ليست غلطة مطبعية، بل هي كلمات في الشارع عادية، تقولها الناس بكل تلقائية، ولكن بباطنها معانٍ لها أهمية!
- سمعتها من راكب في أتوبيس وسط العشرات، البعض يترنح والآخر يتزاحم، البعض يده على ابنه والآخر على محفظته، الكل يترقب أية محطة تُنزل أي راكب. يترك الراكب كل هذا ويشعل سيجارته ببرود ويقول: لا مؤاخذة!
- سمعتها من امرأة تنشر غسيلها في الشارع (الذي لا صاحب له)، تمسك في يد “طشطها” وفي الآخرى شعر ابنتها تشده، قادني حظي للسير تحت “بلكونتها” فرحًا بملف تخرجي من الكلية... فجأة سيل من الماء يهطل عليَّ وعلى ملفي، أرفع عينيَّ من هول المفاجأة، فتترك شعر ابنتها وترد: لا مؤاخذة!
- سمعتها وأنا واقف في طابور للعيش (الذي يُسمَّى في العالم كله خبز)، فقدت الإحساس بالزمان والمكان، تتبدل عليَّ الناس وأنا أراقبهم، يأتي شخص “واصل” من آخر الطابور أمامي، فيأخذ دوري ويركل قدمي، ويقول: لا مؤاخذة!
كلمة غريبة تعبت جدًّا في معرفة ترجمة دقيقة لها، فهي تعني “لا تؤاخذني” أو “اكسكيوز مي” أو “موا” على حسب المستوى الاجتماعي، ولكن لها عندنا عشرات المعاني ونستخدمها في مئات المواقف، فيقولها الصالح والطالح، المدافع عن الحق وعن الباطل أيضًا، الذي يريد أن يقنعك بالشيء وبعكسه في نفس الوقت، ويقول لك: لا مؤاخذة!
لا مؤاخذة هي تعدٍّ
لو دقَّقت في كل مرة تسمع أذناك كلمة “لا مؤاخذة” في الشارع، للاحظت أنها دائمًا ما ترتبط بتعدي قانون ما؛ مثل مخالفة قانون المرور، أو آداب الحديث، أو ربما ما هو أكثر من ذلك، وكل هذا يدخل في إطار التعدي (بالمعنى القانوني)، أو الخطية (بالمعنى الروحي): «لأن الخطية هي التعدي، كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضًا» (1يوحنا3: 4).
ويتوقف عقاب التعدي (أو الخطية) ليس فقط على نوعه، ولكن على الشخص أو القانون الذي تعداه، فلا أنسى القصة التي ذكرتها الأهرام عن مواطن مصري مقيم في السويد، كان يقود سيارته، وتجاوز دورانًا مُعيَّنًا كان يريده، وأدرك عدم وجود ناس أو شرطة من حوله، فرجع بظهره وأخذ الدوران وارتكب الخطأ، وحين ظن أنه أفلت بفعلته، أدركه شرطي استوقفه وأعطى له 3 ورقات: الأولى بمخالفة مالية فورية كبيرة، والثانية بميعاد القضية التي أُقيمت ضده بسبب المخالفة، والثالثة باسم وعنوان طبيب نفسي مُلزَم أن يزوره أسبوعيًّا!
ولم تقف الصدمة عند هذا الحد، بل اكتملت بأسئلة الطبيب النفسي والتي كان منها: لماذا ارتكبت المخالفة؟ هل فعلتها قبل ذلك؟ هل رأيت شخصًا يفعلها وأفلت منها؟ من كان معك في السيارة؟ ألم تخجل من عائلتك وأنت تفعلها؟ هل ستفعلها لو لم توجد كاميرات تراقبك؟!
ورغم أن نفس التعدي أمر لا يستدعي الاستغراب عندنا، والجميع يُخطئ ويتعدى ويقول: “لا مؤاخذة!”، إلا إن عقوبته ثابتة ومؤكدة.
لا مؤاخذة هي مغالطة
على مر العصور والأزمان، كانت إشكالية الإنسان ليست في معرفة الخطية؛ فقد عرفها من جده آدم (تكوين3: 22)، ومن ضميره أيضًا (رومية2: 15)، وعرف أيضًا عقوبتها (رومية6: 23). ولكن الإشكالية في مغالطة الإنسان في تعريف الخطإ؛ فقد حاول الإنسان تبسيط الأمر وتغيير تعريف الخطية عنده؛ فأصبح التعدي حرية، والخطأ ضعفًا، والفجور طبيعة البشر الخطَّائين، وتم فيهم الكلام: «ويل للقائلين للشر خيرًا، وللخير شرًّا، الجاعلين الظلام نورًا والنور ظلامًا، الجاعلين المُرَّ حلوًا والحلو مُرًّا» (إشعياء5: 20).
ولكن تناسى الإنسان أنه مهما غالط نفسه وخدَّر ضميره، فالخطية تعريفها وعقوبتها ثابتة أمام الله، لأنها موجَّهة ضد الله الثابت الذي لا يتغير ولا تتغير قوانينه، «فليس الله إنسانًا فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم» (عدد23: 19)، ولذلك فلا يمكن أن يرتكب الإنسان الخطأ أو التعدي ويقول لله: “لم أكن أعرف أنه خطأ! لا مؤاخذة!”
لا مؤاخذة هي عذر
أي إنسان بعيد عن الله يعرف أنه سيأتي اليوم الذي سيستدعيه الله الديان الغاضب ليحسابه، ومع ذلك لا تهتز له شعرة ويستمر في طريقه الشرير. لماذا؟ الحقيقة أنه جاهز بكمٍّ كبير من الحجج والأعذار التي يتخيل أنها ستنقذه من يد الله القوية، بل ومن شدة اقتناعه بها يُقنع بها غيره، وأصبحت كلمة “لا مؤاخذة” له بدلاً من كلمة قبيحة للاعتذار إلى منهج قبيح للأعذار!
والمنهج معروف: لا مؤاخذة لم أسمع عنك! كذب فكلمته قريبة منك في قنوات وإذاعات ومؤتمرات ونهضات وكتب (رومية10: 8). لا مؤاخذة أنت لا تعلم كم خطاياي! كذب فهي ليست أكثر من خطايا السامرية الجنسية، وعبودية زكا للمال، ويأس وضياع اللص التائب. لا مؤاخذة قد حاولت كثيرًا وأنت لم تقبلني! كذب فالرب قَبِل كل من لمسه ومن طلبه ومن أيضًا صلبه: «من يُقبِل إليَّ لا أخرجه خارجًا» (يوحنا6: 37). لا مؤاخذة لقد تعثرت كثيرًا من الناس الذين يدَّعون البر! كذب فأنت تتحجج بهم، وسوف تُحاسَب وحدك لأنك تخطئ وحدك. وعليه، فالرد النهائي من الله: «أنت بلا عذر أيها الإنسان» (رومية2: 1)، ولا تنفع معه “لا مؤاخذة!”
عزيزي، إن كنتَ مِن هواة اختلاق الأعذار في كل شيء، أو إن كنتَ تختبر قدرة الآخر على الطيبة والمسامحة، وشعارك في كل خطإ وتعدٍّ: “لا مؤاخذة!” تأكد يقينًا أن هذه الكلمة ليست موجودة عند الله، وأن ابنه الحبيب لم يقُلها في حياته، فهو الذي «لم يفعل شيئًا ليس في محله» (لوقا23: 41)، بل وهو يدعوك أن تشاركه نفس نوعية الحياة الرائعة هنا على الأرض، ونفس الرضى الإلهي في الأبدية، وإن كنتَ لن تستطيع أن تمحو كلمة “لا مؤاخذة” من مجتمعك وحياتك الزمنية، فباستطاعة الرب يسوع أن يمحو كل تعدٍّ وكل خطية لك وإلى الأبد: «الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا»(أفسس1: 7).
لا مؤاخذة.. دي كلمة اعتذار حولتها لأعذار باخبِّي بيها أي تعدي
لا مؤاخذة.. باقولها وأنا عارف خطئي، ومجهز عذري، وبأقول يمكن عليك هاتعدي
لا مؤاخذة.. خلاص باسيب أعذاري، وأجيلك بناري وخزيي وعاري
لا مؤاخذة.. ما إنتَ دفعت الثمن، وعملت العمل، وعندك استعداد تفدي