البغل والثور وخطورة الكسل
من القصص الطريفة أن ثورًا وبغلاً اعتادا على العمل معًا في مزرعة فلاح، فتوطدت العلاقة بينهما. وفي أحد أيام الصيف الحارة، وعقب عمل طويل ومرهق، قال الثور لصديقه البغل: “لقد تعبنا أيامًا كثيرة ولم نُمنَح راحة كافية، فهيا بنا نتمارض فيتركنا الفلاح ويريحنا بعض الوقت!”، فرفض البغل وقال: “كيف نتمارض في الصيف، وننام في الحصاد الذي ينتظره الفلاح بفارغ الصبر وليس له من يساعده سوانا وهو يهتم بنا طوال العام؟ فهيا للعمل حتى يفرح بنا الفلاح!”
لم يعجب الثور رد البغل، وحسبه غبيًّا وغير حكيم. وفي الصباح تظاهر بالمرض وعدم القدرة على الحركة؛ فأشفق الفلاح عليه وقدَّم له عشبًا طازجًا واهتم به، وتركه ليستريح.
عاد البغل من العمل مرهقًا، فسأله الثور عن أخباره. أجابه البغل: “العمل شاق، لكن مضى اليوم بسلام، وها أنا بخير.” ثم سأل الثور: “هل تحدث الفلاح عني؟” أجاب البغل: “لا!” وفي اليوم الثاني قام الثور بنفس الدور، وظن أنه قد نجح في خطته، فكان لا يعمل بل يأكل ويشرب وينام. عاد البغل مرهقًا جدًّا لأنه كان يجر المحراث بمفرده. فسأله الثور عن أخباره. أجابه: “لقد بذلت جهدًا كبيرًا لأعوِّض عدم مشاركتك.” فرح الثور وشعر بالراحة على وضعه، وسخر من البغل لجهله. ثم سأل الثور: “هل تحدث الفلاح عني؟” فـأجاب البغل: “لا، لأنه كان منهمكًا في الحديث مع الجزار!” وهنا أدرك الثور أن الفلاح يعدّه للذبح لأنه لم يعد صالحًا للعمل بعد.
قارئي العزيز، نحن نضحك على سلوك الثور لكن لا نلومه لأنه حيوان، لكن اللوم على الإنسان الذي خلقه الله على صورته كشبهه. صحيح نحن نحتاج إلى الراحة. قال يسوع لرسله بعد يوم من العمل لدرجة أنه لم تتيسر لهم فرصة للأكل: «تعالوا أنتم منفردين إلى موضع خلاء واستريحوا قليلاً» (مرقس6: 31). لكن الاعتياد على الراحة وكثرة النوم والأكل وقلة الحركة فهذا هو الكسل عينه. قد يكون الكسول موهوبًا فيهمل الموهبة ويقتلها، وقد تكون أمامه فرص للعمل والتعلم لكنه لا يغتنمها.
مساوئ الكسل الخمسة
(1) من الناحية الروحية
يقول الكتاب: «يا ابني اذهب اليوم اعمل في كرمي!» وعندما لا تذهب للعمل فأنت تكسر وصية، فالكسل ضد الاجتهاد الذي يميز المؤمن. لذلك يقول الرسول بطرس: «لا متكاسلين ولا غير مثمرين»، وكذلك بولس: «غير متكاسلين في الاجتهاد». وما أبدع قول الحكيم: «أرَأَيْتَ رَجُلاً مُجْتَهِدًا فِي عَمَلِهِ؟ أَمَامَ الْمُلُوكِ يَقِفُ. لاَ يَقِفُ أَمَامَ الرَّعَاعِ» (أمثال22: 29).
فالكسل ليس مَرَضًا بل شرًّا وخطية تحتاج إلى توبة حقيقية. لقد وصف المسيح العبد الشرير بأنه «العبد الشرير والكسلان».
(2) من الناحية النفسية
الكسل يقود صاحبه إلى الإحساس باليأس والشعور بالإحباط وعدم الثقة بالنفس، بل يقتل الطموح فيه: «شَهْوَةُ الْكَسْلاَنِ تَقْتُلُهُ، لأَنَّ يَدَيْهِ تَأْبَيَانِ الشُّغْلَ. اَلْيَوْمَ كُلَّهُ يَشْتَهِي شَهْوَةً» (أمثال21: 25، 26). والكسلان كثير الأعذار فيقول: «الأَسَدُ فِي الطَّرِيقِ، الشِّبْلُ فِي الشَّوَارِعِ». و«الكسلان لاَ يَحْرُثُ بِسَبَبِ الشِّتَاءِ، فَيَسْتَعْطِي فِي الْحَصَادِ وَلاَ يُعْطَى» (أمثال20: 4).
(3) من الناحية الجسدية
يقولون إن الكسل يهدد الرجولة في مصر، والذين يموتون بسبب الكسل في هونج كونج أكثر من الذين يموتون بسبب التدخين.
وفي أمريكا هو السبب الرئيسي لزيادة الوزن وأمراض القلب. وأثبتت الدراسات أن تفشي الأمراض كآلام الظهر والسمنة والكولِسترول وآلام العظام وضمور العضلات والسكري هو الكسل وقلة النشاط اليومي.
(4) من الناحية المادية
يقول الحكيم: «إلى متى تنام أيها الكسلان؟ متى تنهض من نومك؟ قليل نوم بعد قليل نعاس، وطَيُّ اليدين قليلاً للرقود، فيأتي فقرك كساعٍ وعوزك كغازٍ» (أمثال6: 9-11).
(5) من الناحية الاجتماعية
الكسالَى والبطالين يسببون عبئًا ثقيلاً على الأُسرة وعلى المجتمع وعلى ميزانية الدول: «كَالْخَلِّ لِلأَسْنَانِ وَكَالدُّخَانِ لِلْعَيْنَيْنِ، كَذلِكَ الْكَسْلاَنُ لِلَّذِينَ أَرْسَلُوهُ» (أمثال 10: 26)، «عَبَرْتُ بِحَقْلِ الْكَسْلاَنِ وَبِكَرْمِ الرَّجُلِ النَّاقِصِ الْفَهْمِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ عَلاَهُ كُلَّهُ الْقَرِيصُ وَقَدْ غَطَّى الْعَوْسَجُ وَجْهَهُ وَجِدَارُ حِجَارَتِهِ انْهَدَمَ» (أمثال24: 30، 31).
القارئ العزيز، ما أكثر البلايا التي تأتي من وراء الكسل؛ ليس المرض فقط، وليس الفقر فقط، بل الكسل يقود إلى خطايا كبيرة مدمرة. فهل ننسى داود الملك الذي لم ينزل الحرب وفضَّل البقاء في البيت والتمشي فوق السطح فرأى واشتهى، والنتيجة: سقط سقوطًا عظيمًا.
أما عن علاج هذا المرض الخطير فإلى العدد القادم إن شاء الرب وعشنا...