هرب يعقوب من بيت أبيه متجهًا إلى بيت خاله لابان؛ فخرج من بئر سبع وذهب نحو حاران، وصادف مكانًا وبات هناك لأن الشمس كانت قد غابت.  وأخذ من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه واضطجع في ذلك المكان.  ورأى حلمًا فاستيقظ من نومه وقال: «حقًا إن الرب في هذا المكان... ما أرهب هذا المكان».  وبكَّر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عمودًا وصب زيتًا على رأسه ودعا اسم ذلك المكان بيت إيل (تكوين28: 10-19).

ومما سبق نرى أن الحجر كان في ثلاثة أوضاع:

أولاً: كان نائمًا على الأرض،
ثانيًا: مُقامًا،
ثالثًا: مصبوبًا عليه الزيت.

وهذا الحجر هو إشارة للرب يسوع المسيح المكتوب عنه: «الذي إذ تأتون إليه حجرًا حيًّا مرفوضًا من الناس ولكن مختار من الله كريم» (1بطرس2: 4).

أولاً: الحجر نائم على الأرض

الحجر أساسًا هو جزء من الجبل العالي والمرتفع ولكنه قُطع من الجبل ونزل إلى الأرض، وهو في هذا يشير إلى الرب يسوع المسيح السماوي، فهو الله العلي المرتفع، ساكن الأبد (إشعياء57: 15).  لكنه في ملء الزمان أتى إلى أرضنا متجسدًا وأخذ صورة عبد، وكما هو مكتوب: «وكان الكلمة الله...  والكلمة صار جسدًا وحَلَّ بيننا» (يوحنا1: 14).

وأخذ يعقوب من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه؛ أي جعله نائمًا.  وهو في هذا يشير إلى موت المسيح ودفنه في القبر، لقد عاش المسيح - له المجد - على الأرض حياة القداسة والكمال، ولكنه ختم رحلته بالصليب حيث ذاق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد.

كان يعقوب مُتعَبًا من الرحلة الشاقة وضميره مُثقَلاً مما فعله مع أخيه ومما صدر منه من كذب وغش وخداع، ولكن بمجرد أن وضع الحجر تحت رأسه واضطجع في ذلك المكان وجد الراحة ونام نومًا عميقًا.  وهكذا كل من يأتي بالإيمان إلى الرب يسوع يتمتع بالراحة الحقيقية فهو الذي قال: «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم» (متى11: 28).

ثانيًا: الحجر مُقام

بعد أن رأى يعقوب الحلم استيقظ من نومه، وبكَّر في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عمودًا.  والحجر كان في الليل نائمًا لكنه في الصباح صار مُقَامًا عمودًا، وهو في هذا إشارة إلى قيامة المسيح من بين الأموات في فجر أول الأسبوع.

إن قيامة المسيح جزء أساسي من الإيمان المسيحي: «المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب.  وأنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب».  يقول الرسول بولس بلغة الانتصار: «ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين» (1كورنثوس15: 4، 20).

وقيامة المسيح إعلان عن نصرته على الموت وسلطانه عليه إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسَك منه (أعمال2: 24)، وأيضًا عن لاهوته (رومية1: 4)، وعن تبريرنا أمام الله (رومية5: 24).  وبقيامته قُمنا معه (أفسس2: 6)، وصار الرجاء حيًا لنا (1بطرس1: 3).

ثالثًا: الحجر مصبوب عليه الزيت

بعد أن أقام يعقوب الحجر صب زيتًا على رأسه، والزيت في الكتاب المقدس يتكلم عن الروح القدس.  والرب يسوع المسيح قد وُلد بالروح القدس (لوقا1: 35).  وأيضًا في المعمودية، وقبل بداية خدمته، نزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة واستقر عليه (لوقا3: 22)؛ لذا نقرأ المكتوب عنه: «كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه» (أعمال10: 38). وهـو - تبارك اسمه - قال عن نفسه: «لأن هـذا الله الآب قـد ختمه» (يوحنا6: 27).

ولكن بعد موت وقيامة المسيح وصعوده للمجد وجلوسه في يمين العظمة في الأعالي، أخذ الروح القدس وسكبه على المؤمنين يوم الخمسين حيث تكوَّنت الكنيسة.  وهذا ما قاله الرسول بطرس في عظته يوم الخمسين: «فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعًا شهود لذلك.  وإذ ارتفع بيمين الله وأخذ موعد الروح القدس من الآب سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه وتسمعونه» (أعمال2: 32-34).  لقد سكب يعقوب الزيت على رأس الحجر بعد أن أقامه، وبالتأكيد نزل الزيت من على الرأس إلى كل عمود الحجر؛ وهكذا المسيح بعد أن تمجَّد كالرأس أخذ الروح القدس وسكبه في يوم الخمسين على كل المؤمنين الحقيقيين.

والآن الروح القدس في المؤمنين ككنيسة على الأرض، وفي هذا إعلان أن يسوع قد تمجَّد كما هو مكتوب: «وفي اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلاً: إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب.  من آمن بي، كما قال الكتاب، تجري من بطنه أنهار ماء حي.  قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه.  لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد» (يوحنا7: 37-39).

بحق ما أروع كلمة الله التي موضوعها شخص ربنا يسوع المسيح المرموز إليه بالحجر في اتضاعه وموته وقيامته وصعوده للمجد وإرسال الروح القدس ليسكن في الكنيسة!  هو الحجر الذي رفضه البناؤون لكن قد صار رأس الزاوية (مزمور118: 22) في أعلى قمة في البناء؛ أي صارت له كرامة خاصة وعظيمة كما هو مكتوب: «حجرًا حيًّا...  مُختار من الله كريم» (1بطرس2: 4).  إنه مُكرَّم عند الله وأيضًا عند المؤمنين.  والعجيب أن المؤمنين بالمسيح صارت لهم أيضًا الكرامة كما هو مكتوب: «فلكم أنتم الذين تؤمنون الكرامة» (1بطرس1: 7)، أما بالنسبة لغير المؤمنين بالمسيح صار هو «حجر صدمة وصخرة عثرة»، ومصيرهم هو السحق بالدينونة الرهيبة كما هو مكتوب: «ومن سقط هـو عليه يسحقه» (متى21: 44).


أخي.. أختي.. لا تُقَسِّ قلبك ولا ترفض الرب يسوع المخلّص الوحيد لئلا يأتي يوم فيه يسحقك فتهلك هلاكًا أبديًّا!  لكن تعالَ إليه بالإيمان فتهتف قائلاً: «وأقام على صخرة رجليَّ، ثبَّت خطواتي» (مزمور40: 2).