في حوار تليفزيوني مع الرئيس الأمريكي الأسبق چيمي كارتر، سأله المحاور عن الشخصية الهامة التي أثَّرت في حياته، ودون تردد نزل كارتر عن المنصة وأخذ من الصف الأول للجالسين سيدة مُسِنة عجوز وصعد بها مرة أخرى ورفع يدها بيده وقال أمام الكاميرات: “هذه هي السيدة العظيمة التي علمتني الطريق الصحيح من الكتاب المقدس... إنها أمي!” يا للروعة!
إن واحدة من أهم الفضائل المسيحية هي إكرام الوالدين ولا سيما في الأيام الأخيرة التي فيها الأولاد «بلا حنو... غير طائعين لوالديهم» (2تيموثاوس3: 2). والغريب أن بعض الشباب في كنائسنا يسيئون والديهم ومستمرون في خدمتهم، ظانين أن الله لا يبالي، طالما هم يقدمون خدمة لله! ولهذا السبب وبَّخ الرب يسوع الفريسين: «لأن موسى قال: أكرم أباك وأمك. ومن يشتم أبًا أو أمًّا فليمت موتًا. وأما أنتم فتقولون: إن قال إنسان لأبيه أو أمه: قربان؛ أي هدية، هو الذي تنتفع به مني (أي سأقرب ما أنفقه عليكما قربانًا للرب) فلا تدعونه في ما بعد يفعل شيئًا لأبيه أو أمه (أي أنه بلا التزام تجاههما)« (مرقس7: 10-12).
لذلك، عزيزي، إنني أرفع راية التحذير عالية لضرورة وخطورة هذه الفضيلة!
أولاً: إكرام الوالدين وصية كتابية
تتخلل وصية إكرام الوالدين الكتاب المقدس كله من أوله لآخره:
- كواحدة من الوصايا العشر في أول الكتاب المقدس: «أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك» (خروج20: 12).
- يقول سليمان الحكيم: «يا ابني احفظ وصايا أبيك ولا تترك شريعة أمك» (أمثال6: 20).
- في آخر العهد القديم يقول الله مؤيِّدًا هذه الحقيقه أن «الابن يكرم أباه» (ملاخي1: 2).
- ويأتي الوحي في العهد الجديد مؤكِّدًا: «أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق» (أفسس6: 1).
ثانيًا: إكرام الوالدين وأمثلة رائعة واقعية
يقدِّم لنا الكتاب المقدس والتاريخ المسيحي التَقَوي أمثلة رائعة لشخصيات عَلَت مراكزهم وسما مقامهم، لكنهم عرفوا بحق كلمة الله؛ فأكرموا الرب ووالديهم أيضًا.
- الصبي يسوع: وهو صبي صغير حسب الجسد، ومع كونه ابن الله الذي ينبغي أن يُطاع، لكنه كإنسان قدَّم صورة رائعة لاحترام الوالدين في أسلوبه المهذَّب مع أمه: «ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي... وكان خاضعًا لهما» (لوقا2: 49).
- داود الممسوح من الله للمُلك: في وقت شدته ومطاردة شاول له، لم ينسَ أبواه... ويذكر الكتاب أنه أخذهم ليحميهم عند ملك موآب: «وقال لملك موآب: ليخرج أبي وأمي إليكم حتى أعلم ماذا يصنع لي الله. فودعهما عند ملك موآب» (1صموئيل22: 3).
- ومن الحياة العملية، شاب مُرسَل، تربَّى يتيمًا لأن أمه ماتت وهي تلده وسط الثلوج حيث كانت وحدها في الطريق للمستشفى بكوريا. وإذ أرادت الحفاظ على حياته خلعت ملابسها لتغطيه فماتت وعاش هو. ولما عرف القصة عاد مرة أخرى لكوريا ليقف أمام قبرها وفاءًا لها وخلع “چاكت” بدلته وغطّى قبرها به. وكتب عليه: “إلى من ماتت لتدفئني”! فيالروعة الشعور بالجميل والعرفان!
ثالثًا: إهانة الوالدين والعواقب المرعبة الحتمية
- كتبت جريدة الأهرام عن فتاة أهانت أمها حتى أصيبت الأم بالشلل، وفي غرفة العناية المركزة جاءت الفتاة لتسترضي أمها لكن وجدتها فارقت الحياة! وتقول الجريدة إن الفتاة المُعذَّبة تسأل عن الوسيلة لراحة ضميرها الهائج! لكن الجريدة أجابتها قائلة: “يا بنتي لقد زرعتِ بالأمس شقاوة واليوم تحصدين مرارة... لن يهنأ لك منام ولن يحلو لك طعام!” فذهبت الفتاة وانتحرت!
- وتقول الشريعة في القديم عن الابن المارد: «ابننا هذا معاند ومارد لا يسمع لقولنا... فيرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت» (تثنية21: 18).
- ويقول سليمان الحكيم: «من سَبَّ أباه أو أمه ينطفئ سراجه في حدقة الظلام» (أمثال20: 20)، وأيضًا: «العين المستهزئة بأبيها والمحتقرة إطاعة أمها تقوِّرها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر» (أمثال30: 17).
فحذارِ يا أحبائي الشباب من إهانة والديكم ومحاولة خداع ضمائركم بالخدمة والأنشطة الروحية التي تصبح مرفوضة تمامًا أمام الله، فتوقِعوا بأنفسكم تحت طائلة القضاء الإلهي الزمني والأبدي. فهل نتوب اليوم عن هذه الخطية؟
رابعًا: إكرام الوالدين والمكافآت الإلهية السخية
- يوسف الذي أكرم أباه وأطاعه وهو فتى صغير (تكوين37)، وأيضًا وهو أمير على أرض مصر فدخل بأبيه أمام فرعون ولم يخجل منه، واعتنى به حتى آخر حياته (تكوين47: 12)، واهتم به وهو مريض (تكوين48: 1)، وأكرمه في مماته (تكوين50: 1). لذلك نقرأ عن سيل البركات التي أخذها يوسف أكثر من إخوته: «بركات السماء من فوق وبركات الغمر الرابض تحت... تكون على رأس يوسف وعلى قمة نذير إخوته» (تكوين49: 25، 26).
- وعن الإكرام الإلهي بحياة هنية، يقول الكتاب: «أكرم أباك وأمك. التي هي أول وصية بوعد: لكي يكون لكم خير وتكونوا طوال الأعمار على الأرض» (أفسس6: 3).
- والصورة الأعظم هي للابن الوحيد، الرب يسوع المسيح، الذي أكرم الآب فقال مرة: «لكني أُكرم أبي...» (يوحنا8: 49)، فأكرمه الآب: «الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده» (يوحنا3: 35)، بل أعطاه اسمًا فوق كل اسم.
أحبائي، فضيلة مسيحية رائعة نحن في حاجة أن نتعلمها فنكون بحق أولاد الطاعة، بل نتمم واحدة من وصايا إلهنا الهامة: «أكرم أباك وأمك»، وأيضًا نترفق بوالدينا الذين تعبوا من أجلنا. ولنحذر إهانتهم لأن الأمر جاد وخطير، والحياة زرع وحصاد؛ فالابن اليوم هو أب غدًا... ولا ننسَ القول الإلهي: «أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق»!