يقولون إن “الابتسامة مصيدة القلوب”، و“من لا يعرف كيف يبتسم ينبغي أن لا يفتح متجرًا”، و“الابتسامة لا تكلف شيئًا لكنها تعني الكثير”. ففيها سحر خاص يجعلك قريبًا من قلوب الآخرين ومقبولاً لديهم. لذا تجد المتخصصين في شركات الدعاية والإعلان أو العلاقات العامة يعتبرون الابتسامة من الأساسيات في عملهم وسببًا في نجاحهم. ونسمع يومًا بعد يوم الكثير عن الفوائد الصحية للابتسامة، فهي تحرك كل عضلات الوجه بينما العبوسة تحرك القليل من تلك العضلات مما يؤدي إلى ظهور أعراض الشيخوخة المبكرة على وجه كل عابس، أما المبتسم فتعلو وجهه ملامح النضارة والشباب.
كل هذه الأفكار دارت برأسي حينما قابلت أخًا فاضلاً من الصعب جدًّا أن تراه يومًا غير مبتسم، حتى إنك لأول وهلة قد تتخيل أن الابتسامة جزء من تكوين وجهه، بل كدت أصدق أن هذه هي ملامحه الطبيعية لأنني لا أجده يعاني في رسم الابتسامة على وجهه صباحًا ومساءً، سواء في عمله أو في أثناء الاجتماعات الروحية وكذلك في حديثه مع كل من يقابله. وبعد طول تفكير وبحث، قرَّرت أن أسأله مباشرة في الأمر، وبالفعل انتهزت فرصة وجودي معه يومًا وسألته قائلاً: “أخي الحبيب أنت تتمتع بصفات رائعة لكن أروع ما فيك ابتسامة وجهك الدائمة.” فوجدت ابتسامته المعتادة تزداد اتساعًا وجمالاً وهو يقول: “أشكرك”. فسارعت بالقول: “هذه ليست مجاملة إنها الحقيقة. هل هذه هي طبيعتك أم أنك تقصدها؟”. قال لي وما زالت طبعًا الابتسامة تعلو وجهه: “لا، لم تكن طبيعتي بل لها قصة حدثت معي منذ عدة سنوات... ففي أثناء حضوري أحد المؤتمرات وبعد الخدمة رُنِّمت ترنيمة رائعة كانت تقول:
كم أناس يطلبون ابتسامًا لا ذهب
ونفوس في إنحناء تحت وطأة التعب
يحتاجوا كلمة تخفف الآلام
كذا محبة وليس للملام
وفي أثناء سماعي لهذه الترنيمة تأثرت بشدة وشعرت بمعنى ومقدار الابتسامة في وجه كل مُتعَبٍ متألم من ثقل خطاياه. ومن ذلك اليوم قرَّرت أن أبتسم، بل واعتبرت الابتسامة جزءًا من خدمتي لسيدي الحبيب الرب يسوع المسيح أمام العالم الذي لا يعرف معنى الابتسامة والسعادة الحقيقية.”
انتهى حديثي مع ذلك الأخ المحبوب وتركته وأنا لا أعلم أن الابتسامة كانت تعلو وجهي دون أن أدري. لأنه -كما يقولون - الابتسامة عدوى، ويا لها من عدوى جميلة!
وعلى العكس من القصة السابقة، يُحكَى عن مريض ذهب لطبيب الأمراض النفسية وفور دخولة لغرفة الطبيب ابتدره بالقول: “سيدي الطبيب، أنا أعاني من مرض غريب أرجو أن تعرف له علاجًا”. فسأله الطبيب: “وما هو هذا المرض؟” قال له المريض: “إنني أعاني من عدم الشعور بالسعادة ولا أعرف كيف يكون الضحك من القلب!” وهنا عَلَت وجه الطبيب ابتسامة واسعة وقال له بكل ثقة: “أَبشِر! مرضك له علاج فعَّال وأكيد؛ ففي شارع (...) في منطقة (...) يوجّد ممثل قدير يقوم كل يوم بأداء أدوار كوميدية من خلال مواقف غاية في الطرافة، وما عليك إلا أن تذهب لحضور مسرحياته وستجد نفسك في غاية السعادة والفرح ولن تزول الضحكة من على وجهك.” توقع الطبيب أن يخرج ذلك المريض من عيادته لكي يلحق بموعد المسرح، لكنه فوجئ به ما زال واقفًا، بل والغريب أنه وجد الدموع تنساب من عيني ذلك المريض. فسأله: “ماذا بك؟” قال له المريض بصوت مرتعش والدموع تملأ وجنتيه: “أنا ذلك الممثل الشهير الذي يُضحِك الجميع لكنه لا يعرف كيف يضحك... للأسف أنا لا أعرف معنى السعادة الحقيقية رغم أن القاعة تضج بالضحك كل يوم بسببي، ولا أعرف طعم الابتسامة الحقيقية رغم أنني أبتسم في وجه الجميع وأجعل الابتسامة تعلو وجوههم فور لقائي بهم! أنت لم تستطع وصف العلاج المناسب لحالتي!” وترك الغرفة وهو يجر أذيال الخيبة تاركًا وراءه الطبيب وقد عَلَت وجهه كل علامات الدهشة.
قارئي الفاضل، إنها حقيقة هامة جدًّا ليتنا ندركها جميعًا أن العالم اليوم لا يعرف معنى الابتسامة الحقيقية. وإذا رأيت شخصًا مبتسمًا فكثيرًا ما تكون هذه الابتسامة هي غطاء يحاول به إخفاء ما في داخله من تعب وضيق وألم شديد، وإذا اقتربت منه وتحدثت معه قليلاً لوجدت الابتسامة تتلاشى لتحل محلها ملامح اليأس والضيق والحزن. نقرأ في سفر الأمثال: «أيضًا في الضحك يكتئب القلب» (أمثال14: 13). فكثيرًا ما نجد العالم من حولنا يضحك لكنه، وفي نفس اللحظة، يعاني من اكتئاب داخلي يملأ القلب! و«فرح الفاجر إلى لحظة» (أيوب20: 5). لا تنخدع بالابتسامة الزائفة التي تعلو الوجوه؛ فإنها تخفي مرارًا ويأسًا ينخر في القلوب والصدور وينهش في الأعماق!
أما الفرح الحقيقي فليس هو المرتسم على الشفاه، لكنه النابع من القلب الفرحان و«القلب الفرحان يجعل الوجه طَلِقًا» (أمثال15: 13). فحينما ترى شخصًا لا يبتسم فقط لكن وجهه كله ينطق بالسعادة والفرح؛ فاعلم أن هذه هي السعادة الحقيقية النابعة من القلب، وهذه لا تصدر إلا من قلب يملؤه المسيح ويملك كل ركن من أركانه.
والعالم اليوم يحتاج لابتسامة صادقة تُعلن عن تمتعك بالفرح الحقيقي الذي يعطيه الرب للقلوب عندما يرد سبيها ويملؤها سلامًا وحرية «حينئذ امتلأت أفواهنا ضحكًا، وألسنتنا تَرَنُّمًا» (مزمور126: 2). فالقلب لا يعرف معنى الفرح إلا في معرفته بإلهنا الحبيب الذي به «تفرح قلوبنا» (مزمور33: 21)، والنفس لا تعرف طعم السعادة إلا فيه وحده كما قال المرنم: «أما نفسي فتفرح بالرب وتبتهج بخلاصه» (مزمور35: 9).
فإن كنا نتمتع بالحب العظيم والفداء الكريم والرعاية الكاملة من ربنا الغالي المحبوب، فما الذي يمنعنا من الابتسام؟ دعنا إذًا نبتسم ابتسامة لا يعرفها العالم ودعهم يسألوننا عن سبب هذه الابتسامة المختلفة وسبب الرجاء الذي فينا (1بطرس3: 15)! دعهم يرون فينا يسوع! دعهم يروننا فرحين بالرب كل حين (فيلبي4: 4)! دع أحزانهم تذوب في ابتسامتنا وأثقالهم تزول بمعرفتهم سرها! وليتنا لا ننسى قول المرنم: “كم أناس يطلبون ابتسامًا لا ذهب!” فالمحتاجون لابتسامتنا كثيرون جدًّا من حولنا وهم لا يطلبون منا شيئًا إلاها فنمنحهم أملاً في الحياة وفي غد أفضل وحياة أروع مع المسيح. دعنا نُريهم بابتسامتنا سلامًا لا يعرفونه فيشتاقوا لمعرفة سر ابتسامتنا الدائمة النابعة من قلوب مسبية بحب الفادي! نعم إنها دعوة للابتسام!