اقرأ لوقا 15

أشهر الأمثال، ونرى فيه قلب الله المملوء بالحب ونعمته الغنية التي تقبل أشرّ الخطاة التائبين الراجعين، المَثَل الذي نرى فيه الأحضان والقبلات والهبات لمن لا يستحق إلا الضربات..  إنه مَثَل الابن الضال.

هو مَثَل في ثلاثة فصول أو مشهد بثلاث لوحات، تكلم به الرب ردًّا على أحلى اتهام، قالوه ولم يفهموه عن الرب: «هذا يقبل خطاة ويأكل معهم».  نعم، لهذا جاء المسيح، لا للأبرار في أعين أنفسهم وغير المحتاجين إلى التوبة، بل للخطاة التائبين والمعترفين والراجعين.

وفي فصول المثل الثلاثة نرى: الراعي وخسارة خروف من مائة (1%)، والمرأة وخسارة درهم من عشرة (10%)، والأب وخسارة ابن من اثنين (50%).  وفي الثلاثة - الراعي والمرأة والأب - نرى حزنهم على المفقود وتعبهم وكدهم في البحث عنه.

وهنا نرى إشارة للأقانيم الثلاثة في عملهم مع الإنسان ولأجله:

الراعي والخروف: الراعي هو من قال عن نفسه: «أنا هو الراعي الصالح»، الذي جاء إلى العالم لكي يطلب ويخلِّص ما قد هلك، باحثًا عن مَن حملتهم آثامهم كريح بعيدًا عن محضر الله ومال كل واحد إلى طريقه، وفي النهاية بذل نفسه عن الخراف التي زاغت وتاهت بإرادتها.

المرأة والدرهم: المرأة هنا تشير للروح القدس الذي يعمل ويجاهد مع الإنسان من خلال الكنيسة بواسطة سراج كلمة الله: «وعندنا الكلمة النبوية، وهي أثبت التي تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم» (2بطرس1: 19).  والدرهم؛ تلك العملة الجامدة والرخيصة والتي لا تستحق كل هذا الاجتهاد والبحث، نرى فيه صورة للإنسان الميت بالذنوب والخطايا والذي بلا قيمة في نظر الناس، لكن الله يحبه وروح الله يجاهد معه في أي مكان يوجد فيه ليأتي به للمسيح.

الابن الضال: هذا المثل هو دُرة الأمثال وأشهرها وأوضحها لأننا نرى فيه الإنسان وما فعلته فيه الخطية من موت وفساد وتمرد ونسيان الله، وأيضًا نرى فيه قلب الله الآب ونعمته الغنية التي تقبل إنسانًا كهذا.

وسنقسم رحلة هذا الابن إلى خمس مراحل:

1- في البيت، عاصٍ متمرد

كان في البيت ولم يكن رب البيت في قلبه.  كان له كل الخيرات، ولم يكن له شركة مع سيد هذا البيت.  كان متمردًا وغير قانع، فوجد الشيطان فيه ضالته، فأوهمه وأغواه بعيشة الحرية الشبابية.  وكم من شباب وشابات يملأون الكنائس ويترددون كثيرًا عليها، ولكن ليس لهم علاقة وشركة حقيقية مع المسيح رأس الكنيسة!  مثل هؤلاء يقتنصهم إبليس لإرادته، ففي بيوتهم غير مُكتَفين بما عندهم وفي الكنيسة منتقدين كل ما حولهم، ومع أول إغراء للخطية يخرجون ويضلون.

2- بعيدًا عن البيت، عبد مذلول

في البداية اقرأ هذه الكلمات: «افرح أيها الشاب في حداثتك وليسرّك قلبك في أيام شبابك واسلك في طرق قلبك وبمرأى عينيك، واعلم أنه على هذه الأمور كلها يأتي بك الله إلى الدينونة» (جامعة11: 9).  وكتب الرسول بولس عن أمثال هذا الولد الطائش: «متجنبون عن حياة الله»، وفي بُعدهم يقولون: «كيف يعلم الله وهل عند العلي معرفة؟» (مزمور73: 11).  والنتيجة هي الانغماس في الشهوات العالمية وحياة الإباحية والمتعة الوقتية.  وأحيانًا نرى أن الإنسان البعيد عن الله قد يصل للقمة سريعًا، لكنه يهوي إلى القاع أسرع.  فهذا الابن جمع كل شيء (غنى) واجتمع حوله أصدقاء كثيرين، ثم أنفق كل شيء (افتقر)، فتركه الكل (الوحدة)، واحتاج لأي شيء (جوع)، فعمل بين الخنازير (نجاسة) ولم يشبع من طعامهم لأن «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا».

3- الرجوع إلى البيت، معترف وتائب

لقد فعل حسنًا إذ رجع إلى نفسه قبل أن يخسرها، وقبل أن يهبط إلى الحفرة، فهم وأدرك وصرخ وتاب.  لقد قال ثم قام.  أخذ قرارًا وقام بتنفيذه في الحال.  كان قراره الذهاب لا إلى البيت أو الأهل بل «أذهب إلى أبي».  كان يثق أن مَن في البيت هو أبوه، حتى وإن كان هو لا يستحق أن يكون ابنًا له.  صديقي، مهما كان بُعدك وشرك هل تأتي؟  إني لا أدعوك إلى ديانة أو طائفة أو كنيسة أو شخصية دينية مشهورة، بل إلى الآب السماوي الذي يحبك وينتظرك ليغفر ويصفح وينسى لك ماضيك!

4- لقاء خارج البيت

قبل أن ندخل البيت لنرى ما حدث مع هذا الابن، دعنا نتخيل منظرًا عظيمًا حدث خارج البيت وقد يكون خارج البلدة: ابن قد أنهكته الخطية وفقَد قوَّته الجسدية بسبب الشهوات العالمية، فلم يستطيع أن يجري للقاء أبيه - رغم سنه الصغيرة - ولا هو رآه، لأن الشيطان دائمًا يعمي أذهان غير المؤمنين.  ولكن من الجانب الآخر أب لم تنهكه السنين ظلَّ منتظرًا وعيناه ليلاً ونهارًا على الطريق، وما أن رأى ابنه قادمًا، لم ينتظر حتى يأتيه نادمًا راكعًا مُقَبِّلاً القدمين، بل ملأ الحنين كيانه وركض كشاب صغير واحتضن ابنه وغطاه بالقبلات بصورة أذهلت الابن وجعلته لا يقول: «اجعلني كأحد أجراك»، لأن سيد البيت لا يُقَبِّل العبيد بل الأبناء.

5- السكن في البيت، ابن مُكَمَّل

لا يوجد إنسان على الأرض يفعل ما سنراه مع شخص هو في الحقيقة حطام إنسان؛ فرائحته عفنة وثيابه بالية، حافي القدمين لا يستحق أي شيء.  ولكن وُجد إنسان نزل من السماء وارتفع فوق الصليب ليعد الوليمة لمن يعترف أنه نظير هذا الابن.  وإليك ما حدث داخل البيت:

أ- الحُلَّة الأولى أو ثياب البر: كتب النبي: «فرحًا أفرح بالرب.  تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص.  كساني رداء البر» (إشعياء61: 1)، والثياب هي المسيح: «قد لَبِستُم المسيح».  ومَن لَبِس المسيح لا يوجد عُريانًا (كآدم في الجنة) أمام الله.  وأيضًا يراه الناس لابسًا وجالسًا وعاقلاً (بعد أن كان مجنونًا) في سلوكه وحياته العملية التي تشهد للمسيح ويشهد عنها الجميع.

ب- خاتم في يده أو الغنى والسلطان: بعد الاحتياج  لكل شيء صار غنيًّا يملك كل شيء.  وبعد أن كان عبدًا للخطية والشيطان يفعل - مُرغَمًا - إرادتهما، صار حرًّا ولا يفعل سوى إرادة أبيه.  فالمؤمن أصبح ابنًا لله: «أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله» (1يوحنا3: 2)، والابن يرث أباه: «إذا لستَ بعد عبدًا بل ابنًا وإن كنتَ ابنًا فوارث لله بالمسيح» (غلاطية4: 7).

ج– حذاء في رجليه: لأنه أصبح واحدًا من أهل البيت، فالعبيد في ذلك الوقت لم يكونوا يلبسون أحذية في أرجلهم.

د– ذبح العجل المُسَمَّن: الصليب وموت المسيح هو أساس قبول كل إنسان يأتي إلى الله، كما قال الرب: «ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بى».


هـ– الكل فرحان: السماء تفرح بكل خاطئ يتوب، والخاطئ يفرح عند إيمانه بالمسيح، وكل المؤمنين يفرحون لكل نفس تنال الخلاص.

صديقي، إن كنتَ ضالاًّ وبعيدًا قُم الآن وخُذ قرارك وارجع إلى ديارك، فالنعمة تناديك والآب المُحب “مستنيك”!