ثلج ونار

“أوووه!  نور منبعث من الجليد!!”...  “ما هذا؟!  الثلج يضيء ضوءًا أحمر في منتصف الليلة!”.  كلمات التعجب هذه وغيرها دَوَتْ على ألسنة سكان جنوبي أيسلندا.  هذه كانت بداية قصة تشغل العالم كله إلى الآن.  ودعني أحكي لك القصة مشفوعة ببعض أفكار دارت في رأسي:

 أيسلندا في الأصل جزيرة بركانية، بها 35 بركانًا ثاروا من قبل عدة مرات، حتى إنها تُسمَّى “جزيرة الثلج والنار”.  تقع في شمال المحيط الأطلنطي وتُعتَبر أقصى دول أوربا غربًا.  مساحتها 103 ألف كم2، أكثر من 10% من هذه المساحة مغطاة تمامًا بالجليد.  يسكنها 320 ألف نسمة، معظمهم قرب العاصمة «ريكياڤيك» والتي تبعد عن القاهرة حوالي 5300 كم، ويتكلمون اللغة الأيسلندية.

وفي الساعات الأولى من 21 مارس 2010؛ بدأ البركان، الذي يوجد قرب النهر الجليدي “إيافيالايوكول Eyjafjallajokull”، في الثوران، بُعَيد منتصف هذه الليلة، وتُعَد هذه هي المرة الأولى التي يثور فيها بركان في المنطقة منذ حوالي 200 سنة؛ إذ يعود آخر ثوران بركاني إلى عام 1821.  قدَّر المسؤولون أن الأمر لم يكن من الخطورة بمكان إذ إنه لا يؤثر سوى على مساحة صغيرة داخل الجزيرة.

فكَّرت: بعد قرابة مئتي عام، ربما نسي الناس أن هناك بركانًا، أو قلَّلوا من تأثيره، لكنه عاد إلى الحياة وكان تأثيره بالغــًا، إذ من تحت الثلج خرجت النيران!  والعالم اليوم نسي أن «غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ»، لقد أسأوا فهم «غِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟».  والنتيجة الرهيبة: «من أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ».  ويومًا، وهو قريب، سينفجر البركان، «يَوْمُ غَضَبِهِ الْعَظِيمُ.  وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ؟»، يومها سيطلبون من الجبال: «اسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الْخَرُوفِ» ولن يكون لهم (رومية1: 18؛ 2: 4، 5؛ رؤيا6: 15-17)!  فماذا تفعل يوم يثور البركان؟!

تسببت ثورة البركان في إغلاق الطرقات في المنطقة وإجلاء مئات من السكان من مساكنهم؛ خوفًا من الفيضان إذا ما صهرت حرارة البركان الجليد في المنطقة.  ووسط المشهد المرعب كان أصحاب المراعي في الجزيرة يقودون قطعان الماشية إلى ملاجئ آمنة خوفًا من أن تضل طريقها أو يصيبها أذى.

تهللت بملجإي الحصين، سيدي الذي «وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا...  (والنتيجة) نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ!» وهو الراعي العظيم «الَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ الْغَضَبِ الآتِ» (رومية5: 8، 9؛ 1تسالونيكي1: 10).  فهل احتميتَ به لتأمن من الغضب؟!

عاد البركان للثورة يوم 13 إبريل، بشكل أشد، فتصاعدت الحمم (“اللاڤا lava”؛ وهي خليط من معادن وصخور تندفع من بطن الأرض عند ثورة البركان في حالة سائلة، ملتهبة في درجة حرارة 700-1200 درجة مئوية)، وارتفعت لمسافة تعادل مبنًى من 30 طابقًا، وتقاذفت لمسافة تقرب من كيلومتر.

واختلط الجليد مع النيران!  أدى ارتفاع درجة حرارة الحمم إلى ذوبان قطعة جليدية سمكها 200م كانت تغطي سطح البركان.  وتدفق الماء البارد بقوة ليختلط مع الحُمم، مما أدى إلى تبريدها بسرعة فجائية فائقة، فتحولت إلى قطع وذرات صغيرة تشبه الزجاج المكسَّر، حملتها الرياح مكوِّنة ما يسمى “سُحُب الغبار البركاني” والتي حلقت على ارتفاعات 7500-9000 مترًا.  وتُعد من أكبر السحب الناتجة عن البراكين في العصر الحديث.  انتشرت حتى طالت معظم أوربا الغربية، فأُغلِق المجال الجوي لعدة دول، وأُلغيت آلاف الرحلات العابرة بغرب أوربا لعدة أيام بسبب الخوف من مخاطر سحب الغبار البركاني على الطيران.

وهذه المخاطر تنتج عن: انعدام الرؤيا وتحطُّم زجاج الطائرة بسبب اصطدام الجزيئات الصلبة التي تحملها السحب البركانية به.  وتلف الأجزاء الأمامية والمتحركة من الأجنحة.  وانصهار الأجزاء المعدنية في الغبار البركاني وترسُبّها داخل المحرك مما يمنع دخول الهواء ويسد فتحات التبريد في توربينات المحرك النفاث؛ مما يسبب انصهار رِيَش المحرك ويؤدي إلى انهياره وتوقفه عن العمل، ومن ثَم سقوط الطائرة.

لم أستغرب أن ما هو من باطن الأرض يعطِّل ما يطير في السماء!  والعالم بما فيه من «شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ» (1يوحنا2: 16) من شأنه أن يبعدنا عن جو السماويات، حيث لنا أن نتمتع بالقرب من قلب إلهنا.  فالانشغال برغبات الجسد، والانسياق خلف عيوننا التي تنظر هنا وهناك، وتنبهر وتشتهي، والرغبة في العظمة والشهرة ورفض الاتضاع؛ كلها عوامل تسد الهواء السماوي المنعش عنا، فتنعدم رؤيتنا، فيتساوى عندنا الأبيض والأسود، وتُدَمَّر محركاتنا الروحية؛ فنسقط!

بالإضافة لأخطار السحب البركانية على الطائرات، أضاف المختصون مخاطر أخرى، منها معاناة الطيور صعوبة الطيران نتيجة التصاق طبقات من الرماد على أجنحتها مما يؤدى إلى زيادة وزنها وعدم قدرتها على الطيران.

لفت نظري أن معاناة الطيور أتت من التصاق أشياء بأجنحتها زادت من تأثير الجاذبية الأرضية عليها.  أوَ لا يحدث معنا، أنا وأنت ذلك، بعادات خاطئة، وصداقات مفسِدة، وعلاقات عاطفية في غير موعدها، وأماكن لا تبني، ومطالعات تضر؟!  ينبغي أن يكون المؤمن رافعًا جناحيه كنسر في السماء، لا يرضى إلا بالأعالي؛ لذا «لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْل، وَالْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِالصَّبْرِ فِي الْجِهَادِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا» (عبرانيين12: 1).

ثم تأتي خطورة استنشاق أو بلع ذرات الغبار، ولو بجرعات بسيطة، إذ تتحول إلى مواد حمضية في المعدة، وباتحادها مع الكالسيوم تُحدث نزيفًا داخليًّا وفقدًا للأسنان وآثارًا مدمرة على العظام.

تنبهت إلى خطورة الأشياء التي نراها صغيرة، لكنها قد تدمر حياتنا: نكات، كلمات تتردد في وسائل الإعلام، استلطاف، حب استطلاع، لهو، متعة تبدو بريئة.  ليت طلبتنا تكون: «خُذُوا لَنَا الثَّعَالِبَ، الثَّعَالِبَ الصِّغَارَ الْمُفْسِدَةَ الْكُرُومِ» (نشيد2: 13)!

هذا عن البركان الذي ثار ولا يعلم أحد متى يخمد، فماذا عن البركان الأعظم: غضب الله، الذي لا يعلم أحد مدى قرب اشتعاله؟!

عزيزي

هل احتميت منه في شخص المسيح؟
وهل بعد احتمائك تدعو الآخرين إليه؟!
وإذ لم يعد عليك شيء من الدينونة لأنك في المسيح، فهل تحيا كما ينبغي: حُرًّا سماويًّا رافعَ الجناح؟!
هيا انفض كل غبار علق بجناحيك، ولا تستصغر أمرًا قد يعطل حياتك الروحية