منذ سن مبكرة، تميز “بروكس رودر” (12 عامًا) بحُب الحيوانات ومساعدتها، ولذا تطوع في مركز لعلاج الطيور المصابة، وألَّف كتابًا عن تجربته، واكتشف خلال فترة تدريبه أن لـه هدفًا خاصًّا جدًّا في الحياة؛ ألا وهو مساعدة الحيوانات وتثقيف الناس عن أهمية العناية بالبيئة بحيث لا تدمر أماكن معيشة الكائنات الحية.
لقد عَِلم بروكس أن خسارة نوع واحد من الكائنات الحية، أو بالحري انقراضه، يؤثر على الأجناس الأخرى التي تعتمد عليه، وعَِلمَ أيضًا أن معدلات انقراض الحيوانات زادت بأكثر من مائة ضعف. فقديمًا جدًا كان المعدل صنفًا واحدًا فقط في السنة. أما في الوقت الحالي فتختفي 3 أجناس من الكائنات الحية في الساعة الواحدة. وعَِلم بروكس أنه بالنسبة للأجناس المهددة بالانقراض يعني أنه ما زال هناك وقت لعمل شيء ما.
لذا قرر بروكس، رغم أن عمره كان في ذلك الوقت 6 سنوات، تغيير اسمه إلى “تشانس”، وهي كلمة باللغة الإنجليزية وتعني بالعربية “فرصة”، لأنه شعر أن وجوده في هذه الحياة فرصة لمساعدة الحيوانات في البقاء على قيد الحياة.
“تشانس” يرى نفسه أنه يقوم بدور المترجم لتلك الحيوانات الجريحة والمهدَّدة بالانقراض، فالحيوانات ليس في إمكانها التحدث بلغة البشر ولا تمتلك أية وسيلة أخرى لإخبار الإنسان عن محنتها. ويأمل “تشانس” أن يجد مترجمين مثله من الشباب حتى يتمكنوا من العمل معًا لإنجاز هذه المهمة الكبرى. “تشانس” لا يترك فرصة إلا ويستغلها جيدًا فهو يُعلم ويثقف الأطفال، وله أشرطة مسجَّلة للتوعية. كذلك هو مُحاضِر يقوم بتحفيز الناس، يزور المدارس وبعض الجامعات، يذهب إلى الإذاعة والحدائق والمنتزهات لتوصيل رسالته، له برامج مع مؤسسات كبيرة، ليس عنده مانع أن يسافر لدول العالم أجمع لإيصال رسالته إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
والآن ماذا عنك وعني؟ هل كل مِنَّا يعتبر وجوده في هذه الحياة فرصة رائعة لتوصيل رسالة أعظم وأروع؟ إن “تشانس” يطمح أن يصبح “سفيرًا للكائنات الحية” يومًا ما. وإن كان “تشانس” متألمًا بسبب انقراض أنواع كثيرة من الطيور والحيوانات، ألا نتألم نحن بسب ذهاب واحد من البشر إلى أبدية مُرعبة لا تنتهي؟!
أختي، أخي، إنها حقًّا فرصة! لماذا؟
أولاً: لأنه بعد أن تنتهي الحياة تنتهي الفرصة. نعم، هذا بالنسبة للخاطئ البعيد، ففرصته أن يسمع ويتوب ويؤمن بالرب يسوع هي الآن، وإذا انتهت الحياة ضاعت الفرصة إلى الأبد. هذا أيضًا بالنسبة للمؤمن، ففرصته أن يوصِّل رسالة محبة الله للناس هي الآن. ويمكننا معرفة ذلك جيدًا من قصة حقيقية قَصَّها لنا الرب يسوع، هي قصة الغني ولعازر (لوقا 16)؛ فقد قَصَّها لنا ذلك الشخص الذي يستطيع أن يرى في نفس الوقت عالَم الأرواح وعالَم الأجساد. والقصة فيها فصلان: الفصل الأول تمَّت أحداثـه في هـذا العالَم (لوقا16: 19-22)، والفصل الثاني حدث فـي عالَـم الأرواح (لوقا16: 23-31)، إذ بعد ما مات الغني، أخذ يسترحم أباه إبراهيم دون فائدة، ثم أخذ يستعطفه أيضًا دون جدوى، فبعد انتهاء الحياة لا استرحام ولا استعطاف.
ثانيًا: الفرصة هي لنا نحن المؤمنين، لأن ملائكة السماء ليسوا مبشرين. وكلنا سمعنا عن قائد مئة الكتيبة الإيطالية؛ كرنيليوس. ففي أحد الأيام، وكان الوقت نهارًا، رأى رؤيا: ملاكًا من الله داخلاً إليه، وقال له: «يا كرنيليوس... أرسِل إلى يافا حالاً واستدعِ سمعان المُلَقَّب بطرس، وهو يكلمك كلامًا به تخلص» (أعمال 10، 11). ولنا أن نتسائل: لماذا لم يكلم الملاك كرنيليوس كلامًا به يخلص؟ لأن الملاك لا ينفع لهذه المهمة، فالذي لم يتمتع بشيء ما لا يمكن أن يعطيه. فالرب دخل إلى معركة الصليب الرهيبة ليس من أجل الملائكة، بل من أجلنا نحن، فالملائكة الأشرار لا فداء لهم ولا خلاص، والملائكة الأطهار المختارون ليسوا بحاجة إلى الفداء لأنهم باقون على طاعة الله. ونحن الذين تمتعنا بالفداء هي فرصتنا الآن أن نقدم رسالتنا إلى هذا العالم اليائس البائس.
ثالثًا: إنها فرصة، لأنه الآن الوقت لعمل الرب: «إنه وقت عمل للرب» (مزمور119: 126)، «قلب الحكيم يعرف الوقت» (جامعة8: 5)؛ فقلب الحكيم يدرك أن الوقت يمر سريعًا والوقت لا يرجع مطلقًا، فالساعة التي انقضت أصبحت ماضيًا، ولا يمكن بأية حال من الأحوال أن تصبح حاضرًا مرة أخرى، وفجأة ينتهي الوقت المُعطَى للإنسان. ونفهم من سفر أيوب أن أيام الإنسان محدودة وعدد أشهره معروفة عند الله، والله عَيَّن لكل إنسان أَجَلَه فلا يتجاوزه، لذا تعالوا بنا نستيقظ من النوم ونعرف أن ننقذ ونفتدي الوقت وننظم أوقاتنا ونرتب أولويات الحياة.
رابعًا: إنها فرصة الآن لكي نصنع أصدقاء بمالدينا. هذا ما قاله الرب: «وأنا أقـول لكـم: اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم» (لوقا16: 9)؛ أي استخدموا الفُرَص التي بين أيديكم في هذا العالم الشرير، بيعوها وافتدوها واشتروا بها تحويلاً إلى أبدية سعيدة لكثير من الناس. وقد سُمِّي المال “مال الظلم” لأنه مرارًا كثيرة يُجمَع بالظلم ويُوَزَّع بالظلم. ولنتعلم من أبناء هذا الدهر أمرًا واحدًا فقط، فقد قال الرب يسوع: «لأن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم» (لوقا16: 8)، فَهُم للأسف أكثر مِنَّا ذكاءً، وأشد مِنَّا حرصًا على الفُرَص التي بين أيديهم. فلنتعلم هذا الأمر: أن نستغل كل فرصة لنشر رسالة الإنجيل والخلاص بين الناس.
خامسًا: لننتهز الفرصة، لأن مجيء الرب واختطافنا إليه قد اقترب جدًّا. أخي، هل تعلم أن الرب آتٍ مسرعًا؟ وهل تعلم ما سيأتي على الأرض من مآسٍ ورعب؟ هل قرأتَ سفر الرؤيا لتعلم الضربات التي لا بُد أن تأتي على العالم؟ يقول لنا الرسول بولس: «فإذ نحن عالمون مخافة (رعب) الرب نقنع الناس» (2كورنثوس5: 11)، فالمؤمن الحقيقي يرفع عينيه إلى فوق قائلاً للرب: “تعالَ!” وفي نفس الوقت عليه أن ينظر حوله مناديًا لكل من يتقابل معه قائلاً له: “تعال!”. كان الرسول بولس يشعر أن الضرورة للكرازة وإخبار الآخرين موضوعة عليه لذا قال: «ويلٌ لي إن كنتُ لا أبشر» (1كورنثوس9: 16).
إخوتي، هل نعمل حسنًا؟ تعالوا بنا نستمع إلى كلمات كرنيليوس عندما ذهب إليه بطرس: «فأرسلت إليك حالاً، وأنت فعلتَ حسنًا إذ جئتَ» (أعمال10: 33).
هل نذهب إلى النفوس مُطيعين صوت الرب مُنتهزين كل فرصة؟!