نُخطئ لو تجاهلنا أن الشيطان يمتلك قدرة فائقة على الغواية والخداع، وهو في منتهى الذكاء والدهاء. وقد رأيناه في المرة السابقة يستغل أجمل وأذكى المخلوقات، وهي الحيَّة، ويدخل فيها، ليتحدث إلى الإنسان. فهو يتستَّر وراء كل ما هو جميل وجذَّاب ومُثير، وأحيانًا يُغيِّر شكله إلى شبه ملاك نور لكي يخدع النفوس.
والإشارة الأولى في الكتاب المقدس إلى الشيطان نجدها في تكوين3، في لقائه الأول مع الإنسان في الجنَّة. ويُلفت النظر أنه لا يُذكَر هناك باسم «الشيطان» والذي يعني “المُقاوِم”، ولا «إبليس» والذي يعني “المُشتكي”، بل نجده “كالحيَّة” الناعمة الخادعة الماكرة.
والحيَّة تستطيع أن تُغيِّر جلدها، وتتلون بلون المكان الذي تعيش فيه، وتبدو دائمًا في جلد جديد وشكل جديد. والشيطان لا يتعامل مع الناس بطريقة واحدة، بل دائمًا مُتغيِّرٌ ومتطورٌ مع الزمن بما يناسب كل النوعيات والثقافات.
وكثيرًا ما يأتي متوددًا كالصديق، لطيفًا وناعمًا ومُغريًا حتى يتمكَّن من الإنسان، وسُرعان ما يبث السم المُميت، فهو قتَّالٌ للناس من البدء.
وفي جولته الأولى مع الإنسان في الجنَّة نتعلَّم الكثير عن أساليبه وحِيَله لكي نسهر ونتحذر لئلا نسقط، فكيف جاء وماذا فعل؟
1- درس شخصية آدم وشخصية حواء، واكتشف بسهولة أن المرأة هي الأسهل في الغواية، فهي الإناء الأضعف، ويمكن التأثير عليها بشكل أسرع، وأمام الإغراء ستضعف مقاومتها. فذهب للمرأة وليس للرجل.
وإلى كل فتاة نقول: إذا كان ذلك كذلك؛ فعليكِ أن تحتمي في الرب حصن الأمان وملجإ الضعيف، ولتكن صلاتك: «احفظني يا الله لأني عليك توكلت» (مزمور16: 1)! وبالطبع فإن الشاب ليس بعيدًا عن الغواية، وإن كانت المرأة هي “الأضعف” فالرجل هو “الإناء الضعيف”.
2- خشي أن تسأل رجلها وتناقش الأمر معه، في حالة وجوده بجانبها، فهذا يمكن أن يُفشِّل المحاولة. فانتهز الفرصة عندما كانت وحيدة وبعيدة عن رجلها ولو للحظات، وذهب إلى المرأة بمفردها.
لقد قال الحكيم: «اثنان خيرٌ من واحد... وويل لمَنْ هو وحده» (جامعة4: 9، 10). وكم من المرات كانت الوحدة مجالاً للتجربة. لذلك ننصح بالرفقة المُقدَّسة والشركة مع القدِّيسين، وهذا سيساعد في وقت التجربة.
3- استَغَلَّ وجود المرأة بجوار الشجرة المنهي عنها. وكان هذا في صالح المُجرِّب، وعاملاً مؤثرًا في التجربة يجعلها سهلة. فكانت هذه هي الساعة المناسبة للهجوم. والأجدر أن نبتعد عن مجال التجربة، والأماكن التي يستغلها العدو في تجربتنا. ولنستمع إلى نصيحة بولس لتيموثاوس: «أما الشهوات الشبابية فاهرب منها» (2تيموثاوس2: 22)، وأيضًا: «لا تصنعوا تدبيرًا للجسد لأجل الشهوات» (رومية13: 14)! فلا نحتفظ بشيء يمكن أن يُستخدم إذا أغرانا العدو في وقت ضعفنا. ولنستمع إلى نصائح حكيم الدهور في هذا الشأن (أمثال5: 8؛ 7: 25؛ 9: 13-17)! وإنه من الغباء أن الباب الذي تأتي منه الريح لا نسده ونستريح!
4- كان من الممكن أن تنزعج المرأة عندما تسمع حيوانًا يتكلَّم على خلاف الطبيعة. لهذا كان صوته وكلامه هذه المرة بأعذب وأرق العبارات التي تجذب ولا تُنفِّر. لقد أشعرها بالأمان، وقادها للحوار معه. فلنحذر من همسات العدو، ولا ننخدع بالأسلوب الرقيق الناعم خاصة مع الجنس الآخر. فكثيرًا ما كان العدو وراء هذا الحديث اللطيف حتى وإن بدا بريئًا في البداية. والحكيم يقول: «إذا حسَّن صوته فلا تأتمنه» (أمثال 26: 25).
5- استَغلَّ طبيعة المرأة العاطفية التي تحب وتقبل الصداقة البريئة، ولا ترفضها. فجاء كالصديق الودود. فالمرأة في طبيعتها تهتم بالعلاقات وتحب أن تكسب أصدقاء جُددًا، ولا تود أن تخسر أحدهم بسهولة. ولكن ليس كل صداقة هي بركة أو معونة في حياتنا الروحية. فلنمتحن كل شيء ولا ننخدع بالشكليات أو الوضع الاجتماعي، ولنتمسَّك بالحَسَن في نظر الله.
6- تعامل معها كشخصية مستقلة عن رجلها، فتحدَّث إليها في صيغة المُثنَّى. وربما أراد إشعارها بقيمتها الذاتية بالاستقلال عن آدم، وأن ذلك أفضل كثيرًا من كونها مُتَّحِدة به ومُتَضَمَّنة فيه. فهي كيان منفصل له تفكيره وقراره وحريته واختياره، له رؤيته ورأيه في الأمور. وفي الإنسان ميلٌ للبحث عن الذات والهوية، خاصة في مرحلة الشباب الذي يرفض أن يكون تعريفه من خلال الأهل حتى لو كانوا أفضل القوم. هو فلان وليس ابن فلان . شاب أو فتاة، كلٌ يبحث عن ذاته ويريد الاستقلالية. ولا غبار على ذلك بقدر مُعَيَّن في مرحلة الشباب المُبكـِّر. ولكن الوضع هنا في قصتنا مختلف؛ فالمرأة هنا مرتبطة بآدم كزوج. وعندما خلقهما الرب الإله أتحدهما معًا ليكونا «جسدًا واحدًا» (تكوين2: 24)، «ليسا بعد اثنين بل جسد واحد». والكتاب يؤكد هذه الحقيقة 7 مرات، «يترك الرجل أباهُ وأُمَّهُ ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا». هذا هو فكر الله الواضح في العلاقة الزوجية. لكن الشيطان أراد أن يفصل المرأة عن رجلها، ويُشعرها بلذة الانفصال والاستقلال وحرية القرار، بدلاً من الخضوع للرجل كرأس بحسب ترتيب الله. ودائمًا يحاول الشيطان أن يعمل شرخًا في العلاقة ليجعلهما اثنين، كلٌّ منهما رأسٌ في البيت، وبذلك يُدمر البيت إذ يعكس ترتيب الله.
كان هذا أسلوب الشيطان عندما قرر أن يُجرِّب الإنسان لأول مرة، فكيف بدأ الحوار؟ هذا ما سنراه في المرة القادمة إذا شاء الرب.