قصة يوسف واحدة من القصص الشائقة في كل الكتاب المقدس، والروح القدس خصص لها مساحة أكبر من إبراهيم وإسحاق. ويُعتَبر يوسف من الشخصيات الهامة في العهد القديم. ولقد تألم في بداية حياته ولكنه في النهاية تَمَجَّد. وهو يشير بوضوح إلى الرب يسوع المسيح في آلامه ورفضه، سواء من إخوته أو من الأمم، وأيضًا إلى أمجاده، «الآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها» (1بطرس1: 11).
يوسف هو ابن يعقوب، وأمه هي راحيل. وهو شخصية جذابة وحلوة ومؤثرة، ونتعلم منها دروسًا عملية مفيدة، لكن الشيء الرائع أن بها الكثير من الرموز الواضحة لربنا يسوع المسيح:
* عندما وُلد يوسف نُزع عار راحيل لأنها كانت عاقرًا: «قد نزع الله عاري» (تكوين30: 23)، وهكذا جاء الرب يسوع ليرفع عَنَّا عار خطايانا (أمثال14: 34).
* كان يعقوب عبدًا عند خاله لابان، ولكن بعد ولادة يوسف وضَع حدًّا لتلك العبودية، فقال للابان: «اصرفني لأذهب إلى مكاني وإلى أرضي» (تكوين30: 25)، وهكذا كل من يؤمن بالرب يسوع لا بُد أن يتحرر من عبودية إبليس والخطية: «فإن حرَّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا» (يوحنا8: 36).
* بعد ولادة يوسف نجد راحيل تذكر اسم الرب لأنها قالت: «يزيدني الرب ابنًا آخر» (تكوين30: 24)، ويعقوب يطلب العودة إلى أرضه ومكانه، وهكذا عندما يملأ المسيح قلب المؤمن فإن أموره تنضبط ويعود إلى المكان الصحيح.
* عندما كان يوسف طفلاً هربت العائلة من فدان أرام متَّجهة إلى أرض كنعان، فاحتضنته أمه راكبة على ظهر جمل يُساق بأقصى سرعة، وبالتأكيد كانت أيامًا مؤلمة لِمَا فيها من فزع وخوف وعَجَلة. وهي صورة أيضًا لآلام الصبي يسوع حين كان عمره أقل من سنتين عندما هرب إلى مصر، إذ أراد هيرودس أن يقتله فظهر ملاك الرب ليوسف في حلم قائلاً له: «قُم خُذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر وكُن هناك حتى أقول لك» (متى2: 13).
* يوسف معنى اسمه “يزيد”؛ فلقد قالت راحيل: «يزيدني الرب ابنًا آخر»؛ وفي هذا صورة للرب يسوع الذي بمجيئه أضاف إعلانًا رائعًا عن الله وهو المحبة، وأيضًا أضاف الثمر الكثير إلى سكان السماء. وعندما نهتم بأمور الله فإن أمور الزمان تُزاد لنا فلقد قال الرب يسوع: «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تُزاد لكم» (متى6: 33).
* كان يوسف يرعى الغنم مع إخوته، ورعاية الغنم تتطلب الاعتناء بهم، وحمايتهم من الوحوش المفترسة والتضحية من أجلهم. وهو صورة للرب يسوع الذي قال: «أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف» (يو10: 11). وهو أيضًا «راعي الخراف العظيم» الذي يهتم بكل المؤمنين وهُم في برية هذا العالم، فهو المكتوب عنه: «كراعٍ يرعى قطيعه، بذراعه يجمع الحملان، في حضنه يحملها، ويقود المرضعات» (إشعياء40: 10).
* كان يوسف يكره الشر لذلك أتى بنميمة إخوته الرديئة إلى أبيهم (تكوين37: 2)، فهو مُنفَصِل عن شرورهم، وهو في هذا صورة للرب يسوع القدوس الذي «لم يعرف خطية» (2كورنثوس5: 21)، و«لم يفعل خطية» (1بطرس1: 22)، و«ليس فيه خطية» (1يوحنا3: 5)، ولقد وبَّخ الرب يسوع الناس على خطاياهم لذلك أبغضوه، وقـال للذين لم يكونوا يؤمنون به بعد: «لا يقدر العالم أن يبغضكم ولكنه يبغضني أنا لأني أشهد عليه أن أعماله شريرة» (يوحنا7: 7).
* كان يوسف محبوبًا من قلب أبيه يعقوب (تكوين37: 3)، صورة للرب يسوع المحبوب من قلب أبيه وموضوع لذته من الأزل كما هو مكتوب: «كنتُ عنده صانعًا وكنتُ كل يوم لَذَّته فَرِحَةً دائمًا قدامه» (أمثال8: 30)، وعندما أتى إلى الأرض متجسِّدًا، أعلن الآب عنه، في المعمودية، وعلى جبل التجلي: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت» (متى3: 17؛ 17: 5)، وقال الرب يسوع: «لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا» (يوحنا10: 17).
* صنع يعقوب ليوسف ابنه قميصًا مُلَوَّنًا، وهو ليس قميصًا قصيرًا، بل جلبابًا طويلاً مما كان عادة يُلبَس في مصر، وكان مُرَكَّبًا من قطع كثيرة ولكل قطعة لونها الخاص الجميل. وهذا القميص المُلَوَّن لا يلبسه إلا أولاد الأمراء والملوك والأغنياء. والقميص المُلَوَّن يعلن الكرامة التي أُعطِيَت ليوسف من أبيه، صورة لإكرام الآب للمسيح ابنه، ففي المعمودية سُمِع صوت الآب مُعلِنًا أنه ابنه الحبيب موضوع سروره، وكذلك على جبل التجلي، وأكرمه عندما استجاب لصلاته وقال له: «مَجَّدتُ وأُمَجِّد أيضًا» (يوحنا12: 28).
والقميص المُلَوَّن يعلن أيضًا التميُّز والتفرُّد عن غيره، صورة لتميُّز ربنا يسوع عن كل البشر، ففي ولادته كان متميزًا فلقد وُلد من عذراء، وفي يوم ولادته ظهر ملاك الرب للرعاة مُبشِّرًا بولادة المسيح، ثم ظهر جمهور من جند السماء مُسبِّحين، ثم ظهر نجم في المشرق يعلن للمجوس عن ولادة المسيح، فجاءوا قائلين: «أين هو المولود ملك اليهود؟»، ثم تحرك معهم النجم من أورشليم إلى بيت لحم ووقف حيث كان الصبي، ولما رأوه خَرُّوا وسجدوا له وقدَّموا له هداياهم؛ ذهبًا ولُبانًا ومُرًّا. وكان متميزًا في حياته، فهو الوحيد القدوس البار الذي لم يفعل خطية.
وكان متميزًا عن تلاميذه، فأرجل التلاميذ تُغسَل بالماء وتُنَشف بالمنشفة في يوحنا13، لكن رجلي المسيح تُدهن بطيب الناردين الخالص كثير الثمن وتُمسَح بشعر مريم أخت لعازر، لكي يظل المسيح - له المجد - متميزًا عن الجميع ومُكَرَّمًا ومُرْتَفعًا فوق الكل.
بحق ما أروعه هذا القميص المُلَوَّن، الذي يكلمنا عن أمجاد المسيح المتنوعة وعن كمالاته المطلقة غير المحدودة! هيا نتأمل فيه باستمرار ونشبع به!
* * *
أخي، أختي، كان يوسف محبوبًا من قلب أبيه، وأنت كذلك محبوب من قلب الله الذي أعلن محبته لك بموت المسيح على الصليب لأجلك. فهل تحبه؟! كان يوسف يلبس قميصًا مُلَوَّنًا يعلن عن تميُّزه عن الآخرين، فهل أنت لَبِست الرب يسوع المسيح لتعلنه في حياتك أمام الآخرين لتُظهِر صفاته الجميلة والحلوة؟!