“ورد النيل”، كلمة نغمها جميل!
فكلمة “ورد” دائمًا تعبِّر عن الجمال والرقة واللطف والحب والمجاملة. و“النيل”، ذلك النهر الجليل، نشأنا على أنه رمز للعطاء وشريان للحياة. فإذا اجتمعت الكلمتان، فلعلهما تصنعان معنىً أروع!!
لكن مهلاً، مهلاً يا صديق! اسمع معي الحكاية أولاً ثم كوِّن رأيك، وهذا من شِيَم الكرام؛ ألا يتعجلوا في الحُكم على الأمور.
ورد النيل (الاسم السائد في منطقتنا العربية نظرًا لانتشاره في نهر النيل بطوله) واسمه بالإنجليزية Water hyacinth من العائلة النباتية Eichhornia، ويطلقون عليه أيضًا “أوركيد الماء”. وهو نبات مائي عائم في الأنهار، له أوراق بيضاوية كبيرة سميكة لامعة تطفو على سطح الماء بلونها الأخضر، وقد يصل ارتفاعها إلى متر. له عدة سيقان طويلة إسفنجية، وجذوره تتدلى لأمتار تحت الماء. يتميز بزهرة بنفسجية اللون، مخملية الملمس، جذابة المنظر.
ويُعَد ورد النيل من أكثر النباتات المعروفة على وجه الأرض في سرعة نموه وتكاثره، إذ تتضاعف كميته في خلال أسبوعين. وهو يتكاثر بأن يُخرج كل ساق عدة نباتات مماثلة للنبات الأصلي. كما ويُنتج بذورًا لها القدرة أن تبقى حية كامنة حتى 30 عامًا تنتج نباتًا جديدًا متى ما توفرت البيئة الملائمة.
ولورد النيل خطورة شديدة على الأنهار (وهو ينمو في أنهار أخرى غير النيل)، حتي يسميه البعض قاتل الأنهار! وتكمن خطورته في أنه يستهلك كميات كبيرة من المياه، فالنبتة الواحدة تستهلك قرابة ما يشربه الإنسان يوميًّا، وفي مصر وحدها يستهلك ورد النيل مليارات الأمتار المكعبة من المياه سنويًا بما يقارب خُمس استخدام سكانها مجتمعين!! كما يؤثِّر على نوعية المياه بتقليل محتواها من الأكسجين مما يخنق الكثير من الكائنات الحية النافعة بالأنهار، ويخلق بيئة مناسبة لنمو بعض الكائنات الضارة. ولكثافته فهو يحجب الشمس عن سكان النهر فيزيد الطين بلة. أضف إلى ذلك إعاقته لحركة الملاحة في النهر، وتعطيله للري بسده المجاري المائية الصغيرة، وتهديده للجسور، والكثير من الأخطار.
المعلومة الجديرة بالذكر أن الموطن الأصلي لهذا النبات هو نهر الأمازون بأمريكا الجنوبية، ومن سنوات طوال مضت لم يكن له وجود في النيل ولا أنهار المنطقة! فهل تعلم كيف وصلنا هذا الضيف الثقيل؟!
لقد أُحضر إلى مصر، وكذلك العراق، على أنه نبات زينة جميل! وأدخله إلى سوريا أستاذان جامعيان لاستخدامه علميًّا في أبحاث لامتصاص المعادن الثقيلة من المياه! والقصص متشابهة في كل مكان أُدخل إليه. وسرعان ما انتشر في الأنهار، وتحوَّل إلى رُعب مُدَمِّر للأنهار، التي هي أحد أهم مصادر المياه، بل والحياة، للإنسان وباقي الكائنات الحية!
لعلك، معي، قد ربطتَ بسهولة بين ورد النيل والخطية:
فالخطية أيضًا تبدو جميلة المنظر من الخارج ثم حين تلدغ كالحية فالخسارة عظيمة (قضاة14: 7؛ 16؛ أمثال14: 13؛ 23: 31، 32). كثيرون يموتون في الأدغال حين يمدون أيديهم ليلتقطوا ما يظنونه ماسة لامعة؛ فإذ بها عين ثعبان ينقض عليهم فاتكًا بهم.
والخطية أيضًا سريعة التكاثر، فما أن تدخل الحياة حتى تنتشر وتتكاثر أسرع مما تتوقع (1كورنثوس5: 6-9؛ غلاطية5: 9؛ نشيد الأنشاد2: 12). فما أكثر من اعتقدوا أنه لا ضرر من الاطلاع مرة على موقع إباحي، وسُرعان ما وجدوا تلك المواقع تُسَلسِل حياتهم. وآخرون اعتقدوا أن سيجارة لن تفعل شيئًا فإذ بهم عبيد للمُكيِّفات.
والخطية أيضًا تبقى في حياتنا كامنة تنتظر الفرصة، فكم من فكرة أو نكتة أو مشهد لم نحكم عليها في حينها، كَمَنَت حتى استغلت الفرصة وظهرت في صورة كلمة رديَّة أو نظرة شريرة أو شهوة.
والخطية أيضًا تستهلك مياه الانتعاش في حياة المؤمن فتتحول رطوبته إلى يبوسة القيظ (مزمور32: 2-5)، فتختفي أفراح حياته التي اعتادها من وقته مع الرب وفي الاجتماعات، وتحل العبوسة والاكتئاب.
والخطية أيضًا تؤثر على نوعية ما يشرب منه الإنسان، ما يحاول أن يُسِر نفسه به، من مشاهدات ونِكَات وأغانٍ وغيرها، فيشرب ولا يرتوي (يوحنا4: 13).
والخطية أيضًا تخنق عادات وسِمَات حسنة في حياتنا، فتجدنا بسببها كففنا عن عادات كقراءة كلمة الله والصلاة، واختفى من حياتنا اللطف ودماثة الأخلاق ومحبة الآخرين ومساعدتهم.
والخطية أيضًا تُظهر الكثير من الرداءة في حياتنا، فمن كان يظن أن داود يصل به الأمر لأفظع الأمور إلا لأنه ترك الخطية ترعى في حياته (2صموئيل11)؟!
والخطية أيضًا تحجب نور وجه الله عن عيوننا، فنُحرَم من التمتع به، بذاك الذي به نحيا ونتحرك ونوجد، نُحرَم من بسمة الصباح في وجه ذا الوجود، من نظرة الرضا في عينيه.
والخطية أيضًا تعوق حركتنا وتشل شهادتنا، فنقف مكتوفي الأيدي عاجزين عن أن نشهد للهالكين حولنا بطريق الخلاص الذي في يسوع المسيح (تكوين19: 14).
إن كان ورد النيل قاتل الأنهار، فالخطية قاتلة الحياة الجميلة والمتعة الحقيقية في شخص المسيح.
صديقي،
احذر أن تستحلي الخطية،
أو تُدخلها حياتك بحسن نية معتقدًا أنها مفيدة ولازمة،
أو حتى تتغافل فتتسلل لحياتك.
النتيجة مدمرة.
لذا اسهر على حياتك مراقبًا ما يدخلها!
وإن كانت هناك بالفعل خطية في حياتك الآن، فهيَّا اعترف بها للرب، واطلب منه أن يرد نفسك إليه، ويرد لك بهجة خلاصك، ويعيدك إلى مكانك الصحيح وتمتعك به. وتَضَرَّع إليه أن يعطيك قوته لترفضها تمامًا فتعيش سعيدًا!