سنتأمل في هذا العدد في مثل فريد وبسيط يفهمه الطفل الصغير ويغوص في عمقه الرجل الكبير. تكلم به الرب في حوار مع إنسان ناموسي جاء في ظاهره ليسأل، وفي باطنه ليجرِّب الرب. مثل لا يستخدم الرب فيه التشبيهات والرموز - كالعادة - بل يحكي فيه مجريات الحوادث.
شخصيات المثل: 1- الناموسي، 2- الإنسان النازل، 3- الكاهن واللاوي، 4- السامري الصالح
1- الناموسي وسؤالان
س1: ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ سؤال نفهم منه:
- أنه وصل لنهاية مجهوده، وللآن لم يعمل شيئًا يضمن له الحياة الأبدية. ولكونه يسأل عن الحياة فهو شخص ميت. وهنا أصاب الهدف.
- الحياة الأبدية لا نرثها بالأعمال بل نمتلكها بالإيمان: «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله» (يوحنا3: 36). أيضًا: «إذًا لست بعد عبدًا (يعمل بأجر) بل ابنًا وإن كنت ابنًا فوارث لله بالمسيح» (غلاطية4: 7). والناموسي أراد أن يرثها بالأعمال. وهنا انحرف عن الهدف.
ومن إجابة الرب على السؤال: «افعل... فتحيا» نفهم:
- أن الميت لا يستطيع أن يفعل شيئًا بل يحتاج أولاً للحياة. وهنا نرى عجز الإنسان.
- لم يقل له: افعل فترث، بل فتحيا؛ أي حياة على الأرض فقط: «الإنسان الذي يفعلها (أي وصايا الناموس) سيحيا بها» (غلاطية3: 12). وهذا أقصى ما يعطيه الناموس، إن حفظه أحد: حياة على الأرض. وهنا نرى عجز الناموس.
س2: من هو قريبي؟ هو يحفظ الناموس الذي يوصي بمحبة الرب ومحبة القريب كالنفس. وفي سؤاله اعتراف بعدم محبة قريبه لأنه لا يعرفه. والكتاب يعلِّمنا أن من لا يحب قريبه لا يحب الرب أيضًا: «إن قال أحد: إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب. لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره» (1يوحنا4: 20). ويعلمنا أيضًا إن من يحب الرب لا يجربه: «فتحب الرب إلهك... لا تجربوا الرب إلهكم» (تثنية6: 5، 16). ولأنه جاء ليجرب الرب، فبالتالي هو لا يحبه. بل وأثبت أنه واحد من أبناء إبليس الذي سبقه وجرب الرب (لوقا4: 2).
2– الإنسان النازل:
لم يعلن الرب هويته ليوضح لنا هذه الحقيقة: «الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية... ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى» (غلاطية3: 22، 28). أيضًا: «ليس بار ولا واحد. ليس من يفهم. ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معًا» (رومية3: 10–12). إنها قصة كل الجنس البشري في انحداره بعيدًا عن الله والشركة والعلاقة معه إلى أباطيل العالم وشره، فأوقع نفسه بين يدي إبليس وملائكته فصار عريانًا ومُجَرَّحًا وميتًا بالذنوب والخطايا: «كل الرأس مريض وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة بل جرح وأحباط» (إشعياء1: 5، 6).
3– الكاهن واللاوي
كان للكهنة واللاويين مكان في أريحا يقضون فيه وقتهم بعد انتهاء نوبة خدمتهم في الهيكل. وهنا أعطاهم الرب فرصة ليصنعوا الإحسان لإنسان يحتاج للمساعدة وهم خدام الناموس والقريبين من مسكنه والذين يقدمون الذبائح عن الشعب. وكيف لا والناموس أوصاهم: «إذا صادفت ثور عدوك أو حماره شاردًا ترده إليه. إذا رأيت حمار مُبغضِك واقعًا تحت حمله وعدلت عن حَلِّه فلا بد أن تَحِل معه» (خروج23: 4، 5). ولنتخيل ما حدث: يسمع صاحبنا المطروح المجروح صوت وقع أقدام تقترب منه وجاهدًا يتجه ببصره إلى مصدر الصوت وكم فرح عندما أبصر القادم. “إنه كاهن!” هكذا صاح وقال لنفسه: جاءتك الحياة من الموت والشفاء من الداء. ولكن كم كانت صدمته إذ لم يأخذ من الكاهن سوى نظرة تَشَفٍّ واشمئزاز. وكانت الصدمة أقسى عندما تكرر الموقف من اللاوي. صديقي، هذه هي الديانة البشرية الاسمية والتي تخلو من الرحمة والشفقة. وهذا هو الناموس الذي جاء أولاً ولم يكن فيه القوة اللازمة للشفاء أو الإحياء، بل كان هو الأشعة التي أظهرت السرطان في الإنسان انتظارًا لمجيء الطبيب العظيم لعلاجه.
4– السامري الصالح
كان اليهود يكرهون السامريين ويحتقرونهم ولا يتعاملون معهم. وشبَّه الرب نفسه بالسامري ليقول لليهود إن من تكرهونه يحبكم، ومن لا تنتظرون منه أي عون يقدِّم كل العون عكس الآخرين، حتى وإن كانوا رجال دين. لقد قيل عن المسيح: «مُحتَقَر ومخذول من الناس» (إشعياء53: 3). وقال له اليهود: «ألسنا نقول حسنًا إنك سامري وبك شيطان» (يوحنا8: 48). والآن لنرَ ما فعله السامري مع الإنسان، أو ما فعله المسيح معنا ويريد أن يفعله لكل إنسان:
السَفَر المحتوم: «مسافرًا»؛ المسافر دائمًا يكون أمامه هدف محدَّد بعد مسافة محددة، وفي جعبته ما يلزم لرحلته. والرب يسوع جاء من السماء للأرض وأمامه عمل الصليب.
الهدف المعلوم: «جاء إليه»، والمسيح لم يأتِ عرضًا كالكاهن واللاوي، بل «صادقة هي الكلمة ومستحقة كل قبول أن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا» (1تيموثاوس1: 15).
حنان يدوم: «رآه فتحنن». هذا هو يسوع: يتحنن على الجموع (متى9: 36)، وعلى الأرملة (لوقا7: 13)، وعلى كل من يطلبه.
العلاج المضمون: الزيت والخمر؛ هما رمز لدم جرى من كل أجزاء جسد المسيح، وآلام في جثسيماني، وموت في جلجثة.
مقام مصون: «أركبه على دابته»، والمؤمنون مكانهم الآن في السماء: «أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات» (أفسس2: 6).
غربة لا تدوم: إلى الفندق أوصله وأوصى عليه، والمؤمنون الآن في غربة ستنتهي قريبًا بمجيء الرب يسوع ليأخذنا إليه: «آتي أيضًا وآخذكم إليَّ» (يوحنا14: 3).