كثيرون هم الذين ينطلقون تحت شعار خدمة الرب، لكن قليلون هم الخدّام الحقيقيون الذين يخدمونه من قلب صادق وبحسب مشيئته ودعوته الإلهية. ولقد جاء سيدنا العظيم ليصنع لنا الصورة النموذجية الصحيحة للخادم الحقيقي الصحيح. لنتأمل قليلاً في حياة هذا الخادم العظيم، ثم نختبر أنفسنا لنعلم أين نحن، مُستمعين إلى دعوته الواضحة: «إن كان أحد يخدمني فليتبعني» (يوحنا12: 26).
أولاً: دعوة الخدمة والهدف منها
قيل عنه في النبوة «روح الرب عليَّ لأنه مسحني لأُبَشر المساكين، أرسلني لأشفي منكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأُرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة» (لوقا4: 18، 19؛ إشعياء61: 1، 2؛ نظر أيضًا متى12: 18؛ إشعياء61: 1، 2).
والآن ماذا عنَّا نحن؟ هل نحن واثقون أن الله هو الذي دعانا لهذه الخدمة التي نقوم بها؟ وهل نعرف ما هو الهدف الذي يريده الله منها؟
ثانيًا: حياة الخادم الشخصية
1- الوداعة والتواضع
نقرأ عنه القول: «لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مُدَخِّنة لا يُطفِئ» (متى12: 19، 20؛ إشعياء42: 2، 3)، وبحق قال لنا: «تعلموا مِنِّي لأني وديع ومتواضع القلب» (متى11: 39).
عندما لم يقبله أهل قرية للسامريين قال له يعقوب ويوحنا: «يا رب أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم؟»، التفت إليهما وانتهرهما وقال: «لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليُهلك أنفس الناس بل ليُخَلِّص» (لوقا9: 51-56؛ انظر 1بطرس2: 21، 23).
دعونا نمتحن أنفسنا هنا ونتساءل: ما هي ردود أفعالنا ونحن في طريق خدمتنا عندما نتعرض إلى إساءة من الآخرين أو رفضهم لنا؟!
2- حياة الاكتفاء الزمني
عندما جاء واحد قائلاً له: «يا سيد أتبعك أينما تمضي»، قال له: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار أما ابن الإنسان فليس له أين يُسنِد رأسه» (لوقا9: 57، 58). ونقرأ أيضًا القول: «مضى كل واحد إلى بيته أما يسوع فمضى إلى جبل الزيتون» (يوحنا7: 53؛ 8: 1). ثم يكتب لنا بولس الرسول: «تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره» (2كورنثوس8: 9).
ماذا عنَّا نحن؟ هل نعيش حياة الاكتفاء الفعلي ونحن في طريق الخدمة؟ هل أمور العالم المادية لا تمثل شيئًا في حياتنا أو اهتماماتنا الفعلية؟!
3- الثبات على هدف الخدمة
قال: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله»، وكذلك: «قد نزلتُ من السماء ليس لأعمل مَشيئتي بل مَشيئة الذي أرسلني»، وفي نهاية خدمته على الأرض نسمعه يقول للآب: «أنا مَجَّدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يوحنا4: 34؛ 6: 38؛ 17: 4).
هل ينطبق هذا علينا؟ هل نحن ثابتون في مسيرتنا لتنفيذ مشيئة الله في حياتنا وإتمام الخدمة التي أخذناها منه مهما قابلتنا المتاعب والآلام والمضايقات؟!
4- الشركة المستمرة مع الآب
نقرأ عنه: «وفي الصبح باكرًا جدًّا، قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي» (مرقس1: 35)، ثم نقرأ أيضًا: «وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي وقضى الليل كله في الصلاة» (لوقا6: 13)، وفي بستان جثسيماني نراه «جثا على ركبتيه وصلَّى... وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة» (لوقا22: 39-46).
ماذا عنَّا نحن؟ هل نقضي وقتًا كافيًا في شركة شخصية مع إلهنا؟ أم هل تأخذنا مشاغل الحياة والخدمة ولا نجد وقتًا نقضيه مع إلهنا؟!
ثالثًا: أسلوب الخدمة
1- البذل والعطاء
نسمعه يقول: «ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (متى20: 28)، و«إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتَمُت فهي تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير» (يوحنا12: 24)، وفي الليلة الأخيرة من حياته على الأرض وهو مع تلاميذه في العلية: «قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ مِنشفة واتَّزر بها ثم صَبَّ ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة» (يوحنا13: 4، 5).
ماذا عنَّا نحن الذين نخدم؟ هل نعيش حياة البذل والتضحية لأجل الآخرين؟!
نسمعه يقول لتلاميذه: «إني أعطيتكم مثالاً حتى كما صنعتُ أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا» (يوحنا13: 15؛ انظر متى11: 29)، وفي نهاية حياته على الأرض، عندما قبض عليه رؤساء الكهنة لكي يحاكموه، نقرأ القول: «كان رؤساء الكهنة والمجمع كله يطلبون شهادة على يسوع ليقتلوه فلم يجدوا» (مرقس14: 55).
ليتنا نمتحن أنفسنا؛ نحن الذين نخدم، هل نحن قدوة صحيحة للذين نخدمهم؟ ماذا يقول الآخرون عنَّا؟ هل نقود الآخرين عمليًّا للحياة الصحيحة؟ أم نحن سبب عثرة في أوقات كثيرة؟!
3- كلام النعمة المصلح بملح
نراه عندما تكلم مع المرأة السامرية ليضعها أمام حقيقية حياتها يقول: «حسنًا قلتِ... هذا قلتِ بالصدق» (يوحنا4: 17، 18)، وعندما أحضر الفريسيون المرأة الخاطئة ليرجموها وليجربوه قال لهم: «من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر» ثم قال للمرأة: «ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا» (يوحنا8: 2-11).
فماذا عن أسلوب كلامنا مع الآخرين؟ هل لدينا الاتزان الصحيح؟ أم نسقط في خطإ الاندفاع في الكلام، الأمر الذي قد يتسبب في هروب الآخرين مِنَّا ورفضهم لسماع ما نقول؟!
4- تقدير قيمة النفوس واحتياجاتهم
نراه يمشي الساعات الطويلة، حتى تعب من السفر وجلس على البئر، ليتقابل مع امرأة خاطئة من السامرة (يوحنا4: 6؛ انظر 5: 1-9)، كما نراه يهتم باحتياجات الجموع الكثيرة التي طلبت أن تسمعه وتبعته ثلاثة أيام، فيقول للتلاميذ: «إني أشفق على الجمع لأن لهم ثلاثة أيام... لئلا يخوروا في الطريق» (متى15: 32-36)، كما نراه يأتي ليسير مع تلميذي عمواس المُحبَطين ليرد نفوسهم ويُرجعهم إلى الطريق الصحيح (لوقا24: 13-33).
فماذا عنَّا نحن؟ هل نقود النفوس التي نتعامل معها مهما كانت حالتها الأدبية أو الروحية؟ هل نهتم باحتياجاتهم المختلفة ونعمل على تسديدها بالطريقة الصحيحة؟!
هذا قليل من كثير. ليتنا نتعلم من هذا السيد العظيم؛ فنحقِّق مشيئة الله في خدمتنا، وعندها نشاركه القول الذي أَتَمَّ به حياته على الأرض: «العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يوحنا17: 4)!