مثل الفريسي والعشار

« وَقَالَ لِقَوْمٍ وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ، وَيَحْتَقِرُونَ الآخَرِينَ هذَا الْمَثَلَ: إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى الْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَالآخَرُ عَشَّارٌ. أَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هكَذَا: اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ. أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ» (لوقا 18: 9-14).

أمامنا واحد من الأمثال التي تُكلِّمنا عن نعمة الله التي تخلِّص وتبرِّر الخاطئ فقط عندما يعترف بخطاياه ويتركها ويطلب رحمة الله وغفرانه.  وقد تكلم الرب بهذا المثل لقوم واثقين بأنفسهم أنهم أبرار ويحتقرون الآخرين.

الظاهري والجوهري
يتميز إنجيل لوقا بالثنائيات التي نراها ظاهريًّا بلا فارق، ولكن بينها فارق جوهري مثل: المديونان (ص7)، والابنان (ص15) والمذنبان (ص23).  وفي مثلنا إنسانان.  هناك أوجه تشابه في الظاهر: كلاهما في الأصل إنسان، وفي ذات المكان (الهيكل)، والاثنان يصليان.  أما في الجوهر فهناك اختلاف كبير.  فالوجود في مكان العبادة ليس دليلاً على الإيمان، ولا واسطة لنوال التبرير والغفران.  وليس كل من يصلي ويقول: يا رب، يدخل ملكوت السماوات.

الفريسي
هو واحد من جماعة دينية يهودية تحفظ الشريعة وتعلِّمها للشعب.  ولأنهم يهتمون بالمظهر دون الجوهر لذلك امتلأ قلبهم بالكبرياء والافتخار وطلب المجد والكرامة من الناس.  ولكن الرب العارف القلوب شبَّههم بالقبور المبيَّضة.  مظهر خارجي لامع وجوهر داخلي فاسد.

والآن لنتأمل في صلاتهما:

صلاة إنسان رفع نفسه
1- دخل الهيكل لا ليتكلم مع الله، بل ليتباهى بصفاته الأخلاقية والدينية.  وبدلاً من أن يَزِن نفسه بموازين الله ليرى مدى شروره ومعاصيه، قارن نفسه بالآخرين وافتخر بأنه أفضل منهم.

2- الكبرياء الدينية المرتبطة بالأصوام والصلوات والصدقات جعلته يحسب نفسه أفضل من جميع الناس، بل وينتقد فيهم الشرور والخطايا.  لا تنسَ أن الكبرياء هي التي قادت الشيطان ليفقد مركزه كرئيس ملائكة.  ولا تنسَ أن الله يقاوم المستكبرين.

3- في كل صلاته لم يطلب من الله شيئًا، فهو - في نظر نفسه - من الأصحاء فلا يحتاج إلى طبيب، ومن الأبرار فلا يحتاج إلى التوبة (متى9: 12 ،13)، فلذلك لم يَنَل شيئًا.  فهو صعد ليصلي ولكن ليس لله بل ليمجِّد نفسه ويدين غيره.

4- هو من صلّى أولاً وصلاته الأطول.  وأحيانًا كثيرة نجد أن الجسد والجسدي هو المِقدَام في الأمور الدينية؛ كقايين الذي قدَّم أولاً، وكان قربانه في الحجم أكبر من قربان هابيل ومع ذلك رُفِض.

5- لم يقف من بعيد، بل دخل الهيكل واقترب من المَقدِس مُعتَمِدًا على بِرّه، فهو من الذين يجهلون بر الله ويطلبون بر أنفسهم (رومية1: 3).  ولأنه كان يصلي لنفسه فلم تُسمَع صلاته: «فحين تبسطون أيديكم أَستُر عيني عنكم، وإن كثَّرتم الصلاة لا أسمع.  أيديكم ملآنة دمًا.  اغتسلوا، تنقوا، اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني، كُفُّوا عن فعل الشر» (إشعياء1: 15، 16).

6- كيف لا يُصاب بالكبرياء والناس يدعونه «سيدي سيدي» (متى23: 7)، وهو مُدَقِّق جدًّا في تنفيذ الشريعة ومُعَلِّم للآخرين، وأجلس نفسه علي كرسي موسى (متى23: 2)، وينتمي لمذهب عبادة أضيق (أعمال26: 5)؟!

صلاة إنسان وضع نفسه
1- شعر أنه ليس أهلاً أن يكون في هذا المكان، وليس أهلاً أن يخاطب الله.  فلذا نراه يعترف ليس أنه أحد الخطاة بل هو “الخاطئ”.

2- وقف من بعيد إذ رأى أنه ابن آدم الذي طُرد من الجنة بعيدًا عن محضر الله بسبب الخطية.  وهو في الخارج طلب الرحمة التي تقوده للداخل: «أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك.  أسجد في هيكل قدسك بخوفك» (مزمور5: 7).

3- قبل أن يطلب الدواء أشار إلى موضع الداء: «قرع على صدره»، وكأنه يشير إلى نبع النجاسة لأن «القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه» (إرميا17: 9)، ويعترف بنجاسته: «لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة: زني فسق قتل سرقة طمع خبث مكر عهارة عين شريرة تجديف كبرياء جهل.  جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان» (مرقس7: 21-23).

4- كانت صلاته قصيرة كصلاة اللص المصلوب، ولكنها خارجة من قلب مُتَّضع ومُنسَحِق، فصعدت إلى السماء وفي الحال نزلت الاستجابة رحمة ونعمة وتبرير وإيمان . فقد صلي  لإله سخي يعطي أكثر مما نطلب أو نفتكر.

دروس للنفوس
1- يوجد حق أعلنه الله: «إذ الجميع أخطأوا» (رومية3: 23)، فهل تصدّقه؟  ويوجد خطاة مرائون وخطاة معروفون ومعترفون.  وأنت: مَن مِن الاثنين؟

2- سأل أيوب قديمًا: «كيف يتبرر الإنسان عند الله؟» (أيوب9: 2).  والله أعلن في الكتاب المقدس: «وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرر الفاجر فإيمانه يُحسَب له برًّا» (رومية4: 5).  وأنت: هل نِلتَ التبرير؟ أم تحاول الحصول عليه بصلوات محفوظة وأصوام مفروضة وعشور مطلوبة؟

3- من ظن أنه الأقرب والأجدر بالدخول خرج كما دخل، ومن وقف بعيدًا صار قريبًا.  هل تعرف كيف؟  «ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح» (أفسس2: 13).  فأين أنت الآن؟

4- في هذا المثل يعلِّمنا الرب كيف نصلي: بانسحاق وليس بكبرياء.  وفي لوقا18: 1 يعلِّمنا متى نصلي: كل حين وليس في توقيت محدد.  وفي 1تيموثاوس2: 8 يعلِّمنا أين نصلي: في كل مكان وليس في أماكن محددة.  وفي مزمور65: 2 يعلمنا لِمَن نصلي: لسامع الصلاة وحده.  وأنت: فهل تصلي؟

5- تكرار الكلام الكثير مع الرب أو عنه ليس دليل الإيمان الحقيقي.  فقد قال الرب: «ليس كل من يقول لي: يا رب، يا رب، يدخل ملكوت السماوات...  كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب، يا رب، أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة.  فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط!  اذهبوا عني يا فاعلي الإثم!» (متى7: 21-23).  وكلمة “الرب” تعني “السيد” الذي يستلم الحياة ويديرها كيفما يشاء.  فهل أنت كذلك؟