المداين ومديونان

نواصل التأمل في الأمثال التي سجلها البشير لوقا في إنجيله، والتي تتميز بإبراز محبة الله وغفرانه لكل إنسان يأتي للمسيح معترفًا بخطاياه وطالبًا الرحمة والمسامحة.  هذه الأمثال التي نسميها “أمثال النعمة” والتي نراها الآن في مثل: المداين والمديونان

«فأجاب يسوع وقال له: يا سمعان عندي شيء أقوله لك.  فقال: قُل يا معلم.  كان لمداين مديونان.  على الواحد خمسمئة دينار وعلى الآخر خمسون.  وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعًا.  فَقُل: أيهما يكون أكثر حبًّا له؟  فأجاب سمعان وقال: أظن الذي سامحه بالأكثر.  فقال له: بالصواب حكمت» (برجاء قراءة المثل كاملاً: لوقا7: 36-50).

ولفهم المثل نقسمه إلى أربع ثلاثيات:

أولاً: الأشخاص الثلاثة

1- المداين: مصطلح تجاري استخدمه الرب ليصور لنا الدرس الذي يريدنا أن نفهمه؛ فالمداين شخص يُقرض الناس ما يحتاجونه نظير فائدة.  والرب يسوع يشبِّه نفسه بالمداين، فهو الذي يعطي الكل كل شيء، وكل ما بين أيدينا هو منه، وهو الذي يسامح الكل بكل شيء، بشرط أن نأتي نادمين تائبين معترفين كالمرأة الخاطئة.

2- المدين بخمسين (كالفريسي): شخص مُعتّز بذاته، شاعر بوقاره وصلاحه، لا يعطي اهتمامًا بوجود الرب في بيته أو حياته ولا يصغي جيدًا لكلامه.  وعندما يرى الآخرين (كالمرأة الخاطئة) يظن أنه، وإن كان خاطئًا، لكنه ليس مثلهم؛ فهم يفوقونه بعشرة أضعاف في خطاياهم وما يفعله شيء ضئيل.  وهو لا يدري – وأرجو، عزيزي القارئ، أن تنتبه لذلك – أنه لا يوجد درجات أو ألوان في الخطية.  فالشعور بشيء من البر أو الصلاح هو خطية تتساوي في ميزان الله مع خطية هذه المرأة.


3– المدين بخمسمئة (كالمرأة الخاطئة): إنسانة علمت أنها خاطئة وشعرت بخطاياها الكثيرة.  وإذ علمت بوجود الرب دخلت بلا دعوة، تسبقها دموعها التي كانت أقوى من كلماتها؛ فالوجه الذي تملأه المساحيق امتلأ بالدموع، والشعر المليء بالضفائر المزينة تحول إلى منشفة لقدمي السيد، والعيون التي كانت مخرج للخطية والنظرات الشريرة تحولت لينبوع من دموع التوبة والرجوع.  أحبت الرب كثيرًا لأنها وجدت فيه الغافر والمسامح المُحِب للعشارين والخطاة.  جاءت من وراءه - كما تتصرف الخادمات - ليسدِّد دينها بنعمته ويملأ احتياجها بغناه.

ثانيًا: الأسئلة الثلاثة

1- أيهما يكون أكثر حبًّا له؟  قصد الرب بهذا السؤال أن يصحِّح لسمعان أفكاره ونظرته لنفسه وللرب وللآخرين.  فمحبتنا للرب يجب أن تكون من كل القلب.  وبقدر ما نذكر ماضينا وكَمِّ الخطايا التي غفرها الرب لنا، بقدر ما نحب الرب أكثر من أي شيء.

2- أتنظر هذه المرأة؟  هل رأيت ما فعلته يا سمعان؟  ليتك كنتَ فعلتَ مثلها وأدخلتني بيتك لا لتقدم لي بل لتأخذ مني.  أيضًا للسؤال معنى آخر: لا تنظر لكونها خاطئة، بل انظر لدموعها وتوبتها ومحبتها!  أنت أظهرتَ شيئًا من كرم الضيافة الخارجية، وهي أظهرت كل محبتها القلبية.  وأنا أنظر لا إلى العين بل إلى القلب.  وليتنا نتعلم نحن أيضًا هذا الدرس فلا ننظر لعيوب الآخرين، ولا نلوم الغيورين في إيمانهم ومحبتهم للرب كما فعل التلاميذ في انتقادهم لمريم عندما سكبت الطيب على قدمي الرب، بل نجتهد أن نرتقي لهذا المستوى من المحبة والخدمة والتكريس للرب.

3- من هذا الذي يغفر خطايا أيضًا؟  سؤال المتكئين في بيت الفريسي - وهم في الغالب فريسيون نظيره - وبالتأكيد يحفظون قول داود: «باركي يا نفسي الرب... الذي يغفر جميع ذنوبك» (مزمور103: 2، 3).  فبدلاً من أن يعرفوه يتجاهلوه.  وفي مكان آخر يتهمونه بالتجديف عندما قال للمفلوج: «يا بُنَي مغفورة لك خطاياك» (مرقس2: 5-7).

ثالثًا: البركات الثلاث

1- الغفران: «مغفورة لك خطاياكِ».  نطق الرب يسوع بهذه العبارة مرَّتين؛ هنا لامرأة وفي مرقس2 لرجل.  فالمسيح يقدِّم الغفران للجميع.  ومهما كانت خطاياك: «مسامحًا لكم بجميع الخطايا»، ومهما كان لونها: «إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج.  وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف» (إشعياء1: 18).  وأرجو أن تلاحظ، عزيزي القارئ، ما قاله المسيح للرجل في مرقس2: «إن لابن الإنسان سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا»؛ فسلطان الغفران في يده وحده لأنه دفع ثمنه على الصليب.  والغفران على الأرض فقط، لأن المؤمن في السماء لن يخطئ، والخاطئ في الجحيم لا غفران له.


2- الخلاص: نناله بالإيمان فقط: «له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا».  والمسيح وحده المُخَلِّص: «وليس بأحد غيره الخلاص» (أعمال 10: 43؛ 4: 12).

3- السلام: أتت للمسيح خاطئة، نجسة، خائفة، لكنها ذهبت بطمأنينة، وأمان، وسلام، لا خوف من ماضٍ يطاردها، أو مستقبل مجهول ينتظرها، إنها في يد فاديها ومُخَلِّصها.  هل تريد أن تختبر السلام الحقيقي؟  تعالَ للمسيح!

رابعًا: ثلاثة أدلة على لاهوت المسيح

1- يعرف الأفكار: تكلم الفريسي في نفسه وشك أن يكون المسيح نبيًّا لأنه ترك المرأة الخاطئة تلمسه، فعلم المسيح ما يدور في أفكاره.  فمن هو هذا؟  هل هو إنسان؟  هل هو نبي؟  أم إنه الرب الإله الذي قال له المرنم: «أنت عرفتَ جلوسي وقيامي.  فهمتَ فكري من بعيد...» (مزمور139: 2–4).

2- المُخَلِّص: لا إنسان ولا نبي ولا ملك يعطي الخلاص للآخرين.  وإليك الدليل: «لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده» (مزمور146: 3).  فمن هذا الذي يعطي الخلاص؟  أليس هو الله الذي قال: «أليس أنا الرب ولا إله آخر غيري؟  إله بار ومُخَلِّص ليس سواي.  التفتوا إليَّ واخلصوا يا جميع أقاصي الأرض لأني أنا الله وليس آخر!» (إشعياء45: 21، 22).

3- غافر الخطايا: كل الناس – بما فيهم الأنبياء – اخطأوا.  ولكن وجد بينهم شخص ليس فقط لم يخطئ بل يغفر الخطايا، فمن يكون هذا؟  أليس هو الرب الذي قال عن نفسه لموسى: «غافر الإثم والمعصية والخطية»، ثم قال له موسى: «اغفر إثمنا وخطيتنا»؟ (خروج34: 6–9).