هذا هو العدد المئوي لمجلة نحو الهدف. وهذا معناه أن المجلة قد أكملت عامها السادس عشر، وهي الآن في عامها السابع عشر. لقد شَبَّت المجلة عن الطوق، وتركت إلى غير رجعة مرحلة الطفولة، وصارت عروسًا تدير الأنظار، وتسعى في طلبها الجماهير.
وعندما سرح خيالي في هذه السنين الفائتة، تيقَّنت أن المجلة، ولا شك، اكتسبت قرَّاءً جددًا. فإن الفتى أو الفتاة الذي عنده اليوم ستة عشر عامًا، لم يكن قد وُلد عندما ظهر العدد الأول من نحو الهدف. ولكن هاجسًا آخر راودني: تُرى هل قرّاء العدد الأول ما زالوا على نفس شغفهم السابق بقراءتها، أم أنهم انصرفوا إلى نوع آخر من القراءة، أو ربما نوع آخر من المشاغل؟ أتمنى شخصيًا أن قُرَّاء المجلة الأُوَل يكونون محافظين على الود مع مجلتهم، وما زالوا يجدون فيها، كما ألفوا دائمًا، مادة تنير الذهن وتشبع القلب وتهدي سواء السبيل.
لقد كبرت مجلتنا العزيزة.
ولكنها ليست هي وحدها التي كبرت، فنحن أيضًا كبرنا.
ودعني أتجه أولاً برسالة إلى قُرَّاء المجلة الجدد، ثم إلى قُرَّائنا القدامى.
أيها الفتى العزيز، أيتها الفتاة الغالية، لقد كنتم في فكرنا عندما قررنا إصدار هذه المجلة. وكما تفعل عادةً الأم التي تجهز كل ما يلزم للوليد الجديد قبل ولادته، وكما تخطط الدولة - أو هكذا المفروض أن يكون- للأجيال القادمة قبل وصولهم، هكذا فكَّرنا فيكم باعتباركم الجيل الذي سيصبح شباب اليوم، ورجال المستقبل. أنتم الآن في السن الأمثل لاقتناء العادات الحسنة (أو السيئة)، ولاتخاذ القرارات السديدة أو المدمرة. لذلك دعني أشجّعك، بكل ما فيَّ من عزم، على الحياة المسيحية الصحيحة. ونحن لدينا في الكتاب المقدس عينات لأفاضل الرجال الذين أثَّروا في التاريخ البشري وفي التاريخ المقدس، وقد بدأوا مسيرتهم الرائعة مع الله في مثل سنكم. إني أتذكر دانيآل الفتى، الشاب ذا العزيمة الحديدية، وكيف وضع في قلبه ألا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه (دانيآل1:8). لعلكم تعلمون أن كلمة «أطايب» تعني أشياء لذيذة، وأعتقد أنكم تعلمون أيضًا أن «الخمر تخلب القلب» (هوشع4:11). ولكن هذا الفتى جعل في قلبه أن يُكرم الرب، فأكرمه الرب.
إن دانيآل ورفقاءه الثلاثة - كما نفهم من الأصحاح الأول من سِفره - حاول العالم أن يتدخل في أخص خصوصياتهم، حتى أسماءهم التي تحمل اسم الله تغيَّرت. لقد حاول العالم أن يعيد تشكيلهم، فعلَّمهم لغة جديدة، ليست لغة كنعان، وأعطاهم أسماء جديدة لا تتضمن اسم الرب، وقدَّم لهم طعامًا جديدًا يخالف شريعة إلههم، ولكنه لم يستطع أن يُخرج الله من حياتهم. نعم، لم يستطع العالم أن يؤثر فيهم، بل هم الذين أثَّروا في العالم!
وقبله أتى يوسف الذي كان أيضًا فتًى يافعًا. كان عمره سبع عشرة سنة لما بدأ الشر يدنو إليه محاولاً أن ينال منه. ونحن نعرف كيف أكرم يوسف الرب، فأكرمه الرب، لأنه مكتوب: «حاشا لي فإني أُكرم الذين يكرمونني، والذين يحتقرونني يصغرون» (1صموئيل2: 30). ولهذا فقد صار دانيآل في منصب مرموق في أعلى إمبراطورية في زمانه. ويوسف قبله كان ثانيًا لفرعون. السبب لأنهما بدءا الطريق الصحيح، بعزم شديد. ولم يَهُن العزم منهما يومًا.
عزيزي الشاب، عزيزتي الشابة: أليس لنا من حياة كل من هذين البطلين درس وعِبرة.
ثم أنتقل للحديث إلى قُرَّاء المجلة القدامى.
حسنة البداية الحسنة، ولكن أحسن منها الاستمرار. معروف أن الصعود إلى القمة مُتعب، وأما الاحتفاظ بمكاننا هناك أصعب. وعلى قدر ارتفاع الجبل تزداد ضراوة الرياح فوقه. وبقدر ارتفاع الحياة بهذا المقدار عينه تكون قسوة تجارب العدو.
وإذا عُدنا ثانية لمثالَيْ يوسف ودانيآل، فنحن نتذكر أن كلا منهما ورد في سحابة الشهود في عبرانيين11. لكن هلا لاحظتَ أن الكاتب هناك يسجل لهما ما عملاه، ليس في بداية حياتهما، رغم أن بداية كل منهما كانت رائعة كما ذكرنا، لكن الوحي سجَّل لهما النهايات. فبالإيمان يوسف عند موته ذكر خروج بني إسرائيل من أرض مصر وأوصى من جهة عظامه (عبرانيين11: 22). وبالإيمان دانيآل سد أفواه الأسود (عبرانيين11:33)، ونعلم أن هذا حدث في أثناء حكم داريوس المادي، أي بعد سبي دانيآل بأكثر من سبعين سنة. فلم تكن بداية دانيآل رائعة بل أيضًا نهايته. وهما ليسا فقط بدءا حسنًا وأكملا حسنًا، بل إن كل المسيرة كانت حسنة، فلم يسجِّل الكتاب المقدس عن أي منهما عيبًا. كان دانيآل فتى بلا عيب، وصار شيخًا لم يجد الأعداء فيه علّة ولا ذنبًا. وما أجمل هذا! وكذلك يوسف وهو شاب يشتغل عبدًا في مصر، عمل حسابًا لله، وحتى آخر صفحات حياته، عندما أكد لإخوته أنه سبق وصفح عنهم، كان واضعًا الرب قدامه، وهذا سر الحياة المقدسة.
ليت هذه الوقفة للتذكر والمراجعة تكون سبب بركة لنفوسنا!