قارئي العزيز، أنت الآن تتصفح العدد المئوي للمجلة. وأعتقد أن لك ذكريات عديدة مع هذه المجلة الغالية، وقد تذكر مقالات بعينها كانت لها أثر كبير في حياتك على مدى سنوات. وقد يكون لديك كل أعداد مجلتنا الغالية أو حتى أعدادًا منها، وقد نجد على أرفرف مكتبتك الجميلة مجلدات ضخمة للأعداد السابقة. وبالطبع كل أغلفة الأعداد السابقة والمجلدات تشترك في أمر واحد، وهو العنوان الذي يزين كل أغلفتها والمعروف لنا جميعًا.. نحو الهدف.
لكن.. هل توقفتَ يومًا ، أمام هذا العنوان؟ هل سألتَ نفسك يومًا: تُرى ما هو الهدف المقصود في هذا العنوان؟ ألم تتساءل يومًا لماذا حينما قرّر القائمون على هذا العمل أن يقدّموا مجلة للشباب اتخــذوا مــن هذا التعبير عنوانًا لها؟
أدعوك الآن لتتوقف عن القراءة وتحاول الإجابة عن الأسئلة السابقة ثم تعاود القراءة مرة أخرى.
سأقدم لك، عزيزي، الأفكار التي دارت برأسي حينما جلستُ أتأمل في هذا الأمر وأحاول إيجاد إجابة مناسبة لما سبق.
وأرى أن الإجابة على السؤال التالي ستكون كافية للإجابة عن باقي الأسئلة: لماذا يكون نحو الهدف هو العنوان المناسب لمجلة للشباب؟
هل تذكر يوسف حينما تعرض لضغط شديد ولعدة أيام من زوجة فوطيفار لإسقاطه في الخطية؟ كان في هذا الوقت شابًا صغيرًا، وبالطبع تذكُر العبارة الشهيرة التي قالها: «كَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟» (تكوين39: 9). ونستطيع أن نقول إن الهدف الذي كان أمام يوسف هو أن لا يخطئ في حق الله وأن لا يدع شيئًا، مهما تكون قوة تأثيره ومتعته، أن يبعده عن التمتع بالله وإرضائه. ولهذا يأتي تقرير الكتاب عن يوسف أنه «كَانَ رَجُلاً نَاجِحًا» (تكوين39: 2). هل تعرف لماذا؟ لأنه حينما كان شابًا كان يلمع أمامه هدفًا ساميًا راقيًا.
أ تذكر موسى؟ كان في ريعان شبابه حينما قال عنه الكتاب «بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ» (عبرانيين11: 24-26). ألا ترى معي أن كلمتي “حاسبًا” و”كان ينظر” يعكسان هدفًا حقيقيًّا وغرضًا ساميًا كان وراء هذا النجاح العظيم. لقد جاء يوم قرر فيه موسى، بعد تفكير وحساب، أن عار المسيح هو الغنى الحقيقي، الذي يسمو ويعلو فوق أعظم وأفخم الحضارات في ذلك الوقت (الحضارة الفرعونية). لهذا كان النجاح الحقيقي الذي استمر إلى نهاية حياته.
كذلك دانيآل حينما سُبي، وهو بعد فتى صغير، يذكر عنه الكتاب هذه الكلمات الرائعة: «جَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ» (دانيآل1:8). وبالطبع تلمع أمامنا كلمة “جعل” لتؤكد لنا أن دانيآل أيضًا في شبابه كان له الهدف الواضح الذي لا يُهادِن ولا يتهاون فيه. لقد كان الهدف هو أن لا يتنجس يومًا ومهما كان الثمن.
وأعظم وأكمل مثال لما أقوله لك، عزيزي الشاب، هو ربنا المعبود يسوع المسيح الذي أعلن يومًا عن الهدف السامي الذي جاء من أجله وكان يسعى نحو تحقيقه في أيام وجوده على الأرض: «وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا10:10). واستمر هذا الهدف أمام عينيه في كل يوم وكل اليوم، في كل عظة ألقاها، وكل معجزة صنعها، في كل إجابة عن سؤال وُجِّه له، في كل بيت دخل فيه، مع تلاميذه ومع الجموع. لقد جاء الرب لهدفٍ واحدٍ وهو راحة الإنسان؛ لذا أراحه من المرض والخوف والجنون، من الجوع والعطش والانحناء، من العبودية والنجاسة وقيود الخطية. وأنهى قصة حبّه هناك فوق رابية الجلجثة وهو معلَّق على عود الصليب بعد إكمال العمل وتحقيق الهدف. ولهذا صرخ من فوق الصليب قائلاً :«قَدْ أُكْمِلَ». (يوحنا19: 30). نعم لقد أكمل العمل، وتمَّم الهدف الذي عاش لأجله ومات أيضًا لأجل تحقيقه وإتمامه.
هل تعرف لماذا كان داود بحسب قلب الله، وسليمان كان من أحكم البشر الذين ظهروا على وجه الأرض، وبولس هو أعظم الكارزين الذين عاشوا على أرضنا، وإيليا نبيًّا عظيمًا ارتعد أمامه الملوك والعظماء، ويوحنا المعمدان شخصًا يشهد لعظمته الرب يسوع نفسه، وإبراهيم أبًا للمؤمنين. إنه نفس السبب: الهدف! نعم، لقد اتَّخذوا من المسيح هدفًا لحياتهم في شبابهم المبكر. لذا أوجز لنا بولس الأمر كله في هذه الآيات التي وردت في رسالة فيلبي: «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ» (فيلبي3: 10)، وقال أيضًا: «أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيلبي3: 14). وأعتقد أنه لنفس السبب جاء عنوان مجلتنا نحو الهدف؛ لأنك، أخي الحبيب، في أفضل سن لاتخاذ هدف حقيقي لحياتك يعيش معك وتعيش لأجله، يحيا فيك وتحيا فيه، يحرِّكك ويتحرك داخلك، ويغيِّر مجرى حياتك ويقودك نحو النجاح الحقيقي الدائم؛ النجاح الذي لا تهزمه الصعوبات ولا تعيقه المخاوف ولا تمنعه العواصف من التقدم ولا ترهبه الأحجار إن أُلقيت عليه، بل يتخذ من الصعوبات دافعًا للتقدم، ومن المخاوف أسبابًا للاستمرار، ومن العواصف أداةً للثبات والوقوف على صخرة صامدة جامدة، ومن الأحجار تأكيدًا على بوادر النجاح الحقيقي الذي لا يتزعزع ولا يبالي إلا بتحقيق ما يسعى لأجله.
صديقي الغالي.. ما هو هدفك في الحياة؟! فكِّر في هذا الأمر بجدية وعمقٍ وتَرَوٍّ؛ فالهدف الذي تتخذه لحياتك هو الذي يتحكم في قرارتك وهو الذي يقف خلف سلوكياتك المختلفة! وأدعوك أن لا تتخذ هدفًا تافهًا لا يتناسب مع تقدير الله ونظرته لك. فالله يحبك جدًا ويُقدِّرك ويرى فيك شخصًا متميزًا، ولديك الكثير لتفعله بنجاح إذا عشت ساعيًا خلف الهدف الذي خلُقت لأجله. فلا تتنازل عن هذه المكانة لتتخذ هدفًا أرضيًّا فانيًا ينتهي بنهاية الحياة، بل تطلع إلى الهدف الأبدي الذي يبدأ ولا ينتهي وهو أن يتمجد فادينا الغالي وربنا المعبود يسوع المسيح بحياتنا على الأرض بكل الطرق الممكنة ومهما كان الثمن. ولتتخذ لحياتك من الآن شعارًا واضحًا وليكن شعارك، صديقي، هو “نحو الهدف”!