شهقت الأم شهقة كانت كالسهم الذي مزق قلب ابنها هدسون تيلور الشاب المُرسل إلى الصين، وهي تُقبله قُبلة الوداع داخل كابينته في السفينة، بعد الخدمة الروحية التي تمت على ظهرها بهذه المناسبة العظيمة في يوم 1853/9/19، وعندها قال لها هدسون والدموع تغمر كل أجزاء وجهه... أماه، الآن وأنتِ تضحين بي لأسافر لأجل الصينيين تعلمت شيئًا جديدًا عن معنى الآية «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل (أعطى) ابنه الوحيد» (يوحنا 3: 16).
وما أن تحركت السفينة حتى اختلطت في عينيه دموع جراح الفراق مع دموع أفراح الأشواق للخدمة في الصين، فنظر أمامه « نحو الهدف »، واتجه بقلبه إلى الرب يسوع يطلب منه الرفقة والقوة.
لمح تيلور شابًا يجلس إلى جواره لم تَبدُ عليه أية علامة من الاكتراث بالرحيل وإذ تعرَّف عليه قال له الشاب: اسمي بطرس وعندما أصل إلى الصين سأكون بذلك قد دُرت حول العالم تقريبًا.
«وهل فكرت في رحلتك الأكيدة للعالم الآخر؟» ولم يَنهِ هدسون سؤاله إلا وكان بطرس قد أجابه بكل حدة «إذًا أنت مبشر. لقد سمعت كثيرًا من جدتي وأيضًا في أوربا عن السماء والجحيم وعن المسيح العظيم ولابد أن يأتي اليوم الذي سأقبل فيه المسيح لأبدأ الرحلة إلى السماء ولكن !!! ولكن ... بعد أن أنتهي من رحلتي حول العالم.
في كل يوم تقريبًا كان هدسون تيلور يجلس مع بطرس ليحدثه عن معاني الصليب والمسيح الحبيب وفدائه العجيب بل ومجيئه القريب. وفي كل مرة كان بطرس ينهي الحديث ويقول لهدسون «سأقبل المسيح بعد أول عظة لك في الصين .. هذا وعد مني».
وفي صباح يوم 1854/2/22 وقبل وصوله إلى شنغهاي بالصين بسبعة أيام فقط، استيقظ هدسون تيلور وفي قلبه حب مقدس وجارف نحو صديقه بطرس، فذهب إليه في كابينته ليصلي معه ولكنه لم يجده في الكابينة ولما ذهب إلى ظهر السفينة وجده مستغرقًا في فكر عميق وكأنه يسافر بأفكاره إلى كل العالم في وقت واحد. فاقترب إليه وقال له: بطرس أريد أن أصلي معك الآن لتقبل المسيح .. أفاق بطرس من تفكيره البعيد وكأنه عاد من سفر طويل وقال له: صديقي عندي أفكار تفوق هذه البحار وخطط أكثر من كل الرمال عن أى مجال، سأعطي له وقتي بعد نهاية رحلتي حول العالم. نعم. لقد وعدتك أني سأقبل المسيح بعد أول عظة لك في الصين فأرجو ألاَّ تلح عليَّ. وعندئذ اقترح تيلور على بطرس أن يهديه بعض النبذ عن المسيح ليقرأها. ولما قبل بطرس على مضض، دخل تيلور إلى كابينته ليُحضر النبذ ولكنه عاد سريعًا قبل إحضار النبذ على صرخات المسافرين .. أنقذوه .. راكب سقط فى البحر. انفجر قلب تيلور كالبركان الثائر وهو يرى رفيقه وسط المياه الغاضبة ووجه مملوء بالرعب وهو يصارع الأمواج المُزبدة ولا يقوى حتى على الصراخ من هول الصدمة.
ألقى تيلور بنفسه في البحر وهو يمسك بسلم السفينة محاولًا إنقاذ بطرس ولكن بطرس كان قد ابتعد كثيرًا عن السفينة فنادى هدسون على صيادين كانوا قريبين من بطرس ... أنقذوه وسأعطي لكم أكثر من ثمن صيد كل الأسبوع. كم ستعطي لنا؟ سأله الصيادون، قال 30 شلنًا. قالوا هذا ليس بكافِ. قال لا تضيعوا الوقت .. خذوا كل ما عندي وانقذوه، قالوا: وكم تملك؟ أجاب على الفور 84 شلنًا، قالوا: لا يكفى. صرخ تيلور خذوا كل ما تطلبوه، أجابوا: نريد 120 شلنًا. قال: موافق .. انقذوه سريعًا. ولما تحركوا نحو بطرس في بطء، كان بطرس قد غرق وغاص في بحر لا أحد يعلم أعماقه ولا قراره إلا الله وحده
... صديقي .. صديقتي .. كانت دقيقة واحدة كافية لانقاذ بطرس من هذا البحر ولكن واأسفاه. لقد هلك فمَنْ نلوم .. الصيادين أم بطرس؟ نعم أسمعك تجيبني الاثنان مُخطئان لأنهما أجّلا حتى هلكت تلك النفس الخالدة. أخي. أختي. أن كنت نظير الصيادين أو مثل بطرس أدعوك أن ترافقني في رحلة سريعة إلى بحر آخر أشد خطورة من ذاك الذي غرق فيه بطرس. إنها البحيرة المتقدة بالنار والكبريت.
وسأذكر لك بعض أوصافها من الكتاب المقدس :
(1) أتون النار. لا حدود لحرارة هذا الأتون (متى 13: 42 قارن دانيال 3: 22)
(2) بحيرة بلا قرار. مكان متسع مُخيف ومُرعب (رؤيا 20: 15)
(3) كبريت يزيدها استعارًا. أمواج البحيرة من كبريت مُلتهب (رؤيا 14: 10)
(4) دود يملأها مرارًا. دودهم لا يموت والنار لا تُطفأ (مرقس 9: 44)
(5) الشياطين والأشرار. هذا المكان به الشياطين والأشرار معًا (متى 25: 41؛ رؤيا 20: 10)
(6) ظلمة بلا فنار. هذه البحيرة مُظلمة للأبد .. نار وظلام!! (متى 25: 30)
(7) أبدية بالاستمرار. وسيُعذبون نهارًا وليلًا إلى أبد الآبدين (رؤيا 20: 10)
أما النازل إلى هذا المكان فإلى أبد الآبدين يشعر بأنه :
1 - مذبوح (لوقا 19: 27)
2 - مربوط من رجليه ويديه (متى 22: 13)
3 - عطشان (لوقا 16: 24)
4 -يشرب من كأس غضب الله (رؤيا 14: 10)
5- هناك البكاء (متى 24: 51)
6 - صرير الأسنان والندم (متى 25: 30)
7 - دخان العذاب يصعد إلى أبد الآبدين (رؤيا 14: 11)
أيها القارئ العزيز بحق كلمة الله أحذرك من هذا البحر الآخر الذي ينتظر كل مؤجل أو مُستهتر أو رافض للمسيح وخلاصه العظيم. وقبل أن أدعوك لتصلي معي أخبرك بأعظم بشارة. فكل هذه الويلات الجهنمية قد اجتاز فيها المسيح بدلًا منك وإن درست الكتاب المقدس سترى كيف احتمل هذه العذابات لأجلي ولأجلك. فهل تقبل فداءه فلا تغرق إلى الأبد في البحر الآخر المُتقد بالكبريت؟ ألا تصلي معي الآن وأنت تُمسك هذه المجلة.
صلاة : يا من غرقت في بحار اللهب بدلاً مني ، لتنقذني من نيران الغضب و تمحو إثمي. أرتمي في أحضانك فَاعفُ عني.. آمين.