كلمة الاعتداد بالذات تحمل معاني كثيرة منها: رأي حسن في نفسي أو تقدير لها أكثر من حقيقتها، أو النظر بإعجاب لآرائي وامكانياتي مثل قول نبوخذنصر «أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها بقوة اقتداري ولجلال مجدي» (دانيال 4: 30). وهذه المعاني كلها تلخصها كلمة واحدة « افتخار ».
ومع أن الاعتداد بالذات موجود بنسب مختلفة في جميع الناس، مؤمنين وغير مؤمنين، وفي جميع أنواع الشخصيات، وفي جميع الأعمار، لكنه أحيانًا يكون بصورة أوضح في سن الشباب، وطبعًا يختلف من شاب لآخر. وهذه المشكلة تُعتبر واحدة من أكبر عشر مشاكل في سن اعدادي وثانوي.
أسباب زيادة الاعتداد بالذات في سن الشباب :
وجود ثقة ذاتية فطرية عميقة الجذور في كيان كل إنسان، هذه الثقة التي تُطالب بتقدير الآخرين.
تكثر جدًا في سن الشباب. رغبة اثبات الذات في سن المراهقة والتي يُصاحبها تدفق الحيوية والقوة الدافعة الكبيرة في كيان الشاب أو الشابة والتي تجعله يمتلئ من الإحساس بكينونته والشعور بسموه وقدرته مثل قول بطرس «يارب إني مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت» (لوقا 22: 33). أو «وإن شك الجميع فأنا لا أشك» (مرقس 14: 29).
زيادة الإحساس بالفراغ النفسي في هذا السن عند البعض يجعلهم يحاولون ملء هذا الفراغ بالإحساس بالزهو والفخر. أحيانًا يكون الاعتداد بالذات هو الغطاء الخارجي والتعويض الذي يخفي وراءه شعورًا كامنًا بالتفاهة، أو غطاءً خارجيًا لحالة فشل وهزيمة داخلية غير مكشوفة.
عدم الاتزان النفسي، نظرًا لوجود قوى كثيرة تؤثر على الشاب، فتتجاذبه في اتجاهات مختلفة، أحيانًا ينتهي هذا الصراع بتوجيه كل الطاقة النفسية في اتجاه واحد، هو أن يتخذ الشاب من نفسه مركزًا ومحورًا لنفسه فلا يفكر إلا في ذاته، كما يرغب أن يكون محورًا لاهتمام وتفكير الآخرين. وفي هذه الحالة يستمر الاعتداد بالذات مع الشخص حتى مرحلة الرجولة وقد يصل إلى ما عبّر عنه الحكيم بالقول «أرأيت رجلًا حكيمًا في عيني نفسه. الرجاء بالجاهل أكثر من الرجاء به» (أمثال 26: 12).
مظاهر الاعتداد بالذات
يختلف ظهور الاعتداد بالذات من شخص لآخر. لكن هناك أمورًا معينة إذا زادت في سلوكياتي يكون هذا دليلًا على عمق اعتدادي بذاتي :
+ إذا كنت كثير الحديث عن نفسي، أو أنسب أغلب الأشياء لي، أو إذا أكثرت من كلمة «أنا» أثناء الحديث أو أكثرت الكلام عن كرامتي وحقوقي.
+ إذا قارنت نفسي (في السر) بالآخرين الذين في سني فشعرت أنهم سطحيون، وأن آراءهم تافهة لا تستحق الاهتمام بها، فابتعدت عنهم، وبالتالي كنت أميل وبإصرار لتكوين صداقات مع مَنْ هم أكبر مني سنًا فقط.
+ إذا كثر انتقادي للآخرين، والاشارة المستمرة لتفاهتهم.
+ إذا كنت كثير الجدال لإثبات صحة آرائي وتخطئة آراء الآخرين، وإذا أعطيت لنفسي أحقية الحكم عليهم وعلى آرائهم.
+ إذا شعرت أن هناك فجوة تفصلني عن الآخرين الذين هم في سني، وأن هذه الفجوة سببها سطحيتهم وأنهم لا يستطيعون فهم أفكاري العميقة.
+ إذا كان كل ما يسيطر عليَّ تمامًا عند أداء عمل ما أو الحديث في أمر ما هو رأي الآخرين فيَّ.
نتائج الاعتداد بالذات
قد يلاحظ الشاب هذه السمة فيه، ولأن العقل لا يريد أن يقبلها فإنه يتحول عنها سريعًا. لكن الآخرين المُحيطين به يلاحظون هذا الأمر أكثر من ملاحظتهم لأي شيء آخر، مما ينتج عنه بعض الاضطرابات في دوائر العلاقات المختلفة.
إذا سيطر الاعتداد بالذات على شخص فإنه سيخفي عنه بعد الخصائص غير المُحببة في شخصيته والتي تتسم بالكبرياء فلا يراها هو، بينما يلاحظها الآخرون.
يعيش الشخص في وهم أنه محبوب من الكثيرين، بينما يتجنبه الذين هم في سنه ويحتمله بصعوبة الأكبر منه سنًا. سوف يتجنب الشخص كل من يواجهه بحقيقة وضعه مكذبًا إياه لأنه لا يريد أن يصدق هذا. وربما يدخل في عداوة معه.
صعوبة التأقلم مع البيت الذي قد يصل إلى حد التمرد على الوالدين «غير طائعين لوالديهم»(2تيموثاوس 3: 2) وعندما يختلي الشاب بنفسه قد يكون غير راضٍ عن تمرده، لكن نظرًا لسيطرة اعتداده بنفسه عليه، فهو سيحاول أن يجد كل المبررات المختلفة لتمرده مثل اتهام الوالدين بضيق الفكر والسطحية والتخلف. أو أنهم يتعمدوا غيظه.. إلخ
أيضًا في الأوساط الروحية ستكون كل تحركات الشاب، حتى لو كان مؤمنًا، القصد منها جذب انتباه الآخرين، وبالتالي سيتشوه منظره أمام بقية المؤمنين وتكون تحركاته ثقيلة عليهم.
الاعتداد بالذات هو العائق الرئيسي في طريق الاستخدام الإلهي. لأن مؤمنًا يستند على امكانياته الشخصية، لا يصلح للاستخدام بين يدي الرب.
الاعتداد بالذات هو أكثر أسباب القول « ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري» (إرميا 18: 4). لأنه يجعل المؤمن عجينة صلبة ليست سهلة التشكيل.
ربما يضيع زمن طويل في أولى خطوات التشكيل الإلهي لإزالة هذه الخاصية من المؤمن، وكما نعلم أن 40 سنة (ثلث حياة موسى) قد استُهلكت في إزالة هذه الخاصية لكي يتعلم أنه لا شيء.