المعنى في بطن الشارع! ليست غلطة مطبعية، بل هي كلمات في الشارع عادية، تقولها الناس تلقائية، ولكن بباطنها معانٍ لها أهمية!
دسمعتها من شاب يريد خطبة فتاة، يجلس أمام والدها يتصبب عرقًا، يسأله والدها في وداعة “مؤقتة”: “عندك شقة؟” فيجيب: “بادوَّر”، “معاك فلوس؟” فيرد: “باحوِّش”، “عندك شغل ثابت؟” “بأقدِّم”؛ فتنقشع الوداعة عنه فجأة ويقول: “إذًا على أي أساس تطلب ابنتي؟” فيرد الشاب بخوف: “على باب الله!”
سمعتها من موظف “أمين”، لا يقبل الرشوة “الحرام”، بل يقبل الرشوة الحلال، لا يتمِّم عمله إلا بعد أن يأخذ “الشاي” ويشرب كوب الشاي! وعندما تعترض عليه، يقول لك: “على قد فلوسهم يا بيه، ما إحنا كلنا على باب الله!”
سمعتها من كثيرين وكثيرات، قد تكون مقبولة عندما تُقال تعبيرًا عن طلب أبواب الرزق، ولكنها غريبة عندما تصف العلاقة الروحية الأبدية بين الإنسان وخالقه؛ فأي باب، في أي مكان، مصنوع ليصل بين مكانين، فالطبيعي أن تكون داخله أو خارجه، ولكن أن تظل على الباب دون الدخول أو الخروج منه فهذا هو غير الطبيعي، ولكن للأسف هذا هو الحادث من كثيرين وهم “على باب الله”.
“على باب الله” هي تاريخ
منذ خروج الإنسان من الجنة بعد سقوطه في الخطية (تكوين3) وهو في مُعضلة كبيرة: هو يشتاق إلى الله ويَحِن لأيام الجنة، ولا يعرف كيف يرجع له؛ وفي نفس الوقت يحب الخطية، ولا يريد أن يتركها. وبعد محاولات عديدة وجد الإنسان حلاًّ لمعضلته، فلن يكون خارج الباب ولا داخله، بل
“على باب الله!”
وطوال التاريخ كان هذا الوضع مريحًا للإنسان أكثر من التزام الحياة مع الله، وأيضًا من هيجان ضميره الذي لا يتوقف. وأقنع الإنسان نفسه أنه أقرب واحد إلى باب الله حيث خلاصه ورحمته. وربما هذا يفسر عدة ظواهر غير مترابطة أصبحت سائدة في عصرنا هذا؛ مثل وضع الكتاب المقدس بجوار مكان النوم أو في السيارة “بركة تحمي العربية”. وأيضًا ظاهرة ارتفاع أسعار الشقق السكنية بجوار الأماكن التي يُظَن أنها مقدسة. وظاهرة تشغيل الشرائط والقنوات الدينية في أوقات الضيق والمرض. كل هذا ليس بدافع حبٍّ قلبي لله، ولكن تَحَسُّبًا من أن يأتي الموت فجأة للإنسان وهو بعيد عن الله، ورغم أنه يعلم بخطيته ومصيره في الجحيم الأبدي، إلا إنه بهذه الظواهر يحاول أن يكون “على باب الله”. فهل ينجح؟!
“على باب الله” هي خدعة
لا أعرف خدعة سيطرت على ملايين البشر وأهلكتهم أبديًّا أكثر من خدعة “على باب الله”، فالإنسان يريد أن “يضحك” على الله ويخدعه. يعرف أنه شرير وسيذهب للجحيم، ولكنه في نفس الوقت “لا يقطع رقاب الملائكة”. وبالتالي فهو أقرب الأشرار من باب التوبة والغفران. قالها لي شخص صراحًة: “أنا لن أتوب الآن، بل قبل ما أموت سأنطق بسرعة: اللهم ارحمني أنا الخاطي، مثلما فعل العشار واللص، وبذلك أكون قد فزت بالاثنين معًا: الدنيا والآخرة!”
ويبدو أن إبليس نشر هذه الخدعة في الأجيال الجديدة، ففي إحدى المرات كُنَّا نسأل أطفال مدارس الأحد بعد حكاية الغني ولعازر: “ها يا أولاد تحبوا تكونوا زي لعازر ولا زي الغني؟” فرد أحدهم بذكاء: “يا أستاذ، أحب أكون غني هنا على الأرض ولعازر في السما!” وهنا تأكدت أننا أمام أجيال صاعدة لا هي داخل الباب ولا خارجه، بل هي “على باب الله!”
ولكن على الإنسان أن يتأكد أنه إذا خدع نفسه ومَنْ حوله، فلن يستطيع أن يخدع الله، فهو الذي «لا يُشمَخ (يُضحَك) عليه» (غلاطية6: 7). وبفرض أن الإنسان عَلِم ساعة موته ومكانه (وهذا مستحيل)، فهل سيعلم حالة قلبه وقتها، ورد فعل الله عليه؛ فهو الذي «يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح» (رؤيا3: 7).
“على باب الله” هي مفاجأة
إليك، عزيزي القارئ، مفاجأة مكونة من ثلاثة أجزاء:
أولها أن الله ليس له باب موجود في مكان أو زمان مُعَيَّن! صحيح أنه في العهد القديم كان هناك رموز له؛ مثل باب الفُلك (تكوين6: 16)، أو باب خيمة الاجتماع (خروج27)، أو «باب السماء» كما دعاه يعقوب (تكوين28: 17)، لكن الآن لا.
الجزء الثاني من المفاجأة: أن الله اعتمد بابًا واحدًا يؤدِّي إليه! إنه شخص المسيح الذي قال عن نفسه: «أنا هو الباب، إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مَرعًى» (يوحنا10: 9). لاحظ أنك يجب أن تدخل لا أن تظل واقفًا على الباب.
أما الجزء الأخير من المفاجأة: أنك أنت بذاتك تحوي بابًا لقلبك، وأن الرب يسوع المسيح شخصيًّا واقف عليه كما قال بنفسه: «هأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي» (رؤيا3: 20).
عزيزي القارئ، ما أغرب موقفك! فها أنت “على باب الله” من سنين، وتظن أنه لا يريد أن يفتح لك، وحين يفتح لا تدخل! لكن أَبشِر فها هو الله شخصيًّا هو الذي يقف على بابك، هل ستتركه هكذا؟ ربما يقرع بهدوء (ظروف مريحة)، أو بشدة (ظروف صعبة)؛ لكن في كلتا الحالتين هو يريدك فقط أن تفتح له قلبك، وتأخذ القرار أن تدخل من الباب لا أن تقف خارجه؛ وإلا سيأتي يوم سيقف فيه مليارات البشر (وأنت منهم) على باب الله آملين في دخوله، ولكن بعد فوات الآوان فقد «أُغلق الباب» (تكوين25: 10)، وبطلت مقولة “على باب الله”!
على باب الله
من زمان وأنا واقف على بابك، لا أنا خارج ولا داخل
على باب الله
حاولت أخدعك وأعيش هنا وأكسب هناك، وطلع دا فكر باطل
على باب الله
وأتاريك إنت بتخبط على باب قلبي، وأنا غافل
على باب الله
اتفضل ادخل ودخَّلني معاك من بابك، ومَشِّيني في طريقك الكامل