دروس غنية من العدد 100

ببلوغنا العدد المائة من مجلتنا المحبوبة نحو الهدف  نتقدَّم بالشكر للرب، ومع صموئيل النبي ننشد قائلين: «إلى هنا أعاننا الرب» (1صموئيل7:12).  وجدير بالذكر بهذه المناسبة أن الكتاب المقدس يتميز بذكر الأرقام العامة مثل الرقم 100 و1000 ومضاعفاتها مثل: ربوة (عشرة آلاف) (نشيد الأنشاد5: 10)، وألف ألف (مليون)، وربوات ربوات (مئات الملايين) (دانيآل7: 10؛ مزمور144: 13؛ رؤيا5:11).

وهاكم بعض من مئات الكتاب المليئة بالفوائد والعِبَر.

(1) 100 رقم الثمر المتصاعد الكثير: قال الرب يسوع في مثل الزارع: «وسقط آخر في الأرض الجيدة، فأعطى ثمرًا يصعد وينمو، فأتى واحد بـ30، وآخر بـ60، وآخر بـ 100» (مرقس4: 8).  فالرقم 100 هو أعلى درجة في مقياس النجاح ونسبته.  ومن مِنَّا لا يحب الثمر والنجاح؟  بل ويتمنى أن يحقق نجاحًا باهرًا وبنسبة 100%، فالثمر مبهج، والنجاح مفرح، ولكن لا يأتي الثمر والنجاح، إلا بعد الزرع والكد والكفاح.  و«الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج» (مزمور126: 5، 6).  والثمر يمجد الله أبينا، قال الرب يسوع: «بهذا يتمجد أبي أن تأتوا بثمر كثير، فتكونون تلاميذي» (يوحنا15: 8).  ولكي نكون مثمرين علينا أن نثبت في المسيح كما يثبت الغصن في الكرمة، كما أنه يتحتم علينا، لكي نثمر أكثر، أن نتقبل كل معاملات الله التأديبية والتهذيبية، لكي نأتي بثمر أكثر (يوحنا15: 2).

(2) الرقم 100 الحصاد والخير الوفير: «وزرع إسحق في تلك الأرض، فأصاب في تلك السنة 100 ضعف وباركه الرب» (تكوين26: 12).  إلهنا هو إله التعويضات فعندما مرَّ إسحق بسنوات عجاف، وعندما تعرض لموقف مخجل أمام أبيمالك ملك الفلسطينيين بخصوص رفقة امرأته (تكوين26)، إلا إن الرب أكرمه وعوضه.  وعندما زرع حصد 100 ضعف.  ولا يزال الرب يعوض أولاده عن السنين الضائعة والمواقف المخجلة غير المُوَفَّقة، ووعد الرب لنا ثابت وصامد، يتحدى الزمن مهما طال، وإبليس مهما صال أو جال: «وأعوض لكم عن السنين التي أكلها الجراد...» (يوئيل2: 25).

(3) الرقم 100 الحماية والغلبة من القدير: «إذا سلكتم في فرائضي وحفظتم وصاياي وعملتم بها أعطي مطركم في حينه، وتعطي الأرض غلتها...  وأجعل سلامًا في الأرض، فتنامون وليس من يزعجكم... وتطردون أعداءكم فيسقطون أمامكم...  يطرد خمسة منكم مئة، و100 يطردون ربوة» (لاويين26: 3-9).  وإن كان ذلك في العهد القديم حيث الناموس والطقوس، لكن روح النص واضح وجلي من القول: «إذا أرضت الرب طرق إنسان جعل أعداءه أيضًا يسالمونه» (أمثال16: 7)، وهذا عين ما قاله الرب يسوع: «إن ثبتم فيَّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم» (يوحنا15: 7).

(4) الرقم 100 التكريس والحب الكثير: لقد آمن نيقوديموس بالمسيح، لكن ظل إيمانه فترة من الزمن في الخفاء لسبب الخوف من اليهود، لكن فجأة تفجرت فيه نيران المحبة للمخلِّص الذي كان وقتها يقاسي آلام الصليب، فذهب مع يوسف الرامي وهو تلميذ أيضًا ليسوع الذي كان قد طلب من بيلاطس الوالي جسد يسوع فأَذِن له بدفنه: «وجاء أيضًا نيقوديموس...  وهو حامل مزيج مُر وعود نحو 100 مَنًا (المنا=500جرام تقريبًا)» (يوحنا19: 39).  وبكل الحب «أخذا جسد يسوع ولفَّاه بالأكفان مع الأطياب»، ووضعاه في قبر جديد.  لكن ليلاحظ القارئ العزيز أن نيقوديموس اشترى 100 منا من الطيب، فإذا كان الطيب الذي سكبته مريم على رأس يسوع وهو منًا واحد (أي رطل واحد) يساوي أكثر من 300 دينار، فإن الـ100 مَنًا طيب التي كفَّن بها نيقوديموس المسيح ربما لا يقل ثمنها أيضًا عن 30 ألف دينار (المبلغ = حوالي 1.5مليون جنيهًا مصريًا).  هكذا كان المسيح غاليًا ومُقدَّرًا في أعينهم...  فهل المسيح غالٍ في نظرك؟  وكم يساوي المسيح في تقديرك؟!  هل 300 دينار كمريم؟  أم 30 ألفًا كنيقوديموس؟  أم لا يساوي أكثر من30 من الفضة، المبلغ الذي باع به يهوذا الخائن سيده؟!  أرجو أن تُقدِّر المسيح التقدير الصحيح، بل ومع بولس الرسول تصيح قائلاً: «ما كان لي ربحًا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة... لكي أربح المسيح وأُوجد فيه».

(5) قواد المئات يصرحون بأن لا شيء عسير: يذكر العهد الجديد 5 من قواد المئة، والحقيقة ما أكرم وما أروع كل قائد مئة جاء ذكره في الإنجيل؛ فكلهم مؤمن وكلهم كريم، نذكر واحدًا منهم كما جاء عنه في لوقا23: 46، 47.  وإني أتخيل هذا القائد كما لو كان قطف وردة ووضعها على هامة المسيح يوم أن كانت مُتوجة بالأشواك، فعندما «نادى يسوع بصوت عظيم وقال: يا أبتاه في يديك أستودع روحي.  ولما قال هذا أسلم الروح.  فلما رأى قائد المئة ما كان مجد الله قائلاً: بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا».  أما بقية القواد فجاء ذكرهم في لوقا7؛ أعمال الرسل10، 22، 27.  ومن هنا نتعلم «أنه لا يستحيل على الرب شيء».  وهذه رسالة موجهة لكل ضابط ولكل قائد، لكل مدير وكل مسؤول؛ أن لا عذر له، مهما كان الوسط الذي يعمل فيه، فنعمة الله تشمله وتكفيه، تسنده وتشجعه وتزكيه.

(6) الرقم100 العقوبة القصوى، والدين الكبير: للخطية أجرة وعقاب، وكل إنسان مسؤول عن تصرفاته وأعماله، ويمكن للإنسان أن يصير حكيمًا أو جاهلاً.  يقول الكتاب: «الانتهار يؤثر في الحكيم أكثر من 100 جلدة في الجاهل» (أمثال17: 10).  وضرب المسيح مثلاً عن الدين الثقيل بذلك الرجل الذي كان «مديونًا... بـ100 دينار» (متى18:28).  لكن كم نشكر الرب فالحكيم تحمل الجلد بدل الجُهَّال، بل وسدد الدين الثقيل، عندما قالها من فوق الصليب: «قد أُكمِل».  والآن نحن نفرح مُنشدين:
   ما كنتَ أنت المذنب
لكن تحملتَ القصاص 
  بل كُنَّا نحن المذنبين
عن الخطاة الآثمين


(7) الرقم100أقصى مسؤولية ورسالة تحذير: «أي إنسان منكم له 100 خروف وأضاع واحد منها ألا يترك التسعة والتسعين في البرية ويذهب لأجل الضال حتى يجده؟» (لوقا15: 4).

الرقم 5 هو رقم المسؤولية.  لذلك فإن الرقم 10 هو رقم المسؤولية المضاعفة، ويكون الرقم مئة 10×10 هو مسؤولية المسؤولية.  والمسيح هو الذي تحمل المسؤولية كاملة.  لقد جاء «لا ليُخدَم بل ليَخدِم».  وعندما جاءت ساعة الصليب قال: «أيها الآب قد أتت الساعة.  مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضًا» (يوحنا17: 1).  إنه «الراعي الصالح» الذي بذل نفسه عن الخراف.  والمسيح هو المسؤول ليس عن فدائنا فقط بل عن إطعامنا روحيًّا وجسديًّا، وحفظنا وحمايتنا، إرشادنا وتعزيتنا.  وهو الآن يبحث عن الشقي والضال مهما بُعده طال، عن البعيد والفاجر مهما انغمس في الشرور وفي الأوحال.  إنه:
   يُزيح الجبالَ يُنادي تعالَ
يشيع السلام، ينير الظلام 
  بصوت يَهُز الضمير
فيبصر حتى الضرير

فهل تُقَدِّر هذه المحبة وتتحمل المسؤولية عن نفسك وعن أبديتك؟!