أن يعيش مُرضياً إياه فى كل مراحل حياته.  هنا سر نجاح الشاب؛ لايكفى مجرد معرفة عقلية عن المسيح بل يلزم قبوله فى القلب مُخلصاً ورباً.  نتيجة لهذا تُصبح كلمة الله ثمينة جداً للنفس بل ويجد المؤمن سروره فى طاعتها.  وبالنسبة لدانيال كانت للشريعة مكانة فى حياته وبنى قراراته عليها فيما يختاره ومايرفضه حتى بالنسبة للطعام.  «شريعة إلهه فى قلبه.  لاتتقلقل خطواته» (مزمور 37: 31). 

مبادئ  ثابتة

رغم أن دانيال كان فتى غضاً لكنه كان رجلاً فى تفكيره وقراراته.  كان صاحب مبادئ واضحة مُحددة.  غيّروا إسمه من دانيال (الله قاضىّ) إلى بلطشاصر (بيل يحفظ حياته) وبيل هو أحد آلهة البابليين.  وعلّموه اللغة الكلدانية ووضعوا أمامه أطايب الملك وخمر مشروبه لكنهم لم يقدروا أن يغيّروا قلبه الأمين المكرس للرب.  ورغماً عن تغيّر ظروفه والوسط المُحيط به وافتقاده للأهل الأتقياء والكهنة فى الهيكل والمُرشدين الروحيين فى شعبه إلا أنه كان مصمماً ألا يفعل شيئاً يتعارض مع إرضاء إلهه.  كانت عنده الشجاعة ليقول لا لكل ماتنهى عنه كلمة الله.  «أما دانيال فجعل فى قلبه أنه لايتنجس بأطايب الملك ولابخمر مشروبه فطلب من رئيس الخصيان أن لايتنجس» (دانيال  1: 8).

هل تتعرض ياصديقى أحياناً لضغوط من زملائك وأصدقائك لفعل الخطية فى أى صورة من صورها؟ هل تجد نفسك وحيداً بلا صديق ينصحك أو قائد يوجهك؟ هل فى ذلك الوقت ترفع قلبك للرب طالباً القوة والشجاعة لرفض كل مالايمجده؟ إن مايلمس قلبى فى هذا الشاب هو تصميمه الواضح وعزمه.  ربما يقدم لكَ العالم من طعامه، أقصد أفكاره ومبادئه وذلك من خلال مجلات وروايات أو شرائط كاسيت أو خلافه.  ماذا تفعل؟ هل تقبل هذه الأشياء بحجة أن كل زملائك يسيرون فى هذا التيار وأنه لابد أن تكون مُلماً بكل شئ وإلا تعرضت للإستهزاء والسخرية؟ أم تصمم على الإبتعاد عنها لأنك صممت على الإمتناع عن كل شر وشبه شر (1تسالونيكى 5: 22) حتى تُرضى الرب.

 

الامتحان  الصعب

 عرف دانيال من كلمة الله أنه ينبغى عدم أكل لحم حيوان أو طائر نجس وحتى من الحيوانات والطيور الطاهرة لايأكل الشحم ولا الدم (لاويين (11،7: 22-25).  وواجه أوامر الملك التى تُلزمه بالأكل والشرب مما ينجس.  فإن هو رضخ وأطاع تنجس حسب شريعة الله لأنه لايستطيع أن يكون مُطيعاً للشريعة ولأوامر الملك فى نفس الوقت. واجه إيمانه إمتحاناً صعباً : فهل يطيع الله أم نبوخذنصر؟ وهنا ظهرت شجاعته، إذ واجه جبروت هذا الامبراطور العظيم.  لاشك أنه طلب من الله الحكمة والمعونة لفعل رضاه والله تدخل ودبّر الطريقة لإنقاذ عبده. 

 

دور  الله

«وأعطى الله دانيال نعمة ورحمة عند رئيس الخصيان» (دانيال 1: 9).  كان عنده التصميم لطاعة الرب والثقة الكاملة فيه أنه قادر أن ينقذه، والرب تجاوب مع هذا الإيمان إذ جعل المسئولين يوافقون على طلبه ثم منحه هو وأصحابه صحة جيدة فاقت صحة بقية الفتيان.  عندما تُصمم ياصديقى على إطاعة كلمة الله ستختبر يد الله فى كل أمور حياتك، فى صحتك وفَهمك وحياتك كلها.  «أما هؤلاء الفتيان الأربعة فأعطاهم الله معرفة وعقلاً فى كل كتابة وحكمة وكان دانيال فهيماً بكل الرؤى والأحلام» (دانيال 1: 17).

هل اختبرت تدخل الله فى حياتك؟ وهل صلّيت طالباً منه الحكمة والإرشاد فى المواقف الصعبة ثم تمتعت باستجابته؟ إنى أشجعك أن تتعلم من بداية حياتك أن تُطالب الرب بأن تكون يده واضحة فى كل ظروفك.  «لتكن يدك لمعونتى لأننى اخترت وصاياك» (مزمور 119: 173). ثم أكرم الله دانيال وأصحابه إكراماً آخر فى نهاية فترة تدريبهم التى إستمرت لمدة ثلاث سنين.  فعندما وقفوا أمام الملك ليختبرهم - وهو مايُقابل الآن كشف الهيئة- حازوا إعجاب الملك جداً وتفوّقوا على كل الحكماء الذين فى المملكة عشرة أضعاف «وفى كل أمر حكمة فهم الذى سألهم عنه الملك وجدهم عشرة أضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين فى كل مملكته» (دانيال 1: 20).

إن دانيال يقدم مثالاً رائعاً لكل شاب يريد أن يمجد الله ويعيش له وسط عالم شرير فاجر، وأستطيع أن أُلخِّص أسباب نجاحه فى النقاط الآتية:   

1 – قلب مكرس للرب.

2 – معرفة لكلمة الله ورغبة فى طاعتها.

3 – وقوف ضد التيار وشجاعة لإعلان لا.

4 – تصميم على إرضاء الله مهما كان الثمن.

5 – ثقة في الرب وتعلق كلي به.